x

إبراهيم الجارحي نفيشة هي أمي!! إبراهيم الجارحي الإثنين 12-10-2015 14:08


أجريت خلال الأسبوع الماضي في برنامجي الإذاعي اليومي خمس مقابلات مطولة مع خمسة من أبطال حرب أكتوبر المزينين بأوسمة تخلد بطولاتهم الفردية التي أسهموا بها في بناء هذه الملحمة العسكرية والإنسانية التي انتهينا للتو من الاحتفال بذكراها الثانية والأربعين.

وخلال هذه الأحاديث كان الكلام يتطرق بالطبع إلى أسماء مواقع جرت فيها عمليات عسكرية قبل وأثناء الحرب، وترددت أسماء قبائل سيناء، وكان الملفت حقا هو أن وقع هذه الأسماء على الآذان بدا مستغربا، أو على الأقل كان غير مطروق بالنسبة لكثير من المستمعين.

نحن لا نسمع هذه الأسماء من جغرافيا سيناء السياسية والطبيعية والبشرية إلا في مناسبات ذكرى حرب أكتوبر وغيرها من المناسبات الموازية التي تتعلق بتحرير شبه الجزيرة التي تمثل نحو خمس مساحة هذا الوطن، وفي غير هذه المناسبات تبدو أسماء أماكن مثل نفيشة والكنتيلا وثمد وتمادة والمليز ورمانة وأبوسمارة، أو أسماء قبائل مثل العليقات ومزاينة والعوارمة والأحيوات وكأنها طلاسم وتعاويذ قد يستدعي تكرارها مرات محددة جنا أو ماردا!

ويعود الانقطاع الوجداني بين الشعب المصري وبين سيناء إلى عصر الاستعمار البريطاني الذي فصل هذه المنطقة عن الوطن الأم وحولها إلى محمية خاصة لا يمكن للمصريين زيارتها إلا بتصاريح خاصة، وهو أمر استمر بعد استقلال مصر وبعد انتهاء حروبها مع إسرائيل، وما زال مستمرا على هيئة إجراءات أمنية مشددة في الدخول والخروج من سيناء.

ولا يوجد في المكتبة العربية كتاب يمكن الاعتماد عليه عن جغرافية سيناء وتاريخها وطبيعتها السكانية، اللهم إلا كتاب نعوم شقير عن تاريخ وجغرافية سيناء قديما وحديثا، وهو عبارة عن جمع لتقارير استخباراتية عن سيناء أعدها شقير وجمعها في هذا الكتاب.

ولا حاجة للقول بأن الإعلام المصري لا يقدم أي شيء إطلاقا عن سيناء، باستثناء بعض المحفوظات المعلبة التي تبث في المناسبات، والتي لا تتضمن أي معنى أعمق من أن سيناء «أرض الفيروز». واكتفى هذا الإعلام بنقل أخبار المعارك الدائرة في سيناء بين قوات الأمن وجماعات إسلامية متطرفة لتتحول الصورة الذهنية لسيناء من «أرض مجهولة» إلى «أرض مجهولة فيها حرب وإرهابيون».

أما الأزمة الأعمق، فهي تلك التي ارتكبها عصر مبارك من استعداء لبدو سيناء، وزرع لفكرة تخوينهم وتأكيد عليها حتى وصلت إلى مقام الحقيقة التي لا تقبل الجدل، على الرغم من الدور الجليل الذي قام به هؤلاء المواطنون المصريون في العيش لسنوات تحت الاحتلال الإسرائيلي المهين، وفي رفض فكرة تدويل سيناء، وفي دعم عملية تحريرها بعمليات الاستخبارات التي قدموا منها المئات لقواتنا المسلحة، والتي لولاها لدخلت هذه القوات إلى سيناء عمياء كما خرجت منها.

ليست هناك ضمانة للحفاظ على سيناء دون تنميتها، وليست هناك بداية لهذه التنمية دون تحقيق الانتماء الوجداني لهذه الأرض في قلوب سكان هذا الوطن، حتى لا تظل بالنسبة لهم أرضا أجنبية غريبة، وليست هناك وسيلة لخلق هذا الانتماء الوجداني بغير المعرفة الفعالة بجغرافية وتاريخ وسكان هذه المنطقة.

وأي بداية بغير هذا الترتيب لعملية تأمين سيناء أو تنميتها لن تؤدي إلا إلى مزيد من العمق في الهوة المباعدة بين المصريين وهذه القطعة من أرض بلادهم.

وهذا بخلاف، ودون الوضع في الاعتبار، الحد الأدنى من ضرورة الأمن القومي التي لا يمكن الاعتماد على فكر الدولة وحده في تحقيقها، فهي ضرورة تنشأ على هامش العقيدة الوطنية للمواطن الذي سيتحول يوما ما إلى جندي يدافع عن هذه الأرض بدمه، أو إلى مسؤول يدير التنمية أو السياحة أو الصحة أو حماية البيئة في هذه البقعة، فكيف يمكن أن يقوم هذا المواطن بأي من هذه الأدوار الحيوية بينما ليست نفيشة والكنتيلا وتمادة والمليز ورمانة وأبوسمارة في عقيدته الوطنية في قيمة القاهرة والأسكندرية والمنصورة؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية