x

أيمن الجندي لهذا أعشق القرآن (١) أيمن الجندي الإثنين 26-10-2015 21:35


يسألنى البعض لماذا أعشق القرآن إلى هذا الحد؟ ولا أكف عن التغزل به والتأكيد أنه أروع نص قرأته فى حياتى؟

كنت أصلى الجمعة منذ قليل. وخفق قلبى كالمعتاد وأنا أسمع القرآن. ففكرت أن أعود للبيت بسرعة وأسجل ما شعرت به قبل أن يتبدد الوهج.

هذا ليس تفسيرا للقرآن بالطبع وإنما أسجل فقط إحساسى به. هذا الإحساس الذى لم يكتمل بالطبع إلا بعد نضوج التجارب واكتساب الذائقة اللغوية، كلها أشياء تضافرت فجعلتنى أشعر بما أشعر به.

■■■

قرأ الإمام: «يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرةً وأصيلا».

كثيرا ما أرتبك، وأشعر بالخجل الشديد حين أسمع المحبوب- جل جلاله- يطلب منا أن نحبه. أقول (نحبه) لأننا لن (نذكره) آناء الليل وأطراف النهار إلا حين نحبه أولاً.

ولكن كيف بدأت الحكاية؟

فى البدء، كان الميلاد. كنت طفلا غريرا لا يفهم شيئا عن هذا الكون المستغلق أمامى. ولكنى كنت آخذ الأمور باعتبار أنها موجودة. أمى، أبى، إخوتى، بيتى، شارعى، مدينتى، أقاربى، مدرستى. عالم مركب يحيط بى من كل اتجاه. وكنت أظن أنه العالم الوحيد كما تظن دودة الحرير أن هذه الشرنقة هى كل عالمها.

كبرت، أحببت وكرهت، أخذت وأعطيت، بكيت وضحكت. ثم مرت الأيام وبدأت رحلة الفقد.. فراق الأحبة، ابتعاد الأصحاب، لحظتها شعرت بوحشة هائلة. كنت على وشك أن أمزق الشرنقة وأصبح فراشة.

وبدأت أفطن أننى وحيد فى هذا العالم. وحيد بشدة. وأن هذا الوجود الخفى هو الوحيد الجدير بأن يملأ عالمى. وأن هذه النعم القديمة ما هى إلا ستار يحتجب خلفه المحبوب، الذى لا يتجلى على أجسادنا الفانية خشية أن تنهد أركانها ويخر بنيانها:

«قال ربى أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا. فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين».

■■■

وبدأت أفطن أنه لا يوجد فى الحقيقة إلا أنا والله. أنت والله. وبما أننى- وأنت- إلى زوال مؤكد فإن الموجود الحقيقى هو الله- عز وجل. وبدأت رحلة الحب نحو خالقى. الوجود الخفى لم يعد خفيا وصار يملأ كل كيانى.

وبدأت أشعر بالخجل حين يطلب منى الله أن أحبه! أختنق بالبكاء حياء منه. إنه الوحيد الجدير بالحب فى هذا العالم. ليس فقط لأنه خلقنى. بل لأنه الله فى علاه المستحق للحب والعبادة.

لو أحببناه حقا لما كففنا عن ذكره والتغنى بمحامده. ليس ذلك لكى نُثاب، بل لأنه العمل الوحيد الممكن. مثلما لا تملك الرئة إلا أن تتنفس، ولا يملك القلب إلا أن يخفق. ولا تملك السحابة إلا أن تمطر، ولا يملك العصفور إلا أن يغنى. وبدأت أفهم حال الحلّاج حين أنشد:

«والله ما طلعت شمس ولا غربت/ إلا وحبك مقرون بأنفاسى.

ولا خلوت إلى قوم أحدثهم/ إلا وأنت حديثى بين جلّاسى».

وأى عجب أن يتحين العاشق الفرص لذكر محبوبه- جلّ فى علاه؟ ألا يحب الواحد منا امرأة فيسوق الحديث إليها عند أصحابه؟

فكيف بمحبوب جمع المحاسن كلها؟ أليس من المؤلم جدا أن نقابله بالجحود حتى نجعله يطالبنا بحبه ودوام ذكره، وكان ينبغى علينا أن نصنع ذلك دون أن يطلبه؟

انتهت مساحة المقال فى آية واحدة. وكنت أرجو أن أستطرد.
[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية