x

قراءة في أفلام الدورة الخامسة لمهرجان مالمو للسينما العربية

الإثنين 12-10-2015 20:54 | كتب: رامي عبد الرازق |
شعار الدورة 5 لمهرجان مالمو شعار الدورة 5 لمهرجان مالمو تصوير : آخرون

يخطو مهرجان مالمو للسينما العربية بخطوات ثابتة ومدروسة بأتجاه التواجد على ساحة المهرجانات«العربية»- ونقصد بالمهرجانات العربية تلك التي تعتمد على صناع وتجارب السينما العربية في فعالياتها وليس فقط المهرجانات التي تقام في دول عربية- حيث يمكن القول أنه صار اكثر نضجا وتماسكا مع تراكم دوراته عاما بعد أخر وذلك دون أن نغفل طبيعة التوجه الثقافي والجماهيري الخاص به وكونه مهرجان يقام بالأساس لمتلقي من الجاليات العربية المهاجرة والمتفرج الأجنبي الذي تصبح مثل هذه المهرجانات وسيلته الأساسية في التماس مع المنتج السينمائي(العربي).

في هذا العام قدم المهرجان ضمن فعاليات مسابقة الأفلام الطويلة أحد عشر فيلما روائيا طويلا منهم فيلمين من مصر هما«سكر مر» إخراج هاني خليفة- فيلم الأفتتاح-و«بتوقيت القاهرة»اخراج امير رمسيس- فيلم الختام-إلى جانب فيلمين من فلسطين هما«عيون الحرامية» لنجوى نجار و«فيلا توما» لسها عراف بالأضافة إلى تجارب«الدلافين»الاماراتي لوليد الشحي و«الشجرة النائمة»البحيرني لمحمد راشد و«اسمي نجوم» اليمني لخديمة السلامي و«كعكة صفراء» العراقي لطارق الجابري و«كارين بولييود»المغربي لياسين فنان والفيلم الجدلي«غدي»اللبناني لأمين درة وبالطبع أحد اهم التجارب العربية التي انجزت خلال العام الأخير«ذيب» الأردني لناجي ابو نوار.

الأطفال أحباب السينما

بالنظر إلى مختلف برامج الدورة الخامسة للمهرجان يمكن بسهولة أن نرصد ذلك الحضور الملموس والظاهر للتجارب التي يلعب فيها الأطفال دور البطولة الرئيسية أو يتمحور حولهم العالم الدرامي للأفلام.

في مسابقة الأفلام الطويلة يمكن حصر كل من الأماراتي الدلافين واللبناني غدي واليمني اسمي نجوم والفلسطيني عيون الحرامية والبحريني الشجرة النائمة والأردني ذيب والفلسطيني فيلا توما أي في اكثر من نصف الأفلام المشاركة ثمة ذلك الوجود الطفولي كعنصر اساسي من عناصر السرد والحكاية والبناء البصري.

يقدم الممثل اللبناني جورج خباز في فيلم من كتابته وتمثيله حكاية الصبي غدي المصاب بأعاقة ذهنية والذي يرفضه الحي اللبناني التقليدي الذي يعيش فيه بسبب تلك الأعاقة بعد ان كان الجميع ينتظر قدومه كفأل جيد ثم اصبحوا يعتقدون ان ثمة شيطان يسكنه لكن لابا/جورج والده ييستغل هوسهم الديني الظاهري الذي يرتبط باحباطاتهم الأجتماعية ويدعي أن غدي المعاق ما هو إلا ملاك في صورة طفل-وهي صورة ذهنية ووجدانية قريبة من فزرة المبروك في الثقافة المحلية المصرية-ويبدأ عبر الأستعانة ببعض جيرانه المتواطئين مع الفكرة في ايهام الجميع ان طفله ملاك قادر على تحقيق المطالب والامنيات للجميع في مقابل أن يظل مقيما بينهم بعد أن كانوا يرغبون في اقصاءه واجبار والده على ايداعه في مؤسسة رعاية خاصة بالمعاقين.

يعتمد غدي على الكوميديا السوداء في تمرير فكرته حول الهوس الديني وتلك المسافة الفاصلة بين الأصلاح الأجتماعي وبين دور الأيمان في حياة المجتمعات الحديثة فغدي لم يكن ملاكا وليس لديه قدرة على تحقيق أمنية أو شفاء مريض ولكن الحي كان بحاجة لمحفز روحي ونفسي من أجل ايقاظ ضميره ومشاعره الجمعية وذلك المحفز لم يكن سوى فكرة المعجزة الإلاهية بعد ان فقد القديس إلياس شفيع الحي دوره في نفوس الجميع نتيجة الاحباطات والتراكمات الأجتماعية والأنسانية السيئة التي يعيشها البشر كجزء من حياتهم.

