فى كل محافظات الجمهورية، يتسابق المرشحون للانتخابات البرلمانية للظهور فى وسائل الإعلام بكل أنواعه، للوصول إلى الناخب وإقناعه بامتلاكهم برنامجا انتخابيا جيدا، ليمنحه أصواتهم فى الصندوق، وينفق المرشحون ملايين الجنيهات على الدعاية الانتخابية.
هذا المشهد يحدث عكسه تماما فى محافظة شمال سيناء، حيث دوائر الإرهاب لا دوائر الانتخابات، المرشحون يختبئون، بحثت «المصرى اليوم»، على مدار أسبوع كامل، عن أى لافتة معلقة أو ورقة مُلصَقة على عمود تشير إلى وجود انتخابات، فلم تجد ورقة واحدة، حتى لو كانت بحجم كف اليد.. شوارع العريش خالية من اللافتات التى تغطى المنازل فى المحافظات الأخرى، فى حين قرى الشيخ زويد ورفح، حيث الحرب على الإرهاب قائمة، فهى خالية ليس من الدعاية فقط ولكن من المواطنين أيضا.
سِرنا أكثر من 6 ساعات داخل قرى المقاطعة واللافتات والتومة، ولم نقابل شخصا واحدا، فقط سيارات مدرعة وقوات من الأمن والجيش على مداخل القرى وخارجها، ومعظم المنازل مهدمة، والباقى مهجورة ومغلقة.. الأهالى تركوها ونزحوا إلى مدينة العريش أو بئر العبد، خوفا من الحرب الدائرة بين المسلحين والجيش هناك، والمفاجأة الكبرى أننا بحثنا عن المرشحين الأربعة الذين يتنافسون على مقعد رفح والشيخ زويد، فاكتشفنا أنهم هجروا المدينتين، ويقيمون فى العريش.
قبل يوم من اغتيال الدكتور مصطفى عبدالرحمن، أمين حزب النور فى شمال سيناء، مرشح الحزب فى العريش، رصدت «المصرى اليوم» أجواء العملية الانتخابية فى المحافظة، والمقرر أن تتم خلال يومى 22 و23 من الشهر المقبل، الحقيقة أنه لا يوجد أى شىء يشير إلى أن هناك انتخابات للبرلمان فى تلك المحافظة بعد أقل من شهر، على عكس باقى المحافظات التى تمتلئ شوارعها بلافتات وملصقات الدعاية منذ 6 أشهر تقريبا.
تحدثنا مع أحد المرشحين عن دائرة العريش على الهاتف، وطلبنا أن نقابله، خاصة أننا فى دائرته، فكان الرد المفاجئ: «لا أستطيع الظهور حاليا، بسبب تهديدات من العناصر المسلحة، هم يعتبرون ترشحنا للبرلمان بمثابة تعاون مع الدولة ضدهم.. وأن مشاركتنا تزعجهم وتمثل انتصارا عليهم».
سألناه- بعد وعد بعدم نشر اسمه: «إنت لازم تعمل دعاية وتظهر وتقابل الناس علشان يتعرفوا عليك وينتخبوك»، فرد: «لو علقت ورقة واحدة تانى يوم هتقتل.. المسلحون يرسلون تهديدات لنا كل يوم يتوعدون بقتلنا إذا استكملنا العملية الانتخابية، الأمن يعلم ذلك وأخطرناهم، فأبلغونا بأنهم سيؤَمِّنون العملية الانتخابية بمزيد من عناصر التأمين والقوات الخاصة».
سألناه مرة أخرى: «كيف سيعطيك المواطن صوته وهو لا يعرفك ولا يعرف شكلك من الأساس؟!»، فرد: «فى معظم المحافظات المرشحين كانوا مجهولين للناس أيضا.. وأنا مش فارق معايا أنجح ولا لأ، خاصة بعد كل تلك التهديدات.. يا ويله اللى هينجح فى تلك الدوائر الملتهبة.. عندما تقدمت بأوراقى فى البداية لم أكن أتوقع أن تصل الأمور إلى تلك الدرجة».
مجرد الدعاية الانتخابية المباشرة قد تصعب على مرشحى المحافظة، فى ظل الصراع المسلح بين قوات الأمن والتكفيريين الذين بايعوا تنظيم «داعش» العام الماضى.
فى السابق كان المرشحون يجوبون مدن المحافظة وقراها، للالتقاء بالناخبين وحثهم على انتخابهم، أما الآن فلا يجرؤ مرشح أو مشارك فى دعايته على السير فى طريق يمكن أن ينهمر فيه الرصاص فجأة أو ينفجر الطريق من الأساس بقنبلة.
ربما لا تكون للقاءات الجماهيرية المباشرة بين المرشحين والناخبين أهمية كبيرة فى المجتمع البدوى، حيث تفرض الولاءات القبلية نفسها مسبقا، فتحدد رأى الناخب دون أى اعتبارات سياسية أو حزبية أو مذهبية، إلا أن الوضع الأمنى يثير تساؤلات عن مدى الأمان الذى قد يشعر به الناخبون، بما يدفعهم إلى التوجه إلى مقار التصويت.
سألت «المصرى اليوم» عددا من المسؤولين الأمنيين والعسكريين عن الأوضاع فى المحافظة، فقالوا إن المحافظة تتكون من 4 دوائر، الأولى فى مدينة بئر العبد، والتى تبعد قرابة 80 كيلومترا عن مدينة العريش، وهى آمنة تماما مثلها مثل أى مدينة فى الجمهورية، وكذلك الحال فى الدائرة الثانية، ومقرها نخل، أما الأزمة فتكمن فى دائرة العريش التى تشهد بعض حوادث الإرهاب بين الحين والآخر، وأكدت المصادر أن قوات خاصة من الجيش والشرطة ستؤَمِّن يومى الانتخابات.
وأشارت المصادر إلى أن المشكلة الكبرى فى الدائرة التى تضم مدينتى رفح والشيخ زويد، حيث يختبئ المسلحون فى عدد من القرى، موضحة أنه تم تجهيز خطة تأمين للجان الانتخاب فى مراكز المحافظة بدوائرها الأربع، وسيتم نشر القوات خارج لجان الانتخاب بالتنسيق مع الجيش، والدفع بدوريات متحركة وأخرى ثابتة، إلى جانب اعتلاء أفراد الأمن أسطح المبانى العالية، وستمر سيارات الكشف عن المفرقعات فى الشوارع، كما تقرر نقل لجان من بعض القرى إلى مقرى المدينتين.
فى مدينتى رفح والشيخ زويد، لا توجد دعاية انتخابية ولا لافتات.. سألنا عن المرشحين، فعرفنا أنهم 4 فقط، بينهم سيدة، يتنافسون على مقعد للمدينتين، تحدثنا مع المرشحة أمل ماضى، فقالت: «لم أستطع حتى الآن عمل الدعاية، طبعت الورق، وحتى لم أُوَزِّعه، أنتظر انتهاء فترة الصمت الانتخابى، وعن نفسى لم أتلق تهديدات من المسلحين، سمعت ذلك من بعض المرشحين، لكن لم يهددنى أحد».
وعن يوم الانتخاب، قالت ماضى: «أكيد الحرب الموجودة فى الدائرة ستؤثر، ولكن هذا حظنا ماذا نفعل؟! أعرف أن المواطنين لن يغامروا ويتوجهوا إلى اللجان، فى ظل عمليات إرهابية قد تتسبب فى إنهاء حياتهم».
«لو فيه أمن والطريق آمن هروح انتخب، لكن لو فيه عمليات عسكرية أو تفجيرات لن أخرج من منزلى».. هذا ما قاله سليمان أبوالعارف، أحد أبناء مدينة الشيخ زويد، مضيفا: «لا أعرف ولم أشاهد أيا من المرشحين حتى الآن، لا أعتقد أن هناك انتخابات، قبل الثورة كانت تلك الشوارع تمتلئ باللافتات قبل أكثر من 4 أشهر من يوم الانتخابات، معظم الناس فى قرى المدينة تركوا منازلهم وذهبوا إلى العريش وبئر العبد، ولا أعتقد أنهم سيعودون فقط من أجل التصويت».
وتقول منى برهومة، الناشطة السيناوية: «المناخ غير مناسب للانتخابات، خاصة فى الدائرة التى تضم مدينتى الشيخ زويد ورفح».
وتابعت: «الطرق مغلقة، والقرى شبه خاوية بعد هجرة كثير من السكان، أنا لا أعرف حتى أين توجد لجنتى الانتخابية، فى وضع كهذا كيف سيتحرك المرشحون لعرض برامجهم على الناخبين؟!».
كانت «منى» تقيم فى منزل برفح أُزيل ضمن آلاف المنازل خلال الفترة الماضية، لإقامة منطقة عازلة تقول الحكومة إنها ضرورية لإغلاق مئات من أنفاق التهريب السرية المُقامة تحت خط الحدود مع غزة، وتُستخدم فى تهريب الأسلحة والأشخاص، بجانب السلع.
وتُشير الناشطة السيناوية إلى مقولة: «الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود»، والتى يرددها أهالى المنطقة عنها، متسائلة: «مَن الناخب الذى سيشارك بصوته فى مثل هذه الأجواء؟!»، وتوقعت «منى» أن تقل نسبة المشاركة فى الاقتراع عن 1% فى دائرة الشيخ زويد ورفح.
وتُعَد هذه الدائرة واحدة من 4 دوائر انتخابية فى شمال سيناء، يتنافس بها 38 مرشحا على 5 مقاعد، وتشمل الدائرة الأولى، ومقرها العريش، 15 مرشحا، بينهم: أحمد العايق سليمان، مرشح حزب مصر الثورة، وجمال خليل صالح، مرشح حماة الوطن، وخالد حسين شحاتة، مرشح حزب الحركة الوطنية، وعماد الدين البلك، مرشح حزب الوفد، ومصطفى عبدالرحمن، مرشح حزب النور الذى اغتيل على يد مسلحين، السبت، بجانب عدد كبير من المستقلين، بينهم محمد صباح محمد، ويحيى حسين عثمان، ومسعد صالح عروج، والنائب السابق حسن القصاص.
أما فى الدائرة الثانية، ومقرها رفح والشيخ زويد، فقد ساهمت الأحداث الإرهابية فى انخفاض أعداد المرشحين، حيث لم يترشح إلا 4 فقط، جميعهم مستقلون، وهم: أمل ماضى، وجمال عمرو مرضى، وصالح سلامة أبورياش، وإبراهيم محمد أبوشعيرة، وغاب عن تلك الدائرة أى مرشح لقبيلة السواركة، التى عُرفت بمشاركتها الدائمة فى الانتخابات.
وفى الدائرة الثالثة، ومقرها بئر العبد ورمانة، تقدم 9 بأوراق ترشيحهم، اثنان فقط تابعان لأحزاب، وهما: سامى سليمان سالم، حزب المؤتمر، وحسن محمد حسن خضر، حزب الإصلاح والتنمية، و7 مستقلين، أما فى الدائرة الرابعة، ومقرها مركزا نخل والحسنة، فلم يتقدم بها إلا 3 مرشحين فقط، وجميعهم مستقلون، وهم: محمد غانم سلامة، وجازى سعد عايد، وعطية محمد أبوقردود.
وقال حسام شاهين، المرشح بمدينة العريش- والذى قُتل شقيقه قبل أيام، وتعتقد المصادر الأمنية أن متشددين قتلوه، لأنه كان مقاولا يتعامل مع قوات الأمن- إن الوضع الانتخابى صعب فى 3 من الدوائر الـ4 للمحافظة، موضحا أنه وعددا من المرشحين يفكرون جديا فى تجميد الوضع الانتخابى بالمحافظة.
وأوضح حسام الرفاعى، المرشح فى دائرة العريش، أن الوضع الأمنى مؤثر نفسيا على الناخبين، فهناك حظر تجول متفاوت المدة، ومناطق محظورة أمنيا، لكنه أكد أنه لم يتلق أى تهديد، وسيبدأ الدعاية فى موعدها.
وأبدى بعض الناخبين شكوكهم فى جدوى انتخاب نواب يمثلونهم فى البرلمان ويساعدونهم فى حل مشاكلهم فى ضوء الوضع الأمنى حاليا، وقال حاتم البلك، المسؤول عن حزب الكرامة فى شمال سيناء: «لا يوجد المرشح الذى يستطيع أن يفعل أشياء تجعل الناخبين يشعرون أنهم لم يعودوا مضطهدين.. والمرشحون يحاولون الاتصال بالناخبين على موقع فيسبوك.. لكن هل ذلك يجدى؟!».
ومن بين ما يشكو منه السكان مقتل رجال، بعد خطفهم أو أمام بيوتهم أو حتى فى الأسواق، للاشتباه فى مساعدتهم قوات الأمن، وقال شريف سعيد، أحد أعضاء حزب النور بالعريش، والذى كان مع مرشح الحزب ليلة اغتياله: «بالفعل تلقينا تهديدات من مجهولين قالوا إن مشاركتنا فى الانتخابات ستضرهم، لكن مرشحنا الدكتور مصطفى عبدالرحمن قال ليلة قتله إنه سيبدأ الدعاية باكرا، ولن يخشى التهديدات».
واختتم سعيد: «لم يمر أكثر من 10 ساعات، وتم اغتياله»، ثم انسحب 4 مرشحين عن دائرة العريش من السباق، وقال مقربون منهم: «بالتأكيد يخافون على حياتهم».