كان المشهد لافتاً للانتباه، داعياً للتمهل والتأمل.. مقار انتخابية خاوية انتشرت على بعد أمتار أو كيلومترات قليلة حول استاد مختار التتش بالنادى الأهلى الذى امتلأ بآلاف الشباب.. وفى نفس الوقت الذى كانت فيه أى لجنة انتخابية تستجدى حضور أى شاب للتصويت فى انتخابات البرلمان المقبل.. كانت مدرجات التتش تستقبل كل هؤلاء الشباب، الذين جاءوا لتأكيد حبهم وفرحتهم بناديهم واستقبال مدرب جديد لفريقهم.. واضطرت إدارة الأهلى لأن تفتح أبواب الملعب نفسه لمزيد من الشباب، بعد أن ضاقت بهم المدرجات، ووسط هؤلاء أجرى لاعبو الأهلى مرانهم الأول، بعد فوزهم بالسوبر المصرى الذى استضافته الإمارات.. ويجبرنا هذا المشهد بكل تناقضاته وألغازه على التفكير وطرح الكثير من الأسئلة.. لماذا يحرص شاب على الذهاب لناديه الكروى ويتحمل مشقة الزحام بمنتهى الاقتناع والانتماء والحب، ولا يفكر مطلقا فى الذهاب إلى لجنته الانتخابية لاختيار من ينوب عنه تحت قبة البرلمان؟.. هل خرج هذا الشاب من بيته بعدما شعر بأن ناديه يعيش أزمة ولحظة ارتباك فقرر الوقوف مع ناديه الذى يحبه مهما كانت الظروف والاختلافات، بينما وجد هذا الشاب من يخدعه ويؤكد له طول الوقت أن مصر تعيش أزهى عصورها بمؤتمر اقتصادى وقناة جديدة وعاصمة جديدة واستثمارات هائلة من كل الدنيا.. وبالتالى أدرك هذا الشاب أن مصر لا تحتاج إليه هو أو أى أحد آخر، فقرر هذا الشاب الوقوف مع ناديه الذى يحتاج إليه ولا يتعالى عليه.. هل ذهب هذا الشاب إلى ناديه وقرر الوقوف معه ومساندته باعتباره الكيان الذى يخاف عليه، ولم يذهب بالضرورة ليقف مع رئيس النادى الذى ليس بالتأكيد أهم وأغلى من الكيان نفسه، بينما كان هناك من يطلب من الشباب طول الوقت المشاركة فى انتخابات البرلمان من أجل الرئيس وحماية الرئيس وانتصار الرئيس على أعدائه ومعارضيه.. اختفت كلمة مصر من الخطاب الإعلامى، ولم تبق إلا كلمات الرئيس والإخوان والسلفيين، وتم اختصار الحكاية كلها باعتبارها خناقة ليست فيها أى مصلحة حقيقية ومباشرة لأى شاب.. ولا أعرف من الذى أشار على الرئيس بضرورة توجيه كلمة حماسية قبل أربعة وعشرين ساعة فقط من بدء انتخابات البرلمان، وكأنها انتخابات الرئيس، بينما الرئيس لا علاقة له بالأمر لأنها مجرد سباق انتخابى بين مرشحين كثيرين ليس منهم الرئيس، وليست تلك الانتخابات أصلاً استفتاء على شعبية الرئيس ورؤية الناس له، كما صورها كذلك إعلام ساذج لا يجيد إلا التهويل والتهليل والمبالغة ويصنع طول الوقت كوارث، أبداً لا يشارك فى دفع ثمنها وسداد فواتيرها.. هل كان هذا الشاب فى مدرجات التتش وعلى أرض الملعب واثقاً من أن صوته مهم وحضوره مهم وهناك من سيسمعه وسيستجيب له، بينما هو خارج النادى والملعب يبقى بلا صوت أو قيمة أو ضرورة أو ثمن.. هل وجد هذا الشاب فى ناديه الصدق الذى لم يجده فى أى مكان آخر.. فالفوز فى النادى حقيقى والخسارة أيضا حقيقية والأخطاء واضحة والمسؤول عنها يمكن محاسبته وإبعاده والتغيير دائما وارد وكل الأمانى والأحلام أيضا.