يمكن اعتبار غدي رغم سذاجته الظاهرية واسلوب سرده البسيط اقرب لامثولات الأطفال ولكن اليس الجمهور احيانا ما يحتاج إلى أن يعامل كطفل يجب أن تمرر اليه الأفكار عبر سياقات بدائية يمكن أن تخاطب وجدانه بشكل ربما اعمق واكثر تأثيرا من السياقات المعقدة ذات الأساليب المركبة والغامضة !!

ملاك اخر يعيش في فلسطين المحتلة يتمرد على كل شئ ويرى أن الحياة التي يعيشها لا تستحق أن نكون شرفاء بالقدر الكافي لأنها مقيتة وغير منصفة انها ملاك في فيلم عيون الحرامية– وهذه المرة هو اسمها وليس صفتها كالفيلم اللبناني- التي تعيش مع أمها الخياطة الجميلة/سعاد ماسي التي تحاول أن تمر بطفليها من صعوبات الحياة في نصف وطن، بينما يعثر فيها طارق/خالد ابو النجا على ابنته المفقودة منذ ان قبض عليه ووضع في السجون الأسرائيلية لعشر سنوات كاملة.

هل يمكن اعتبار ملاك نموذج لجيل جديد فلسطيني متمرد لا يرى بدا من التوحش والتمرد في محاولة لقبول الواقع الخشن الذي يعيشه!! انها تسرق المواسير وتهرب الأسلحة وتتشاجر مع الأطفال الذكور في مثل عمرها وتفر من المدرسة، هي دوما عيفة وخشنة ورافضة للنصح والتوجيه، فقط عندما يشرع طارق في استدرجها برقة الأب المفتقدة ويمنحها جناحين وهميين حين يصطحبها واخيها على فوق دراجته البخارية ويسرع في الطرق الملتوية خلف الجدارن العازلة لتتحرر ملاك من ضيقها الفطري وتستشعر اجنحتها المفقودة فتشف روحها الصغيرة وتبدأ في تقبل الحياة بصورة افضل رغم أن شئ لم يتحسن ولكنها الروح التي كانت بحاجة للعثور على افقها الواسع.

كان من الممكن ان يصبح عيون الحرامية واحد من التجارب الهامة التي تناولت الواقع الفلسطيني الحالي لو أن مخرجته نجوى النجار(صاحبة المر والرمان) اقتصدت قليلا في افكارها لصالح التركيز على خطوط درامية مكثفة وواضحة الغرض والمعالم ولكنها كعادة الكثير من المخرجين من ابناء جيلها سواء في السينما الفلسطينية أو العربية –اذا جاز المصطلح- تريد أن تتحدث عن القناص الذي تصيد جيش الأحتلال عند احد المعابر بينما هو ذاته مهندس شبكات المياه الذي يكتشف سرقة المستوطنات للمياه التي تغذي ما تبقى من البلاد وهو ذاته الأب الذي يبحث عن ابنته المفقودة!! صحيح أنه لا يوجد تعارض ظاهري ولكن ثمة زحام درامي يتجاوز البانورما الأستعراضية إلى التشتت وفقدان البوصلة التي توجه مشاعر المتلقي وافكاره رغم ان الخط الدرامي الخاص ببحث الأب عن ابنته الغائبة يعتبر أحد عناصر الطزاجة على مستوى الطرح السياسي في الفيلم فعادة ما يبحث الأبن عن ابيه وأمه كرمز للوطن المفقود اما ان ينقلب الرمز هنا فيصير الأب يبحث عن الوطن في صورة الأبنة فهذا طرح مغاير للنمط التقليدي في هذا النوع من التجارب.

ثمة ملاكين أخرين لا يمثلان نفس الحضور الأساسي في الأفلام ولكنهم يصبحان احد المحاور الرئيسية في التعاطي مع الصراع الدرامي الأول هو ذلك الطفل الصغير الذي يولد في فيلا توما(فيلم سهى عراف)والذي تنجبه أبنة الأخ القادمة من المدرسة الداخلية بعد تخرجها لتعيش بين العمات الثلاث- ارملة واثنان من العوانس-داخل هذا السياق المكاني والأجتماعي الحانق والغامض القائم على حراسة الماضي بكل تفاصيله والنظر إلى المستقبل على اعتباره بلا ملامح تستحق الاهتمام اللهم إلا حين تقرر تلك العائلة أن تتزوج ابنة اخيهم لكي تنجو من مصيرهم الخانق والدامي وجدانيا.

فيلا توما ايضا كوميديا سوداء يعيبها ذلك التخبط الدرامي العنيف الذي يجعلنا نفقد الشعور بالبيئة الزمنية فلا ندري هل نحن في السبعينيات أم التسعينيات!! ملابس اسرة توما تشير إلى زمن بينما الواقع والمعاش والأجتماعي يشير إلى زمن أخر، هل هي عائلة تعيش في الماضي بينما تجاوزها الحاضر!! وبالتالي لا يزالون يرتدون ملابس سبعينيه بينما ويتعاملون بمنطق العائلات الكبيرة المحافظة التي تريد لبناتها أن تتعلم عزف البيانو واللغة الفرنسية من أجل الحصول على زوج مثالي من نفس الملة-البرجوازية المسيحية- ام نحن بالفعل في السبعينيات بينما فشلت المخرجة في تحقيق الأيهام البصري والبيئي والزمني بذلك وافسدت الدراما بالحديث عن الأنتفاضة وحرب 67 كأنهم في سياق زمني واحد!!

لو ان العائلة تعيش في الماضي لأصبح الجميع ينظر إليهم نظرة المرضى النفسيين- ونحن ايضا- ولو انهم يعيشون بالفعل في زمن سابق لاصبحت المخرجة هي موضع السخرية لأنها افسدت علينا الزمن والأيهام.

أن الملاك الذي يولد لأبنة الأخ التي تقع في حب شاب مسلم من شباب الفدائيين تاركا بذرته في رحمها الصغير يتخذ بعدا دراميا وسياسيا مغايرا لو ان الزمن هو السبعينيات أو التسعينيات أو حتى الحاضر وبما أن المخرجة تركتنا هكذا دون تحديد فأن الملاك هنا يفقد ميزة وجوده حتى مع رحيل الأم الصغيرة وهي تلده بينما يصبح هو كل الميراث المتبقى لعائلة توما الغرائبية.

اما الملاك الاخر فنجده حاضرا في الفيلم البحريني الشجرة النائمة، هو أمينة الفتاة الصغيرة التي تعاني من مرض عضال يسبب لأبويها نورا وجاسم حالة من الخمود الحياتي والخمول الروحي حيث يتوقف بهم الزمن عند اعتلال الفتاة الغير قابل للشفاء ويصبح الأمل في ان يشق طفلا جديدا حاجز الكآبة الأسرية الذي يمنع خلفه جاسم ونورا من رؤية النور.

يقرر جاسم في لحظة يأس ان يعيد اكتشاف ذاته مرة أخرى متمردا على واقعه الأسري والحياتي ومنطلقا في رحلة البحث عن العازف الذي بداخله فيرفض الأستمرار في عمله المربح ويقرر أن يعمل كموسيقى في الأفراح الشعبية لكي يتجاوز مآساة ملاكه الصغير الراقد في فراشه يتألم بصمت مذكرا اياه ان الحياة شجرة نائمة يمكن أن تستيقظ في أي لحظة فقط علينا أن نمد إليها ايدينا بالحلم كي تظلننا حين تصحو من ثباتها القهري.

