x

أحمد الدريني إعلام وائل أحمد الدريني الإثنين 12-10-2015 22:14


هل أحسست بالنشوة الجنسية بعدما صدمتك السيارة السوداء إياها؟ وهل حين احتججت على المسار السياسي للبلاد اتصل بك أحدهم ليخبرك أن زوجتك تخونك مع جارك؟ وهل تشجيعك لنادي ريال مدريد يعني أنك تؤمن بإباحة المثلية الجنسية؟ وهل حين مات ابنك تيقنت أن اغتصاب الأطفال يهديء أعصابك؟ وهل حين قرأت فتوى دار الإفتاء الأخيرة بخصوص ملكية أراضي الدولة أحسست أن الحوثيين طائفة كافرة وجب قتالها؟ هل يجيز السلفيون الزواج من جنيات البحر؟ وهل يأكل الإخوان الحلاوة الطحينية لكبت رغباتهم الزوجية في السجون؟ وهل يدير الأزهر بيزنس تزويج المسيحيات من يهود في شرم الشيخ؟

هكذا يولد عقل الأستاذ وائل الأسئلة، هكذا تنتفي المقدمات التي تؤدي لنتائج، ليحل محلها كل هذه الرغبة المحمومة في أن يؤول النقاش جميعه إلى سيرة الدم والقتل، أو الخيانة والاغتصاب، أو الكفر والإيمان.

فكيف يسلي وائل الجمهور؟ أو بالأحرى كيف يراهن وائل على استثارة رغبات الإنسان البدائي المختبئة في طوايانا من تعطش للدم والصراع؟ وكيف يزيف النتائج ويصيغ في سؤال واحد ما لا يجتمع بداهة؟

يطل علينا الأستاذ وائل بجلده المشدود اللامع وبملامح مصاص الدماء الذي لايشيب، وبصوته الرتيب ذي النغمات الإيقاعية البليدة وبعينيه النعساوين، كأنما خرج لتوه من تابوت في قلعة رومانية منيعة.

أكل العيش مر.. كلنا نعلم.

لكن أكل العيش على جثامين الضحايا وعلى شرف الناس وعلى دموع الأطفال وعلى مشاعر الأمهات الثكلى.. ليس أكل عيش، هذا أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله.

(2)

في مصر لا تتوفر المدخلات الطبيعية التي تحتاجها كي تعمل في الإعلام.

لايوجد مصداقية كافية للتيقن من الأخبار، لا توجد بيئة طبيعية لإفراز معلومات، لا تتوفر حياة سياسية تتنافس فيها القوى والأفكار والطروحات والأشخاص، لايوجد مجتمع مدني صحي ولا يوجد مصارد وخبراء بالعدد الكافي لتناول الأحداث وتحليلها وفهمها.

تجريف تام.. وكأننا نتلفت حوالينا بعد طوفان هادر.

في مثل هذا الفقر المدقع، يستحيل أن تملأ صفحات مطبوعتك أو أن تكفي مادتك لبث ساعات الهواء المقررة لبرنامجك، مالم تلجأ للبوابة الخلفية.

اخترع صراعات.. ابتكر أزمات.. زايد على هؤلاء.. واستفز أولئك، فمن هنا تتولد الدراما، ويندلع الغضب، وتنخلق ضرورة الرد عليك، فترد عليهم، وهكذا دواليك، يمتلأ فراغ بثك التلفزيوني.

هل توجد معلومة واحدة لدى الأستاذ وائل؟ هل خرجت ذات يوم بتحليل محترم؟ هل أحسست يوما ما أنك تشاهد التلفزيون لا ساحة اقتتال روماني تفترس فيها الأسود المصارعين بينما يهلل الجمهور بتعطش دموي أحمق؟

العهدة على الراوي وهو صديق صدوق، جاءه عرض ليعمل معدًا في برنامج يقدمه الأستاذ وائل، وحين دخل غرفة الإعداد بينما يقدم الأستاذ مادته على الهواء، كان شخص ما يعطي توجيهاته باستقبال تليفون الآن من أحد المتصلين، ويوجه الجالسين في الغرفة ويبدو أنه يدير «الهواء».

لم يبد أنه المخرج أو أحد المعدين.

سأل صاحبنا: من هذا يا جماعة؟

فرد عليه متدرب صغير السن، بمنتهى البديهية والاحترام: سواق الأستاذ وائل!

اكتفى صاحبنا بغمغمة وصوت حلقي عميق وغادر الغرفة إلى غير رجعة. فهواء الأستاذ وائل وبثه أمر يتدخل فيه الارتجال والصدفة والاتصالات الدامية والمداخلات التليفونية البذيئة ومحاولات استنطاق أم معاذ الكساسبة عن مشاعرها بعد حرق ابنها، وسواق الأستاذ وائل شخصيا.

(3)

من حق الأستاذ وائل وقد أفلس وقد أجدبت الظروف من حوله أن يحافظ على قوت يومه.

لكن ليس من حقه تسويغ ضلالاته وتصوراته عن المهنة كمسألة قائمة على خلق الصراعات واستنطاق الغضب الكامن في الصدور على أنه «رصد» محايد لما يجري.

لو اعتزل الأستاذ وائل المهنة (وليته يفعل أو ليت الظروف تفعل بمعرفتها) سيكون أمامه مستقبل باهر في إعلانات الشامبو وزيوت الشعر.

أو مستقبل سينمائي واعد، مع أفلام الفامبيرز التي لا تكف هوليوود عن انتاجها. فكل ما يحتاجه الرجل عباءة سوداء فحسب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية