x

أسامة كمال الإسكندرية محظوظة! أسامة كمال الإثنين 26-10-2015 21:34


فى مقال الأسبوع الماضى فى «المصرى اليوم»، الذى جاء تحت عنوان «صرخة إسكندرانى»، كان عدد التعليقات من القراء كبيرا من سكان الإسكندرية أو عشاقها وكأنهم تعلقوا بنافذة تنقل معاناتهم للمسؤولين فى شتى الأحياء والقطاعات.. تراوحت التعليقات ما بين من اتفق وبين من زاد عليها لينكأ الجرح الغائر فى حياتهم.. ثم استيقظت الإسكندرية على كابوس يوم الأحد الماضى الذى علق عليه موقع C.N.N بعنوان «الإسكندرية مدينة منكوبة» فاستقال المحافظ أو أقيل لا أعلم.

سيذهب المسيرى فى طريقه كما ذهب من سبقوه كلٌ بنجاحاته وإخفاقاته.. سيأتى محافظ جديد يُعلن أنه سيسير فى طريق إصلاح كل الأخطاء الماضية التى قتلت الإسكندرية.. ولكن هل يستطيع؟ هل يعمل وحده وهو يواجه تيارا عاتيا من الفساد الجمعى؟ فساد مالى وفساد فى الذوق وكل محاولات الكسب السريع من خلال الملايين التى يربحها المقاولون والملاك أو الآلاف التى يجنيها أصحاب المحلات والمقاهى أو الجنيهات القليلة التى يجمعها صغار الموظفين والباعة الجائلون.

تذكرت كلمات نجيب محفوظ فى افتتاح روايته «ميرامار»: الإسكندرية أخيراً.. الإسكندرية قطر الندى، نفثة السحابة البيضاء، مهبط الشعاع المغسول بماء السماء، وقلب الذكريات المبللة بالشهد والدموع.. «كم كانت جميلة قبل أن تطأ أقدامهم هذا المشهد الرائع..

كانت الإسكندرية مضرب المثل فى الجمال، فقال عنها محفوظ: «يعجبنى جو الإسكندرية لا فى صفائه وإشعاعاته الذهبية الدافئة ولكن فى غضبته الموسمية عندما تتراكم السحب وتنعقد جبال الغيوم ويكتسى لون الصباح المشرق بدكنة المغيب ويمتلئ رواق السماء بلحظة صمت مريب ثم تتهادى دفقة هواء فتجوب الفراغ كنذير أو كنحنحة خطيب؛ عند ذلك يتمايل غصن أو ينحسر ذيل، وتتابع الدفقات، ثم تنقض الرياح ثملة بالجنون، ويدوى عزيفها فى الآفاق، ويجلجل الهدير ويعلو الزبد حتى حافة الطريق، ويجعجع الرعد حاملاً نشوات فائرة من عالم مجهول، وتندلع شرارة البرق فتخطف الأبصار، وتكهرب القلوب، وينهال المطر فى هوس، فيضم الأرض والسماء فى عناق ندى. عند ذلك تختلط عناصر الكون وتموج وتتلاطم أخلاطها، كأنما يعاد الخلق من جديد؛ عند ذاك فقط يحلو الصفاء ويطيب، إذا انقشعت الظلمات، وأسفرت المدينة عن وجه مغسول، وخضرة يانعة، وطرقات متألقة، ونسائم نقية، وشعاع دافئ، وصحوة ناعمة». كان هذا ما يحدث فى الإسكندرية بعد المطر.

فلنترك المحافظ المستقيل لحاله وننظر لحالنا.. فهو ليس مسؤولاً وحده لأن الكثيرين فى الجهاز الحكومى أسهموا بشكل أو بآخر فى نكبة الإسكندرية التى فضحتها الأمطار.. رؤساء أحياء، وصغار كبار الموظفين، وكبار صغار الموظفين، ومقاولون، وملاك جشعون، وانعدام رؤية للتوسع فى المدينة.

ولكن فى رأيى، الإسكندرية هى الأكثر حظاً بين مدن مصر، لأنها لفتت الأنظار وأجبرت الدولة بأكملها أن تُصلح من صورتها بإصلاح الأمور فى عروس البحر المتوسط المنكوبة.. سيبدأ العمل فورا فى تغيير أنظمة الصرف والبنية الأساسية.. رغم أن احتلال شاطئ البحر من قبل مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى سيظل قائما.. ولكن لن يلتفت أحد لواقع أن ما حدث فى الإسكندرية يحدث فى دمياط ودمنهور والمنصورة والزقازيق والأقصر وغيرها والأسباب تقريبا واحدة.

يجب علينا عند طرح حلول للإسكندرية أن تعم الحلول باقى المدن.. إذا رفعنا تعديات الإسكندرية فلنرفع كل التعديات فى مصر ولا نتصالح مع أحد.. إذا قمنا بإقالة مسؤولى الإسكندرية المقصرين فلنفعلها فى كل ربوع مصر.. ويا من تشعرون بالأسى على زمن جميل.. تحلوا بأخلاق الزمن الجميل لأنها ضاعت بيننا جميعا.. لنستعد أخلاقنا التى ذهبت قبل أن ينطبق علينا قول أحمد شوقى عن الأمم التى ذهبت أخلاقهم فذهبوا.. وبالتأكيد لو ذهبنا هذه المرة.. لن نعود مرة أخرى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية