فى محيط يموج بثقافات مختلفة وأفكار متنوعة، ولد فى قلب القاهرة نهاية أربعينيات القرن الماضى، لعائلة فرنسية بعضها يدين باليهودية والبعض الآخر بالمسيحية. احتفظ بكثير من طباع المصريين، الذين جمعته بهم صداقات عديدة حتى اليوم.
المفكر الفرنسى ورئيس تحرير «لوموند دبلوماتيك» السابق آلان جريش، ولد فى 41 شارع سليمان باشا «طلعت حرب»، ونشأ فى عائلة تنتمى أيديولوجياً إلى الشيوعية، فأمه واحدة من أبرز قيادات الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى «حدتو»، وأبوه – الروحى – هنرى كورييل زعيم ومؤسس هذه الحركة، التى تعد واحدة من أهم التنظيمات الشيوعية السرية!.. ولكن هذه العائلة اضطرت للهجرة إلى فرنسا عام 1962، رغم إيمان «جريش» بدور «عبد الناصر» كأحد زعماء التحرر الوطنى.
زيارات «جريش» إلى القاهرة متعددة، فهو يحرص على المجىء إلى مصر سنوياً، ولكنه منذ ثورة يناير 2011، وهو يداوم على الحضور لعدة مرات خلال العام الواحد، للـتأمل فى الثورة المصرية.. ومتابعة «الربيع العربى».
«المصرى اليوم» التقت «جريش» على بعد خطوات من مسقط رأسه بـ« القاهرة الخديوية» وتحدثت معه حول «الربيع العربى» وما وصل إليه.. والأزمات التى تشهدها مصر ومنطقة الشرق الأوسط حالياً.. وإلى الحوار..
■ كنت رئيساً لتحرير «لوموند ديبلوماتيك» أشهر الدوريات السياسية فى العالم، وأحد أهم تلامذة هنرى كوريل وكنت – وما زلت - من أكثر الكتاب العالميين الذين ناصروا القضايا العربية العادلة فى التحرر، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية.. كيف كانت نشأتك فى القاهرة.. ولماذا هاجرتم منها؟
ـ ولدت فى القاهرة عام 1948 لعائلة فرنسية بعضها من اليهود والبعض الآخر من الأقباط المصريين، وعشت بها حتى عام 1962، وتأثرت خلال هذه السنوات، بكل طباع المصريين وعاداتهم.
■ هناك شهادات عديدة لليهود المصريين، الذين تحدثوا عن عمليات «تهجير قسرية» من مصر عقب ثورة يوليو.. هل كانت عائلتك من بينها؟
ـ فى فترة الصبا، تأثرت كثيرا بـ«عبدالناصر» ودوره فى قضايا التحرر الوطنى والاستقلال، وعشت فترة معركة «السويس»، والعدوان الثلاثى على بورسعيد، وكنا مـتأثرين بها كثيراً.. وللحقيقة لم نشعر بعمليات «التهجير القسرى»، وذلك لأن نصف العائلة تقريباً، كانت الأقباط المصريين. وكان هناك تناغم غريب فى المواطنة، فلم يكن أحد يميز اليهود والمسلمين والأقباط، كان هناك نسيج اجتماعى حقيقى بين المصريين. إلا أنه بعد حرب السويس بدأت عمليات هجرة اليهود من مصر، فبدأت ألاحظ زملائى فى المدرسة يختفون شيئاً فشيئاً.. فوالدى كان مقاولاً للكهرباء، وتعثرت الأمور بعض الشىء فهاجر، إلا أن بقية أقرانى من اليهود المصريين، فهاجروا لسببين رئيسيين وهما اقتصادى، لأن غالبية قرارات «يوليو الاشتراكية»، التى اتخذها ناصر، جاءت على ممتلكاتهم، أما الثانى فكان صعوبة البقاء كيهود، وسط حالة الصراع والعداء من النظام المصرى لإسرائيل، رغم أن معظمهم لم يكونوا «صهاينة». وعلى الجانب الآخر نظرة المجتمع لليهود، فالبعض كان ينظر لنا على أننا «جواسيس» نسعى للإضرار بمصر!
■ ولكن اليهود المصريين كان لهم حضور كبير فى الواقع المصرى.. وبعضهم قدم خدمات جليلة لبلده؟
ـ هذه حقيقة.. «مكانش فى حاجة اسمها يهودى أو مسلم أو مسيحى»، كان المصريون يعيشون فى سلام اجتماعى، فقد كان عدد اليهود يتراوح ما بين 50 و 70 ألفا، منهم أجانب ومصريون، وكل مشكلاتهم الحقيقية، أنهم كانوا غير موحدين. والغريب أن المنظمات الصهيونية، كانت تعمل فى مصر حتى نهاية الأربعبينيات تحت سمع وبصر السلطة!.. فكثير من اليهود كان لهم دور مهم فى حركة التحرر الوطنى ليس فى مصر ولكن فى كثير من الدول العربية. فكان صعباً – بكل المقاييس – بقاء اليهود فى مصر.. فقد أصبح النظام فى حالة عداء معهم.. وهنا تحضرنى قصة طريفة.. فقد قرر عدد من اليهود الشيوعيين البقاء فى مصر.. ومنهم الوطنى المصرى شحاتة هارون المحامى – والد ماجدة هارون رئيسة الطائفة اليهودية الآن - الذى قدم نفسه للتجنيد فى إبريل 1967 مع بوادر الأزمة مع إسرائيل، فنظروا إليه سخرية.. ورفضوا بالطبع تجنيده.. وفى صباح 6 يونيو ألقت المباحث القبض عليه، لأنه يهودى!
■ منذ ثورة 25 يناير2011 تتكرر زياراتك للقاهرة، فى محاولة لفهم التغيرات، التى تشهدها الساحة المصرية وطرح أفكار جديدة خارج الصندوق.. كيف ـ ـ ـ ترى ثورة «25 يناير» بعد أربعة أعوام من انطلاق شرارتها؟
- بعد مرور أربعة أعوام على انطلاقها أرى أن ثورة يناير الآن فى «أزمة» !.. فهى لم تحقق هدفها فى بناء دولة ديمقراطية حتى الآن، فقد كانت هناك «أوهام» بأن بناء الديمقراطيات هو أمر سهل، وكانت المظاهرات موجهة نحو هدف واحد وهو «إسقاط الرئيس» وليس «إسقاط النظام»!.. بعد إسقاط الرئيس لم يكن هناك خط سياسى واضح لماذا بعد؟.. وربما هذا ما أدى إلى عملية «التخبط» على مدى عامين كاملين، انتشرت خلالهما عمليات كبيرة من الفوضى، وهو ما أثار حفيظة الناس.. وأنا أتساءل هل هناك ثورات بلا فوضى؟!
■ دعنا نصل إلى تعبير أدق.. هل «فشلت» ثورة يناير؟
ـ من الصعب أن نحكم على ذلك الآن.. بعد مرور عشرين عاماً على الأقل يمكننا أن نحكم على نجاح أو فشل الثورة.. فلو أنك نظرت إلى الثورة الفرنسية عام 1789 ستجد أنها فشلت خلال 15 عاما فما جدوى الانتقال من حكم ملك إلى حكم «إمبراطور»، ولكنها نجحت فيما بعد.. الثورات ينظر إليها دائماً بنظرة بعيدة المدى.. بعد عقدين مثلاً.. فالمشكلة ليست فى مصر.. ليس هناك تكتل سياسى.. «مفيش أحزاب».. فكيف نتحول من حكم «ديكتاتورى» إلى حكم «ديمقراطى» دون أحزاب أو رؤية سياسية؟!
■ كيف تنظر إلى الوضع الآن بعد ثورة 30 يونيو ضد الفاشية الدينية.. ومرور أكثر من عام على حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى؟
- أولاً.. أنا لا أعتقد أن «30 يونيو» هى ثورة!.. ولا أعتقد أنه كانت هناك فاشية دينية تحكم مصر.
■ ألم تكن هناك فاشية دينية فى حكم الإخوان؟
- لا.. بدليل أن الذى كان يحكم هو «رئيس فقط».
■ كيف؟
- هو مجرد «شخص» رئيس فقط يحكم، فلم يكن معه الجيش أو مؤسسات الدولة.. أو رجال الأعمال.. فهم لم يكونوا لديهم سوى كوادرهم غير المدربة على الحكم.. وبعض «العصابات المسلحة».. ولكنهم ارتكبوا أخطاء فادحة نتيجة الجهل.
■ ألا يمثل كل ذلك فاشية دينية؟
- منذ 30 عاما كانت جماعة الإخوان القوة الوحيدة للمعارضة المصرية، وكانوا يرفعون شعار «الإسلام هو الحل»، ولكى تعرف مدى القدرة على التطبيق، أن تدفع به نحو الحكم، ويرى الشعب ويحكم بنفسه على أدائهم.. وحدث ذلك بالفعل والشعب رأى الإخوان فى الحكم. ولا أنكر أن الشعب تحرك فى 30 يونيو، ولكن هذه التحركات كانت بدفع من «الفلول» من قادة وكوادر الحزب الوطنى المنحل، واستخدموا ذلك فى الدفع بـ«الآلة العسكرية» نحو المشهد فى 3 يوليو!.. وهو ما أنهى الديمقراطية نهائياً.
■ ألا ترى أن هذا الحكم قاس بعض الشىء.. خاصة أن الشعب المصرى شارك بكل طوائفه فى ثورة 30 يونيو.. وليس «الفلول» فحسب.. ما تعليقك؟
- كلما قلت ذلك قال لى البعض «أنت مع الإخوان»، أنا مبادئياً ضد الإخوان وضد حكم الدين، ولكن الإشكالية كانت فيما بعد يوم 30.. عندما طرح السؤال «كيف نتخلص من الإخوان؟».. فتدخل الجيش كان يجب ألا يحدث.. وهناك وسائل أخرى.
■ ما هى؟
- الإضراب العام مثلاً.
■ ولكن هذا حدث بالفعل، وكانت هناك إضرابات فى مناطق متفرقة من الجمهورية منها مدن القناة، التى أعلنت العصيان ضد حكم الإخوان؟
- تدخل الجيش لم يكن تصرفاً إيجابياً.. كان تصرفاً خاطئاً.. أعطى للعالم صورة أن النظام القديم يعود مرة أخرى بأدواته.. وهذا ربما انعكس على العنف ضد كل المعارضة وليس الإخوان فحسب، فقد تعرض شباب الثورة إلى مضايقات، وألقى بالعديد منهم فى السجون.. كذلك تحول الإعلام الحكومى إلى «أبواق».. ففى بعض الأحيان أشاهد التليفزيون المصرى «ولا أستطيع أن أتحكم فى نفسى من الضحك»!.. وكذلك بعض الفضائيات أشاهد واحد مثل «إبراهيم عيسى» وأتساءل «هل هو صحفى أم ماذا»!
■ وما ذنب الشعب الذى تحرك لإزاحة الإخوان..ما العيب الأساسى فى وجهة نظرك؟
- المشكلة الحقيقية فى عدم وجود «تيار سياسى» يحرك وقود الشعب نحو هدف ديمقراطى.
■ ولكن هذا الشعب.. وهذه «الناس» هى التى طلبت من الجيش النزول؟
- « ناس إيه.. أى ناس؟».
■ الناس التى ظلت فى الشوارع والميادين لمدة 3 أيام.. تنتظر تدخلاً من الجيش.
- أنا لا أشكك فى الملايين التى خرجت فى 30 يونيو.. فاليوم فى فرنسا الرئيس يتمتع بنسبة 15% من المؤيدين.. والجيش هنا لا يتدخل.. ولكن الإجراء الطبيعى هو أن تحدث «انتخابات».. ما الخوف من ذلك؟.. الإخوان هم الأقلية.. ففى 30 يونيو كانت الغالبية بالفعل تريد التخلص من الإخوان.. ولكن لم يطرح أحد حلاً لكيفية التخلص منهم.
■ وهل ترى أن «الربيع العربى» كان ربيعاً بالفعل أم «جحيماً»؟
- أنا لا أحب لفظ «الربيع العربى»، فتأثيره حتى الآن «سلبياً»، أدى إلى حروب أهلية فى ليبيا واليمن وسوريا.. ولا أنكر أنه كانت هناك انتفاضات شعبية حقيقية.
■ انتفاضات أم ثورات؟
ـ لفظ انتفاضات هو الوصف الدقيق.. لأنها لم تؤد إلى نتائج واقعية.. فلا رؤية سياسية ولا أحزاب.
■ والى أى مدى سيصل الوضع فى سوريا؟
- لا أعتقد أن هناك حلاً على المدى القريب.. رغم الضربات الروسية.. ولا أعلم حتى الآن ما هو الهدف من التدخل الروسى.. هذا سيدفع إلى تدخل أمريكى.. وهو ما سيؤدى إلى «كارثة».
■ وما تحليلك للموقف فى اليمن.. و«عاصفة الحزم»؟
- القضية اليمنية قضية «داخلية»، والرؤية السعودية بأن ما يحدث هو «مؤامرة إيرانية» ليس له أى وزن. فالحوثيون ليسوا شيعة بالمعنى الإيرانى، وهذا لا يعنى أنه ليس هناك تدخل إيرانى، كما أن هناك تدخلا سعوديا فى ذات الوقت.. القضية تحتاج إلى حل سياسى وليس عسكريا.. هم يضربون شعبا بائسا وفقيرا.
■ وبالنسبة لمصر.. كيف نبنى ديمقراطية حقيقية فى البلد؟
- بناء الديمقراطية «بياخد وقت»، وأنا على يقين أنه لن يكون بين يوم وليلة. بين يوم وآخر يمكن لمصر أن تتحول إلى دولة ديمقراطية، ولكن تدخل «الأجهزة الرقابية» ربما يرجعنا إلى عصر ما هو أسوأ من «عبد الناصر».. وأنا شخصياً من المؤيدين له.
■ عاصرت عبدالناصر – وأنت فى مرحلة الصبا – وآمنت بأفكاره التحررية.. هناك من يعقدون مقارنة بين «ناصر» و«السيسى».. كيف ترى هذه المقارنة؟
- أنا لا أنظر للموقف بشكل شخصى، قضينى ليست عبدالناصر أو السيسى. ولكن أنظر إلى «المرحلة التاريخية»، فعبدالناصر كان من الممكن أن يأخذ قرارات تاريخية فى فترة حكمه، مثل تأميم شركة قناة السويس، والاتجاه نحو اقتصاد وطنى يتمتع بالاستقلال التام.. كل ذلك كان ممكناً فى هذه الحقبة التاريخية.. أما الآن فـ«الزمن غير الزمن»، فالعولمة وتدخل الأموال جعل الصورة مختلفة.. فأنا متعجب أنه بعد ثورتين ولا توجد أفكار اقتصادية ناضجة، والبعض متعلق بـ«أوهام» أن نعود إلى عهد «عبد الناصر»، وكأن ذلك هو الحل، فعبد الناصر كانت له ظروفه وكان خطوة نسبية إلى الأمام فى ذلك الوقت.
■ بعد أكثر من نصف قرن على حكم الرئيس عبدالناصر.. هل ما زلت ترى أنه كان «خطوة للأمام»؟
- عبد الناصر كانت له أشياء كثيرة إيجابية، وفى مقدمتها قضية التحرر الوطنى، والقضاء على الاستعمار، والسعى نحو إقامة اقتصاد وطنى حقيقى.
■ وهل تعتقد أن يونيو 67.. كانت نهاية هذا النظام؟
- بكل تأكيد.. ولكن يحسب له فى هذه الحقبة، النقاش الذى فتحه مع اليسار المصرى حول أسباب الهزيمة، ولا ننسى فى هذا الوقت أن المعارضين لعبدالناصر من الطلبة لم يكونوا إخوانا بل كانوا «يساريين».. وهى للأسف أزمة التجربة الاشتراكية ليس فى مصر، ولكن فى العالم كله، فالاشتراكية فشلت اقتصادياً وسياسياً فى ذات الوقت، فبناء النظام الاشتراكى كان وراء إنهاء الحريات والديمقراطية وحق التعبير ووجود نقابات عمالية قوية.. وللأسف كان دور «عبد الناصر» سيئاً فى هذا الإطار.
■ وهل انتهى زمن الزعماء.. والزعامات.. وما مقومات الزعيم – إذا وجد – فى الألفية الثالثة؟
- هناك كاتب مسرحى ألمانى كبير اسمه برتولت بريشت له مقولة تستحق الذكر، وهى: «ما أسوأ أن يكون للشعوب زعماء».. فعهد الأبطال والزعماء انتهى..! ولكن تجربة الزعامة يمكن أن تتكرر فى دول العالم الثالث، فمثلاً ما حدث مع «شافيز» كان إيجابياً، ولكن فى النهاية «الزعيم» يقتل دور الشعب، بمنظماته ونقاباته وهيئاته.
■ فى حديثنا عن الحريات.. كيف ترى وضع الصحافة العربية والمصرية؟
- أعتقد أنه لا يوجد حوار مجتمعى فى الصحف المصرية يحرك الوضع السياسى، إضافة إلى أن الصحفيين المصريين لا يتمتعون باستقلالية حقيقية. وهنا أنا لا أنظر إلى التجربة الأوروبية، عندنا تدخل الأموال، وبالتالى أنا لا أدافع عن «النموذج الأوروبى»، ولكنى أرى أنه لابد أن يتمتع الصحفيون المصريون بالاستقلالية.
■ كيف؟
- بمعنى أن تتمتع الصحف باستقلالية حقيقية، وكذلك الصحفيون يجب ألا يكونوا جزءا من صراع «أيديولوجى»، فأنا لا أتصور أن تهاجم الإخوان لمجرد الهجوم، بالصدفة كنت متواجداً بالقاهرة خلال مايو أو يونيو الماضى، وسمعت أن هناك مظاهرات للإخوان فى منطقة المطرية، الواقعة بالقرب من قصر القبة، وتوجهت إلى هناك لاأشاهد الموقف بنفسى. ووجدت مظاهرتين لم أستطع أن أحدد هويتهما، إلا أننى لاحظت أنهم كانوا «أولتراس» غالباً. وكانوا يرددون شعارات، وظللت أتابعهم حتى انتهت المظاهرتان تقريباً. وفى اليوم التالى أمسكت بالصحف المصرية، ووجدتها تكتب أن الجمهور وأهالى المنطقة كانوا ضدهم. وتعجبت فالأهالى لم يكونوا معهم أو ضدهم!.. كانوا يشاهدون فقط.. ده نموذج للتناول فى الصحف المصرية.
■ قبل أيام فازت مصر بمقعد غير دائم بمجلس الأمن الدولى.. كيف ترى وضع مصر عالمياً الآن؟
- أعتقد وجهة النظر تغيرت بشكل كبير بعد ما حدث فى «3 يوليو»، فالرئيس الفرنسى حضر إلى مصر مرتين، فالعالم يرى أن مصر هى بوابة لمنطقة الشرق الأوسط.. أما على مستوى الرأى فى الصحافة مثلاً، فهو ليس مع النظام الحالى فى مصر، رغم أن هذه الصحف – وهو أمر لا يدركه المصريون – كلها والرأى العام الأوروبى ضد الإخوان بنسبة 100%.. وليس لديهم أى تعاطف مع هذه الجماعة.. فحينما ترى الصحافة الأوروبية أن هناك سجنا للصحفيين والنشطاء، الذين يرون أنهم وقود الثورة، فإنها تتعاطف معهم، وبالتالى الرأى العام من بعده.
■ دعنى أطرح عليك تصورا افتراضياً.. لو أن «آلان جريش» هو رئيس مصر الآن، وأمامك عمليات إرهابية، ووضع اقتصادى مترد، ومشكلات متراكمة منذ عدة عهود.. ماذا ستفعل وأنت رئيس مصر؟
- أعتقد أن مصطلح «الإرهاب» نفسه فى حاجة إلى تفسير.. الإسرائيليون يقولون إن الفلسطينيين إرهابيون، والأمريكان كانوا يقولون على الحركات التحررية الأفريقية فى عهد ريجان إنهم إرهابيون، وكذلك الغرب بالنسبة للأكراد، حتى بدأوا فى مساعدتهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية فى سوريا.. لقد كتبت مقالاً عن كلمة «الإرهاب» قلت إن الكل يستخدمها كيفما شاء.. الإرهاب ليس خطاً سياسياً ولكنه وسيلة.. ولو نظرنا سنجد أن العمليات الإرهابية فى مصر بدأت فيما بعد «3 يوليو»..فى سيناء وغيرها من المناطق.
■ ولكن سيناء كانت تعد لتكون أكبر مخزن للسلاح فى المنطقة.. وكانت هناك عمليات قبل « 3 يوليو»؟
- «ممكن شوية».. ولكن ليس بحجم ما بعد 3 يوليو.. الحكومة الإسرائيلية تقول إنه لا فرق بين حماس وداعش والقاعدة. والحكومة المصرية تقول إنه لا فرق بين الإخوان وداعش فى العراق والشام وسيناء.. وفى ظنى أن الإخوان بعيدون عن العمليات الإرهابية التى تنفذ.
■ اعطيتنى «إجابة دبلوماسية».. ولكنك لم تجب عن عمق السؤال.. ماذا ستفعل لو كنت رئيساً للجمهورية؟
- عندما أجريت انتخابات «مرسى وشفيق».. قلت فى تعليق إن الساعى لأن يكون رئيساً لمصر.. «لازم يكون مجنون»، لأن حجم المشكلات أكبر من أى فرد، الزيادة الجنوينة فى السكان.. والشروخ الاجتماعية الكبيرة، أما ماذا سأفعل لوكنت رئيساً فهذا ليس دورى «أنا صحفى».
■ ولكن الصحافة أيضاً تطرح حلولا.. ولا تلعب دور «الناقد» فقط.. أنت لم تطرح رؤية رغم أنك على خشبة «مسرح الحكم» كممثل؟
- لست ممثلاً على هذا المسرح، ولا أطمح أن أكون فى دور سلطوى.. دور الإعلام أن ينقد حتى يستجيب الحاكم.
■ هل تعتقد أن وجهة النظر الأمريكية تغيرت من «30 يونيو» أو «3 يوليو»؟
- أعتقد أنها تغيرت.. وأنا أعلم أن فى مصر الكل على قناعة من أن الأمريكان هم الذين جاءوا بالإخوان. وأنا لا أعتقد فى هذا الاتجاه.. البيت الأبيض دافع عن مبارك حتى آخر وقت.. وكذلك فتح علاقات مع المجلس العسكرى.. ودعمه للإخوان جاء من منطلق أنهم القوة الرئيسية الثابتة فى الشارع.. ولا أحزاب سياسية قوية.. إضافة إلى أن هذه القوة كانت ضد «كامب ديفيد».. وكان لديها الاستعداد لاحترام الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل.
■ كيف تنظر إلى مستقبل جماعة الإخوان المسلمين؟
- هم فى «أزمة حقيقية» ويحتاجون إلى «نقد ذاتى»، لقد أثبتوا للرأى العام أنهم «أغبياء» ومنغلقون فكرياً، وليس لديهم تصورات للحكم، وهو ما لاحظته على معظم قادتهم الذين التقيت معهم قبل 30 يونيو.. وبالتالى مستقبلهم سينطلق من هذه النقطة.
■ وماذا عن التنظيم العالمى.. هل ستبقى الفكرة؟
- التنظيم العالمى ليس له وجود على أرض الواقع.. هى مجرد اجتماعات فى عواصم دول.. ولكننا دائماً نعطى الشىء أكبر من حجمه.