x

صلاح عيسي حصة فى علم الديمقراطية صلاح عيسي الجمعة 16-10-2015 21:46


على الرغم من قصر الفترة المحددة للدعاية الانتخابية، وهى ثلاثة أسابيع، فإن ما دار خلالها من مناقشات لا يخلو بعضها من العمق، وما تخللها من ملاسنات لا يخلو بعضها من سوء الأدب، تعكس اتجاهات مهمة، تتطلب من الناخبين التوقف أمامها، والتأمل فى دلالتها، خلال فترة الصمت الانتخابى التى بدأت فى منتصف ليل أمس الأول.

أبرز هذه الاتجاهات هو حالة القلق المبالغ فيه، التى دفعت كثيرين من المرشحين والمراقبين للترويج لانطباع تولد لديهم، بأن هناك حالة من الهبوط الملحوظ فى حماس الناخبين للمشاركة فى هذه الانتخابات، على الرغم من أهميتها وخطورتها المعروفة للجميع، وهو انطباع استخلص منه هؤلاء أن نسبة التصويت سوف تتراوح بين 15 و20٪ فقط من المقيدين فى جداول الانتخابات، وقادهم إلى الإلحاح على ضرورة أن تتجاوز هذه النسبة حاجز الخمسين بالمائة، حتى لا يستغل أحد «عزوف» الناخبين عن المشاركة، للادعاء بأن المصريين لا يثقون فى نزاهة العملية الانتخابية، أو للزعم بأنهم فقدوا حماسهم لثورة 30 يونيو، وللسلطة التى أسفرت عنها.

والحقيقة أن أحداً لا يستطيع أن يجزم بصحة هذا التقدير الذى لا يستند إلا إلى انطباعات شخصية، خاصة أن فترة الدعاية الانتخابية، قد خلت هذه المرة من أى استطلاعات علمية، تقوم بها مراكز متخصصة، لقياس تطور اتجاهات الرأى العام بشأن المشاركة فى الانتخابات.. وفضلاً عن أن هذا الانطباع قد تولد لدى أصحابه فى الغالب من ملاحظة الحالة فى دوائر المدن الكبرى، التى تتراجع فيها - عادة - نسبة المشاركة، بعكس الدوائر الريفية التى تحتد فيها المنافسة الانتخابية فترفع من هذه النسبة، فإن العملية الانتخابية ذاتها، شهدت هذه المرة ارتباكات متعددة بسبب تضارب المواعيد التى حُددت لإجرائها، وتغيير حدود الدوائر، وتعدد عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة، وإلغاء نسبة الـ50٪ التى كانت مخصصة للعمال والفلاحين، والجمع بين نظامى القائمة المطلقة والمقعد الفردى، وهى ارتباكات حالت بين الناخبين وتحديد موقفهم النهائى من المشاركة فى الانتخابات.

ولو صحت انطباعات وتنبؤات هؤلاء وتراجعت نسبة المشاركة فى الانتخابات، فإن فأس المسؤولية عن ذلك، ينبغى أن تعلق فى رقبة الذين روجوا - خلال العامين الأخيرين - لديمقراطية غير حزبية، ولمجلس نيابى يخلو من المعارضة، وشككوا فى أن النواب الحزبيين، لو فازوا بالأغلبية فى مجلس النواب، فسوف يستغلون ما يسمونه بالحوار فى مواد الدستور، لتقليص سلطة الرئيس والحيلولة بينه وبين تحقيق أحلامه وأحلام الشعب فى إعادة بناء الدولة، وهى فأس ينبغى أن تعلق كذلك فى رقبة أصابع اليمين اليسارية والليبرالية، التى تدعو المواطنين لمقاطعة الانتخابات لأسباب جزئية تافهة، لتمهد بذلك الأرض أمام أحزاب الفاشية الدينية، الأكثر تنظيماً وقدرة على الحشد، للفوز بالأكثرية أو الأغلبية فى المجلس النيابى القادم، لكى تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل 30 يونيو.

ما يلفت النظر أن من بين الذين ظلوا خلال فترة الدعاية الانتخابية وما قبلها، يشنون الحملة على الأحزاب السياسية، ويدعون إلى عدم التصويت لمرشحيها من دون تمييز بين الأحزاب الديمقراطية والأحزاب الفاشية، مرشحين مستقلين ينتمون للتيار الديمقراطى الواسع، ومع ذلك لم يتنبهوا إلى أنهم بما يفعلون يخلخلون الأرض تحت أقدامهم، ويطلقون النار على معسكرهم، ويمهدون الأرض أمام فوز خصومهم.. ولو أنهم توقفوا أمام الأرقام الرسمية التى تقول إن نسبة عدد مرشحى الأحزاب الذين يخوضون المعركة الانتخابية لا تزيد على 20٪ من إجمالى عدد المرشحين، وإن 80٪ هم من المستقلين..


وتقول هذه الأرقام إن «حزب النور» يتصدر كل الأحزاب فى عدد الذين رشحهم على القوائم والمقاعد الفردية، ويبلغ عددهم حوالى 375، يليه حزب الوفد بفارق حوالى مائة مقعد، إذ يبلغ عدد مرشحيه 275 مرشحاً، بينما لا يزيد عدد مرشحى حزب المصريين الأحرار على حوالى 230 مرشحاً، ويتواضع عدد مرشحى أحزاب أخرى بحيث لا يزيد على 20 أو 30 مرشحاً.. وهو ما يعنى أن «حزب النور» هو الحزب الوحيد، من بين الأحزاب التى تخوض الانتخابات، الذى يمكن فى حالة فوز كل مرشحيه أن يحوز الأغلبية فى مجلس النواب، وأن الأحزاب الديمقراطية لو فاز كل مرشحيها لن يفوز أى منها إلا بالأكثرية التى لا تتجاوز 35٪ أو 40٪.

وهكذا نجد أنفسنا، ونحن أمام أول انتخابات نيابية تعقب ثورة 30 يونيو، أمام نفس المشكلة التى واجهناها ونحن أمام أول انتخابات نيابية تعقب ثورة 25 يناير، فقد عجزت الأحزاب السياسية المدنية هذه المرة، كما عجزت فى المرة السابقة، وفى كل مرة، عن التوصل إلى توافق فيما بينها، بحيث تخوض الانتخابات فى إطار ائتلاف يضمها، ويتيح لها تقسيم الدوائر فيما بينها، بحيث لا تتنافس إلا عند الضرورة، وفى عدد محدود من الدوائر، وتتعاون فى تأييد ودعم مرشحى الائتلاف فى بقية الدوائر.. بل عجزت حتى عن التوصل إلى قائمة موحدة، تخوض بها الانتخابات على المقاعد المخصصة للقوائم، بسبب توهم كل منها، بأنه الأكثر أهلية للحصول على الأغلبية، وعلى حسم المعركة لصالحه، على الرغم من أنه كان يعجز فى كل مرة عن العثور على عدد من المرشحين يكفى لكى يخوض بهم الانتخابات على كل المقاعد، ومن أن هذه الانتخابات كانت تسفر كل مرة عن فوز الأحزاب الفاشية والمعادية للديمقراطية، أو فوز المستقلين، الذين لا طعم لمعظمهم ولا لون ولا رائحة.

أما المؤكد - أولاً - فهو أن الانتخابات التى تبدأ مرحلتها الأولى غداً، على أهميتها وخطورتها، وإن كانت الخطوة الثالثة فى خارطة المستقبل، فهى ليست الأخيرة فى الطريق إلى الديمقراطية التى تتعلمها الشعوب بالممارسة وليس بالمقاطعة، وبالتجربة والخطأ وليس بتكرار الأخطاء، أما المؤكد - ثانياً - فهو أن درجة الوعى السياسى التى حققتها جماهير الشعب المصرى خلال الأعوام الخمسة الماضية، سوف تدفع بها إلى صناديق الاقتراع، لتختار أقرب المرشحين إلى تحقيق جانب من مطالبها وآمالها، ولكى تصوّب أخطاء الساسة والسياسة، انطلاقاً من وعيها التاريخى بأن ما لا يُدرك كله لا يجوز أن يُترك كله، وأن هذه الانتخابات مهما كان ما يشوبها من نواقص، هى خطوة ضرورية فى الطريق إلى المستقبل، وحصة فى علم الديمقراطية، ولكى تَحُول - وهذا هو المهم - دون عودة الماضى الذى كان!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية