انطلقت الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية التي طال انتظارها، إلا أن تفكك الأحزاب والقوى السياسية وعدم وجود تيار حزبى قوى في الشارع المصرى يمهد لسيطرة من المستقلين على البرلمان القادم، وما سيترتب عليه من ترسيخ دعائم المصالح الفئوية، وتضخيم دور نائب الخدمات على حساب نائب التشريعات!
الحقيقة تتحمل الأحزاب السياسية بكل اتجاهاتها مسؤولية التشتت وعدم الاستقرار التي تشهدها الساحة السياسية، نتيجة عدم قدرة هذه الأحزاب على تدعيم علاقتها بالجماهير في الشارع، خاصة أن مرحلة ما قبل 25 يناير لم تعد موجودة، وأبرزها منع المؤتمرات الجماهيرية للأحزاب، وتطويق قوات الأمن لهذه المؤتمرات، وغيرها من الممارسات الأمنية القمعية التي كبلت العمل السياسى والحزبى بكثير من المحاذير، إلا أن مرحلة ما بعد 25 يناير، وخاصة ما بعد 30 يونيو، من المفترض أن تسمح للأحزاب بالتحرك في الشارع بشكل أرحب وأوسع، واستغلال تنامى عدد الصحف الخاصة والقنوات الفضائية التي يمكن أن تعمل على الترويج لأنشطة وبرامج الأحزاب المرتبطة بالجماهير، بعد أن كانت تغطية مثل هذه الأنشطة في القنوات الرسمية للتليفزيون المصرى محدودا ومبتورا!
ويبدو أن الناخب سيكون في حيرة من أمره، أمام عدد كبير من المرشحين الفردى، إلى جانب تسليط الضوء من بعض القنوات الفضائية على قوائم بعينها، مما يعمل على توجيه الرأى العام في اتجاه معين بدعوى تدعيم الرئيس وتنفيذ برنامجه، ولكن مثل هذه الأساليب لا تخلق مجتمعا ناضجا، يعى نتيجة اختياره، وستجعله أسيرا للتوجهات السياسية والإعلامية التي تقدم له، وهو ما يعيق عملية التحول الديمقراطى، ومن ثم لا بديل عن العمل النشط من الأحزاب والقوى السياسية للحفاظ على التعددية الحزبية، وحماية العمل الحزبى من التحديات التي تواجهه.
لذا يقلقنى تناقل أخبار المشكلات الداخلية للأحزاب، وخاصة حزب الوفد العريق، وحزب الدستور الذي تأسس عقب ثورة 25 يناير، وكذلك الحديث عن استقالات جماعية لحزب الحرية، واستقالة الدكتور المحترم محمد أبوالغار من رئاسة المصرى الديمقراطى الاجتماعى قبل أن يعدل عنها ولو لفترة، واستمرار تواجد الأحزاب الدينية التي تراهن على تقديم خطابات شعبوية وخدمات جماهيرية، وتغييب للعمل السياسى المحترف، لتخلو الساحة من الأحزاب القوية، واقتصار العمل الحزبى على عشرات الأحزاب الورقية دون أي تواجد فعال لها في الشارع، لتترك فراغا خطيرا ربما تستغله الجماعات الراديكالية مستقبلا، بما يهدد آمال وطموحات ملايين المصريين الذين خرجوا في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013.
وأخشى أن ينخدع الشارع والناخب من جديد بشعارات لأحزاب سياسية تتخذ من الشعارات الدينية مرجعية لها، من أجل دغدغة مشاعر الجماهير، وما سيترتب على ذلك من تديين الانتخابات، وهو ما ظهرت إرهاصته مؤخرا، بتراشق إعلامى بين حزب النور السلفى وحزب المصريين الأحرار، كذلك ظهور تيارات وقوائم تتحدث عن دعم الدولة أو الرئيس تحت مسميات ظهير سياسى وبرلمانى، بالرغم من تصريحات الرئيس السيسى برفضه الانحياز لتيار أو قائمة بعينها، ومنح الفرصة لجميع المواطنين لاختيار الأصلح.
وأترقب خوفا شيوع حالة اليأس والعزوف عن الذهاب للانتخابات القادمة، نتيجة ضعف دور الأحزاب والقوى السياسية، وتنامى دور المستقلين، وغياب الرؤية الحاكمة للبرلمان القادم، في ظل انشغال عدد من القنوات الفضائية بالحديث عن أمور «تافهة» و«سطحية» مثل خرق وزيرة للبروتوكول أثناء القسم، أو الحديث عن «مجلس أعلى للعالم» يتحكم في الطبيعة، إلى جانب الدجل والشعوذة في مباريات كرة القدم، وغيرها من الأمور السطحية التي تجرف المجتمع إلى قضايا تافهة لا تبنى الأوطان، ولا تتناسب مع التحديات التي تواجه مصر داخليا وإقليميا ودوليا.