يعيب الشجرة النائمة رغم مغزاه الشعري ورحلته أكتشاف الذات تلك الرغبة في صناعة فيلم لا ينتمي لبيئته الأنسانية بمعنى اننا منذ اللقطات الأولى ونحن نستشعر بافتعال القصد في ان تكون الشخصيات صامتة تتحدث بالنظرات والأشارات كأنهم صم وبكم رغم ما هو معروف عن طبيعة المجتمعات العربية والشرقية التي يعتبر الكلام فيها هو مصدر التواصل الأول والأهم، ثمة مسحة سينمائية اروربية تغلف بيئة العمل الخارجية مسحة ساذجة وغير منطقية أو ايهامية بالقدر الكافي ذادتها رغبة المخرج في بث ايقاع بصري غير تقليدي اخرجه من سياق الحكي بالصورة إلى القفز باللقطات هنا وهناك دون مردود درامي أو غرض نفسي فنحن نرى جاسم على سبيل المثال يجلس في احدى الكافيهات في لقطة قريبة تشعرنا أنه محجتز في ازمته ولكن المخرج يقدم لنا صديقه في نفس حجم اللقطة ثم يقدم لنا العاهرة التي تحاول غواية جاسم في الكافيه في نفس الحجم فيفقد الحجم دلالته ومعناه ويصبح مجرد قطع مونتاجي ركيك وسمج يجعل عين المتفرج تختنق بهذا الحجم الضيق بينما كنا ننتظر أن تكون احجام لقطات الشخصيات التي تحيط بجاسم اوسع كي ندرك انهم في حالة نفسية افضل من جاسم الذي تضيق الحياة عليه كلما ضاقت اللقطة اكثر.

أما الملاكين الأخيرين في مسابقة الأفلام الطويلة فهما نجوم اليمنية وذيب الأردني، وكلاهما نموذج لتلك الرغبة البشرية في انتهاك كل ما هو برئ وفطري وبكر، تتزوج نجوم بنت العاشرة في هذا السن الطفولي ثم تقرر الذهاب إلى المحكمة للحصول على الطلاق!! في مجتمع لا يطيق أن تبقى الفتاة بكرا طالما احتملت ذكرا فوقها ولا يعنيه شيئا من القيم النفسية والوجدانية أو حتى الأخلاقية التي يمكن أن تربي الملائكة الصغار ليصبحوا بشرا اسوياء وسعداء واكثر ايجابية في مجتمعهم، ان واقعة زواج نجوم بنت العاشرة وطلاقها يمكن النظر إليه على اعتبار أنها قراءة سياسية في الواقع اليمني الحالي بل واسباب الحرب التي تشهدها اليمن ومدى التخلف الحضاري الذي تعيشه هذا البلد المنكوب لأن المجتمع يرتضي أن تتزوج بنت العاشرة طالما احتملت.

وبموازة نجوم مع الفارق في القراءة السياسية فأن ذيب يخرج بكر الروح حاملا رغبة في اكتشاف عالم الكبار متخذا من اخاه الأكبر دليلا وقائدا لكنه يعود وقد تلوث دمه بدم رجل اخر قتل اخاه فقتله ذيب. ارتكب ذيب الخطيئة الاولى على الأرض وانتزع من ذاته برائتها حين امسك بالمسدس وقتل الأعرابي الذي قتل اخاه لسرقته هو والأنجليزي الذي كان يصاحبهم في رحلة صحراوية خلال بدايات القرن العشرين عندما شرعت القوى الأستعمارية في تقسيم الأرض العربية.

يبقى السؤال:

هل تعمد مبرمجوا الدورة الخامسة من مهرجان مالمو أن تكون غالية الأفلام المشاركة تتمحول حول شخصيات الأطفال أم أنه بالنظر عبر لقطة استعراضية للأفلام نكتشف أن ثمة توجه ما من قبل صناع السينما العربية ومخرجيها-خاصة الأجيال الشابة منهم-في الأعتماد على الاطفال كعنصر درامي وسردي متعدد التأويلات والدلالات والرؤى!!

لو جزمنا بالاجابة الأولى فأنها تصبح نقطة في صالح المهرجان أن يصنع سياقا غير مباشر يضم التجارب المشاركة من خلال عنصر مشترك هو الأطفال.

أما لو اخذنا بالأجابة الثانية فأن الأمر سوف يحتاج إلى النظر إلى تجارب السينما العربية على اختلافها خلال العام الأخير على أنها تحتوي على روابط فكرية ووجدانية واجتماعية مشتركة بدليل هذا العدد من الأفلام –وغيره بالطبع-الذي اعتمد بشكل اساسي على شخصيات الأطفال في الحكي من خلالهم أو عن مجتمعاتهم عبر عيونهم الصغيرة. وهي نظرة تستحق التأمل نقديا وجماهيرا إذا ما استمرت أو حتى إذا ما تغيرت من عام لأخر ولكن يظل المبدأ المكتشف هو أن ثمة ما يجمع بالفعل انتاجات السينما العربية رغم رفض البعض للمصطلح أو اعتبار أن التجارب السينمائية العربية هي فردية وذاتية بالأساس لا تخص سوى صناعها ومجتمعاتهم فقط.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية