«إنه يرسم صورة مضيئة وردية لنظام مبارك» هكذا وصفت «نيويورك تايمز» السفير الأمريكى السابق فى القاهرة فرانسيس ريتشاردونى فى معرض انتقادها لرأيه فى نظام الرئيس مبارك «الذى يسحق معارضيه» على حد وصف الصحيفة.
ريتشاردونى عاشق لمصر، لدرجة أن كثيراً من الأصوات اليمينية فى واشنطن هاجمته، وقالت إنه يضر بمصالح الولايات المتحدة بحبه الزائد للقاهرة.
«السفير المتصوف» غادر القاهرة، لكننا فى «المصرى اليوم» ومع تنصيب باراك أوباما فى البيت الأبيض رأينا أن نقربه من الرأى العام المصرى، مجدداً لسؤاله عن مصر ومستقبلها مع الإدارة الجديدة وكيف لنا أن نقرأ باراك أوباما بشكل صحيح بعيداً عن العاطفة والآراء المسبقة ..
لكن الحوار الممتد عبر الهاتف مع الدبلوماسى الذى يعمل حالياً كباحث زائر فى مؤسسة الولايات المتحدة للسلام تناول قضايا عديدة ومهمة أبرزها، فى رأينا، موقف واشنطن من الإخوان ولماذا ومتى توقفت الاتصالات بينهما.
* لنبدأ من فوز باراك أوباما بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتنصيبه كأول رئيس أسود كيف تصفه؟
- معظم الأمريكيين فى حالة سعادة فهو حدث إيجابى وتاريخى بالنسبة لهم لم يصوتوا لـ أوباما، إن هذه فترة مثيرة فى تاريخ الولايات المتحدة على الرغم من مرورنا باقتصاد عسر والحروب القائمة، إلا أن الأمريكيين مفعمون بالأمل لتغيير القيادة، نحن كأمريكيين دائماً ما نتوقع التغيير فالتغيير جزء من دستورنا والكونجرس يتغير كل عامين والرئاسة تتغير كل أربع سنوات وهذا أمر جيد وصحى.
* الكثيرون يتساءلون لماذا تغير الشعب الأمريكى وكيف اختار رئيساً من أصل أفريقى وهل نحن كعرب قادرون على هذا الحجم من التغيير؟
- إن شعوب الشرق الأوسط ومصر قادرة على تحقيق جميع أحلامهم، هو مجرد سؤال ثقة بالنفس وإمكانية الحلم بأحلام كبيرة، إن مصر تحديداً قادرة على إنجاز أشياء عظيمة فأنتم تملكون الأساس أنتم شعب رائع وحضارة عريقة، إن مصر نموذج يحتذى به عندما تكون فى أحسن أحوالها. لقد شعرت خلال فترة خدمتى فى مصر بحركة نشاط فهو شعب معظمه من الشباب المتواصلين مع العالم الخارجى ومع بعضهم البعض يتحدثون عن أحوال البلد والتغيير.
* هل تعتقد أن أوباما سيتمكن من الحوار مع زعماء الدول العربية الذين ينتمى معظمهم لشريحة عمرية مختلفة؟
- بالطبع، فالولايات المتحدة دائماً تتحدث باحترام كبير وتواضع، فنحن نظل أقوياء فى مجالات عديدة وتزيد أهمية التواضع فى الكلام كلما زادت قوتك، ففى أى دولة أنت بحاجة إلى توازن بين النضج والحكمة والرصانة وهى نتيجة للخبرة والحماس والطاقة والشباب والانفتاح للأفكار الجديدة وأوباما يجمع هذه الصفات.. فهو ليس قاس أو متهور وهو منفتح للأفكار الجديدة، هو يملك التوازن الصحيح للولايات المتحدة الأمريكية.
* البعض شبه اختيار أوباما بالرئيس الأمريكى الأسبق جون كنيدى، ما رأيك فى هذا التشبيه؟
- الاثنان من الحزب الديمقراطى ومن الشباب وجذابان ولكن ليس بالضرورة أن تكون نهايتهما واحدة فأنا لا أعتقد أن الاغتيال يمثل خطرا أكبر بالنسبة لأوباما أكثر من أى رئيس آخر.
* كيف ترى مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية على مستوى السياسة الخارجية وبالتحديد تجاه الشرق الأوسط فى ظل الإدارة الجديدة؟
أنا متفائل مثل معظم الأمريكيين فالعلم يوفر لنا فرصاً هائلة أكثر مما كنا نملك فى الماضى فنحن لا نملك خياراً سوى أن يكون لدينا علاقات جيدة ونتعاون، ولا أستطيع التكهن بما ستقوم به إدارة باراك أوباما تجاه السياسة الخارجية.
* أنت الآن باحث زائر على مؤسسة الولايات المتحدة للسلام وحسب موقع المؤسسة فخلال زيارتك ستكتب عن العلاقات المصرية الأمريكية.. ماذا ستقول فى هذه الأبحاث؟
- أنا أحضر لكتاب خلال هذا العام عن العلاقات المصرية الأمريكية ومحور تركيزه هو عن أسلوب المفاوضات داخل مصر فى خضم المرحلة الانتقالية التى تمر بها. لقد طلبت منى المؤسسة عمل كتاب عن هذا ووافقت، خاصة لأن مصر الآن تمر بمرحلة انتقالية تاريخية.
مصر شعب شاب تنظر إلى العالم بطريقة جديدة وتتحدث داخلها كما لم يحدث من قبل، لقد عشت فى مصر فى الثمانينات ثم جئت مرة أخرى بعد عشرين عاماً ورأيت كيف صار المصريون أكثر تناغماً مع ما يحدث داخل بلدهم وفى العالم فمستوى الأمية ليس كما كان ويوجد صحف مثل المصرى اليوم والدستور مستقلة وتوزيعها فى تزايد بالإضافة إلى التكنولوجيا الرقمية فالمصريون يملكون أقماراً صناعية ويستخدمون الإنترنت فكل هذا يساعد مصر على التحول بسرعة متزايدة. مصر نشيطة جداً..
الشباب يتناقشون فى أى اتجاه يجب أن تسير، فالمناقشات السياسية أكثر من أى وقت سابق. فلم يعد الأمر يقتصر على رجال فى منتصف العمر فى المقاهى فمصر أصبحت مثل مقهى عملاق ويشارك فيه كثير من المصريين.. الكبار والصغار والرجال والنساء بينهم البعض من أصدقائهم من الأجانب.
* هل تعتقد أن مصر فقدت نفوذها لدول عربية آخرى؟
- أنا أعتقد أن دول الخليج تنمو فى أهميتها فى موازاة نمو ثرواتها وهذا أمر إيجابى ولكن هذا لا يعنى أن مصر باتت أقل فى الأهمية، وأعتقد أنه يمكن توصيف الوضع، أن مصر كانت فى الماضى تحتكر النفوذ أو يمكن القول بأن مصر كان لها ثقل فى القوة والنفوذ..
ثقل ثقافى واقتصادى وأما الآن دول أخرى تربح من الازدهار الاقتصادى والنفوذ السياسى أيضاً ولكنهم لا يربحون على حساب مصر. مصر أغنى من أى وقت سابق وعدد سكانها يزيد وتملك مجتمعاً وإعلاماً نابضاً بالحياة بالإضافة إلى مشاكل شديدة ولكن هذا لا يعنى أنها فى انهيار هذا يعنى أنها تصارع مشاكلها كما يفعل الجميع. مصر تظل دولة ذات أهمية محورية ونفوذها ليس فى انهيار حتى إذا كانت دول أخرى تعلو فى السلطة والنفوذ.
* سيدى وصفتك صحيفة نيويورك تايمز فى أحدى افتتاحياتها العام الماضى أنك ترسم «صورة مضيئة وردية لنظام مبارك» وأن ما تقوله فى تصريحاتك الإعلامية «يتناقض مع الواقع» .. ما تعليقك على هذا؟
- أناس مختلفون ينتقدونى.. البعض يعتقد أنك يجب أن تستخدم لغة حادة للتعبير عن مدى عدم اقتناعك.. وأنا أعتقد أنك كدبلوماسى يجب أن تجد اللغة المضبوطة ومن الممكن أن نقول أن عندنا اختلافات فى الرأى مع مصر وفى نفس الوقت نعمل على الأشياء التى اتفقنا عليها.
فعلى سبيل المثال من المعروف وجود أصوات انتقاد عالية وحادة فى مصر من بينهم صديقى د.سعد الدين إبراهيم ود.هالة مصطفى، هؤلاء مصريون اختلفوا مع حكومتهم ولكنهم شديدو الوطنية ويريدون رؤية إصلاح، وبالتالى نحن ندعم ما يقولون، ونستمع إليهم باحترام وفى الوقت نفسه نتعامل باحترام مع الحكومة المصرية وهو أمر حتمى. وإذا كان البعض يعتقد أنه من الضعف التعامل باحترام حتى عند الاختلاف، إذا أنا مخطئ، ولكنى أعتقد أنهم أساءوا فهم الدبلوماسية.
* إذا نظرنا إلى أجندة الإصلاح الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية، البعض يقول إنها أفقدتكم حب الحكومة المصرية وفى الوقت نفسه لم تنالوا حب المصريين على الرغم من مطالبتكم بإصلاح بلادهم.. ما رأيك فى هذا؟
- هذا حقيقى.. نحن فى حاجة إلى إيجاد اللغة والطريقة الصحيحة لدعم التغيير الديمقراطى فى مصر، نريد أن نقوم بهذا بطريقة فعالة وبطريقة يرحب بها المصريون. نحتاج إلى إيجاد اللغة الصحيحة فى بياناتنا العامة وأحاديثنا الرسمية وأعتقد أننا قادرون على هذا، فالولايات المتحدة والحكومة والإعلام المصرى يملكون المهارة الكافية لنجد وسيلة للتواصل حول هذه الأشياء.
* بقولك أنكم فى حاجة إلى تغيير خطابكم الموجه إلى مصر هل تحاول أن تقول إن التقارير والبيانات الصادرة عن الإدارة الأمريكية الخاصة بمصر كانت قاسية؟
- أنا لن أقول هذا.. فالتقارير تصدر بحرص شديد ونكافح طول الوقت أن نكون حياديين وواقعيين قدر الإمكان، نحاول مراجعة كل التقارير وجمع معلومات قدر المستطاع. أيضاً عندما نعمل على تقارير حقوق الإنسان وحرية الأديان فى مصر وهو ما يفرضه علينا القانون الأمريكى نسعى إلى الإلمام برأى الحكومة المصرية والمؤسسات المصرية مثل المجلس الأعلى لحقوق الإنسان كما نعتمد بشكل كبير على الإعلام المصرى.
* هل تتوقع أن تستمر أجندة الديمقراطية وحقوق الإنسان مع الإدارة الأمريكية الجديدة؟
- أعتقد أن الإدارة الجديدة ستكمل الأجندة الديمقراطية ولكن بطريقة أعتقد أننا دائماً استخدمناها وهى طرح أسئلة أكثر من الإجابات، بمعنى أن نسأل مصر، ماذا تريدون؟ كيف ستحققون أحلامكم؟ ما الطريق الذى اخترتموه لأنفسكم وكيف تريدون مساعدتنا؟ كيف يمكننا المساعدة، ماذا تريدون منا؟
وبالطبع لا يوجد إجابة واحدة أو إجابة سهلة لهذا نستمع إلى الجميع.. نستمع إلى النقاد أمثال هالة مصطفى وسعد الدين إبراهيم وكل من ينتقد الدولة ولهذا نستمع أيضاً إلى الحكومة نفسها.. نحن نستمع إلى أصوات مصرية كثيرة لأن المصريين فقط هم القادرون على تحديد كيفية تقدمهم ونحن قد نجد طرقاً للمساعدة ودعم الإصلاح الاقتصادى. وفى بعض الأحيان نتحدث منتقدين ولكن معظم الوقت نتحدث فى مساندة الأشياء الإيجابية التى تنجز.
* لم تذكر سوى هالة مصطفى وسعد الدين إبراهيم فى حوارك معنا غافلاً فى ذلك عن أيمن نور.. لماذا؟
- لم أسعد بلقائه، ولكنى التقيت زوجته.. نحن بالطبع نتمنى أن تحل قضيته قريباً لقد أمضى فى السجن ما يقرب من ثلاث سنوات. لقد تحدثنا فى قضيته الكثير من المرات وتمنينا أن يظهر لدى القضاء المصرى رحمة ويتم الإفراج عنه.. نحن نعتقد أنه من غير الصحيح أن يسجن شخص على أساس أرائه السياسية، بالطبع نحن نفهم أن التهم الموجهة إليه لا تتعلق بآرائه السياسية ولكن هذا ما يعتقده معظم الناس وأيمن نور نفسه، فمعظم المصريين يؤمنون أن السبب الرئيسى وراء سجن أيمن نور هو أراؤه السياسية.
* ما تقييمك الشخصى لمن وصفتهم بـ «المنتقدين» كسعد الدين إبراهيم وهالة مصطفى وأيمن نور؟
- أعتقد أنهم مصريون وطنيون، قد نختلف فى كثير من الأشياء، أنا شخصياً أختلف مع سعد الدين إبراهيم فى آرائه تجاه الدعم الأمريكى ولكنى أكن له احتراماً عظيماً كمصرى يحب بلده ويريد أن يراها تنفتح..
هو كان أستاذاً بالجامعة الأمريكية وكان يدرس لابنتى وهو شخص يؤمن بشغف بالحاجة إلى الديمقراطية والحرية فى مصر، وأنا أحترم هذا، والأمر ذاته ينطبق على هالة مصطفى وأسامة الغزالى حرب وكل رموز المعارضة وأيمن نور على الرغم من أنى لا أعرفه شخصياً فأنا لم ألقيه وأعتبر لغته حادة بالنسبة لى، ولكن هذه هى اللغة السياسية فى بعض الدول ومن بينها مصر. هذا لا يعنى أنى أتفق مع كل ما يقولون ولكنى بالطبع أعتقد أن السياسيين يجب أن يكونوا أحراراً فى الحديث عما يجول فى خواطرهم.
فالمصريون ناضجون حتى الفلاح المصرى البسيط لديه صقل لا تملكه شعوب دول أخرى ربما السبب أن مصر حضارة قديمة. أنا أعتقد أن أبسط فلاح أو فلاحة مصرية قادر على اتخاذ قراراته بالنسبة لما هو منطقى فعندما يتحدث سياسى بكلام فارغ يعلمون أنه كلام فارغ .. أنا أثق فى الشعب المصرى فى اتخاذ القرارات الصائبة لمصر، لذا فمن المهم أن تسمع جميع الأصوات فى مصر ماداموا لا يرتكبون الجرائم أو يقذفون القنابل أو يستخدموا كلامهم فى الحث على العنف.
* لم يقم الرئيس حسنى مبارك بزيارة الولايات المتحدة منذ عام 2004.. هل يمكن أن يكون هذا مؤشراً على علاقة متوترة أو عدم رضا عن موقف إدارة بوش تجاه مصر؟
- أنا غير متأكد مما يمكن استنتاجه ولكننا لم ننل شرف زيارة الرئيس حسنى مبارك منذ شهر أبريل عام 2004. أنا أتمنى أن نرى الرئيس حسنى مبارك يأتى مرة أخرى للولايات المتحدة الأمريكية فى ظل الرئاسة الجديدة فمن المهم دائماً أن يظل رؤساء مصر والولايات المتحدة على اتصال شخصى مباشر.. نحن دولتان مهمتان ونملك مصالح مهمة على المحك، لذا أعتقد أنه من المهم أن نتحدث سوياً على مستويات رفيعة ببعض من الانتظام.
أنا أحاول تحليل أسباب عدم زيارة الرئيس حسنى مبارك لنا على مدى السنوات الأخيرة، ولكنى لا أقدر أن أقول إن الولايات المتحدة كانت تتعامل بلا مبالاة تجاه مصر، أعتقد أننا اعترفنا بأهمية مصر.
بالطبع قامت كوندوليزا رايس بزيارة مصر مرات كثيرة خلال فترة خدمتى وأعتقد أن هذا يوضح الأهمية التى نضعها لعلاقتنا مع مصر، لذا فمهما كان هناك تكرار أو فقدان لتكرار الزيارت الرئاسية فإن الدولتين كانتا على اتصال وثيق على مدى السنوات الأخيرة، وأتمنى أن يستمر هذا.
* إذا هل تتوقع زيارة الرئيس مبارك الولايات المتحدة الأمريكية مع تغيير الإدارة؟
- أنا لا أعرف حقيقة، يجب أن تسألى الرئيس مبارك فى هذا. أوباما قال إنه سيركز على الاقتصاد الأمريكى وهذا سيكون أولويته ولكن فى الوقت النفسه العالم يمر بلحظة تاريخية حاسمة فالعديد من الحروب قائمة بالإضافة إلى الأزمة المالية العالمية أنا أعلم أن الإدارة الجديدة ستهتم بالشأن العالمى.
أنا أؤمن أن مصر أحد أهم عشر دول محورية فى العالم بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية من حيث الأهمية الاستراتيجية العالمية ونفوذها على المنطقة لأسباب تاريخية وجغرافية وثقافية وعسكرية واقتصادية. وأتمنى أن تضعنا مصر أيضاً فى منزلة مهمة.
* ماذا تعتقد بشأن موقف الإدارة الأمريكية الجديدة بالنسبة للدعم والمساعدات كونها إدارة ديمقراطية وفى ظل الأزمة المالية الحالية؟
- الاتجاهات التاريخية تشير إلى أن دعم الدول الأجنبية لا يلقى شعبية فى الولايات المتحدة، فدافعو الضرائب الأمريكيون دائماً يعتقدون أن هذه الأموال تضيع، وأننا يجب أن نستغل هذه الأموال فى الإنفاق على مدارسنا والمستشفيات والطرق والكبارى والمطارات، معظم الأمريكيين يعتقدون هذا وهو أمر طبيعى،
ولكن فى الوقت نفسه الأمريكيون يساندون دعم الدول الأجنبية إذا فهموا أسبابه، وفى حالة مصر، دائماً ما رأينا أن مصر تدعم السلام مع إسرائيل والاستقرار فى المنطقة ومن ثم فهمنا أن هذا أمر غاية فى الأهمية ومعظم الأمريكيين يساندون هذا.
ولكن السؤال الذى تقدم به عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكى هو، إذا كنا نعطى كل هذا الدعم لمصر كل هذه السنوات فلماذا لم تصر مصر أفضل حالا؟ لماذا لم تصبح مصر دولة ديمقراطية؟
وهم يتخيلون أن مصر كانت من المفروض أن تصبح ديمقراطية على مدى الـ 30 عاماً التى لحقت حرب 1973 والتى أعطت فيها الولايات المتحدة الأمريكية لمصر مبالغ كبيرة من أموال الدعم، ولهذا السبب هم يقترحون قطع الدعم كوسيلة لجعل مصر دولة ديمقراطية. ولكن الكثير منا لا يتفق مع هذه النظرية وأنا وإدارة بوش اختلفنا مع هذه النظرية.
فعلى الرغم من أن الرئيس بوش ووزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس يعتقدون أن مصر يجب أن تبذل جهداً أكبر لتطوير الديمقراطية وحقوق الإنسان فإننا لم نتفق مع محاولات الكونجرس الأمريكى بجعل الدعم مشروطا.
* ماذا عن الإخوان المسلمين، لقد ذكرت فى مؤتمر الإسلام والديمقراطية العام الماضى أن الإدارة الأمريكية كانت تزور مقر مكتب إرشاد الإخوان المسلمين فى الثمانينات، فهل يمكن أن تحدثنا عن التغير فى هذه العلاقة؟
- إنه من ممارستنا فى كل أنحاء العالم أن نقابل أى شخصية عامة تريد رؤيتنا والحديث معنا واضعين فى الاعتبار أنهم مواطنون ملتزمون بالقانون، لذا فنحن نلتقى ممثلى المعارضة فى كل برلمانات العالم وأعضاء الأحزاب المعارضة حتى عندما لا يكونون أعضاء فى البرلمان.
وهذا هو ما نفعله فى مصر، فمادام هؤلاء الأشخاص لا يقذفون بقنابل أو ينادون بتدمير الدولة فنحن نعتبر اللقاء بهم ممارسة دبلوماسية طبيعية وكانت هذه هى الحالة بيننا وبين الناصريين والاشتراكيين والإخوان المسلمين.
نحن لا نتفق فى الكثير من الآراء مع هذه الأحزاب ولكن هذا لا يمنع إجراء حوار متحضر، لقد كنت أزور المقر الرئيسى لحزب التجمع فى الثمانينات وهم من ألد منتقدينا، وزيارتى لهم لا تعنى أن الولايات المتحدة تحاول دعم دولة اشتراكية فى مصر.
وعندما كنت ضابط اتصال صغير قبل 25 عاماً كنت أذهب لزيارة مرشد الإخوان المسلمين، وبعض شباب الإخوان، ومنهم الآن الدكتور عصام العريان، كان هذا جزءاً من ممارستنا الدبلوماسية الطبيعية، ثم عدت إلى مصر فى 2005 واكتشفت أنه فى وقت ما بعد حادثة 11 سبتمبر أوقف الإخوان المسلمون اتصالاتهم بنا.
* إذاً الإخوان المسلمون هم من أوقفوا الاتصالات؟
- على الأقل أصبح واضحاً فى فهمى الخاص أنهم غير مرحبين بزيارات من السفارة الأمريكية، كانت الاتصالات مستمرة على مستوى متواضع بين الدبلوماسيين الأمريكيين والإخوان المسلمين فى مقر الإرشاد على الأقل حتى سبتمبر 2001. بعد هذا الوقت وعلى حد علمى فإن آخر حديث أجريناه كدبلوماسيين أمريكيين والمرشد أو أحد من أعضاء الجماعة فى مقر الإرشاد كان لائقاً بشكل غير ودى، نحن لا نحاول فرض أنفسنا ولكن نستمر فى الحفاظ على علاقة احترام متبادل ولكن ليس عن قرب.
نحن نختلف معهم فى معظم الآراء وسياستهم فى معظم الأمور فهم فيما يبدو لنا لا يدعون للمساواة بين المواطنين فيما يخص النساء والديانة، فنحن نعتقد أن أى دولة لا تستخدم سوى 50% من مواردها ستفشل. هذا مثلاً اختلاف عملى نعتقد بوجوده، فكثير من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين يقولون إنهم يدعمون المساواة مع المرأة.. قد يكون هذا صحيحاً أنا لا أعرف، ولكنه لا يبدو كذلك.
على نحو مماثل نحن نعتقد أن الحرية الدينية مهمة للغاية ويبدو لنا أنهم لا يريدون معاملة كل المصريين كمواطنين من الدرجة الأولى. نحن أيضاً نختلف معهم فى دور حماس، فحماس مرتبطة بالإخوان المسلمين ونحن نؤمن أن حماس استخدمت الإرهاب للوصول إلى غايتها السياسية ونحن نعارض هذا ونعتقد أنه لا أعذار تبرره.
نحن نختلف فى كثير من الأمور ومع ذلك التقينا بهم ضمن باقى أعضاء المعارضة فى أبريل 2007 عندما جاء بعض أعضاء الكونجرس للزيارة وحضر سعد الكتاتنى حفل استقبال فى منزلى بمناسبة زيارة وفد الكونجرس ولكن أياً من هذا لا يعنى أننا نصادق على موقفهم. نحن نعاملهم مثل أيمن نور قد لا نتفق مع الكثير مما يقولون وطريقة قولهم له ولكن ماداموا ملتزمين بالقانون فهم أحرار فى التعبير عن أرائهم.
* ولكن هل هذا يعنى أنكم لم تبادروا بالحديث معهم منذ سبتمبر 2001؟
إذا كان قد تم إعلامى بشكل صحيح، فعندما بحثت فى هذا الموضوع عند وصولى لتسلم مهامى فى القاهرة، ما وجدته هو أننا كنا نلتقى حتى 11 سبتمبر وبعد هذه الفترة وصلتنا فكرة واضحة أنهم غير مرتاحين فى لقائنا لذا أبقينا على مسافة من الاحترام بيننا.
لقد طلبوا منا التوقف عن الاتصال بهم فى مكتب الإرشاد، فقد كان ضمن ممارستنا الاتصال بهم والاستئذان فى الزيارة وكنا دائماً نأخذ المبادرة بعد 11 سبتمبر وسألنا مرة واثنتين وأوضحوا لنا أنه غير ملائم فتوقفنا عن الطلب. تفهمنا أنه موقف حساس ولكننا واصلنا معاملتهم كما نعامل باقى المصريين باحترام.
* البعض أطلق عليك «السفير الصوفى» بسبب حرصك على زيارة جميع الموالد، ما تعليقك على هذا؟
- أنا مفتون بمصر، أنا أجد فى مصر ثقافة ساحرة وشعباً جميلا للغاية وضمن الأشياء التى أجد نفسى مشدوداً لها روحانية المصريين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين. المصريون غاية فى الطيبة ويميلون للروحانية وأنا استمتع بالأمثال الشعبية المصرية والثقافة المصرية. وأنا أعتقد أن أحد أكثر المظاهر تشويقاً لهذه الثقافة هو الصوفية بما فيها الموالد، فالصوفية تعبير دينى غاية فى الجمال والرقة هم لا يصيحون بغضب وكره ضد الكفار.. والموالد ليست فقط إسلامية فيوجد أيضاً موالد مسيحية مثل مولد العذراء.
والموالد شيء مصرى جميل للغاية وأجد نفسى مشدوداً لهذا الجزء من الثقافة المصرية ربما لأنه مرتبط بطفولتى كإيطالى أمريكى، فالإيطاليون الكاثوليك يحتفلون بالموالد أيضاً لقديسينا. ففى المنطقة التى كنت أعيش بها وأنا طفل فى الولايات المتحدة الأمريكية وهى مليئة بالمهاجرين الإيطاليين كنا نقوم بموالد لقديسين مختلفين وبالأخص قديسى «فرانسيس» والذى سميت تيمناً به، وهو قديس إيطالى ذو شعبية كبيرة.
* ما النصيحة التى وجهتها لمارجريت سكوبى قبل رحيلك؟
- أن تستمتع بمصر وأن تتحدث من القلب مع المصريين بصدق واحترام كبير لأن المصريين سيردون الصداقة أكثر بمائة مرة.. كانت هذه تجربتى، وأنا أشعر بالكثير من النوستالجيا تجاه مصر وبالتأكيد سأعود للزيارة وأحب أن أجد طريقة ما للعيش فى مصر فى يوم من الأيام، لا أحد يعرف.