في الحرب يمكنك الفرح أيضًا.. تلك هي القاعدة التي اتبعها بعض المدنيين في السويس قبل حرب أكتوبر 1973.
حين هاجر أهالي السويس منها في فترات الحرب وبالأخص بعد نكسة يونيو 1967، شهدت دور العرض في السينما كسادًا كبيرًا، وهنا اتخذ بعض الشباب مما فعله الفيتناميون أثناء حرب فيتنام مثالًا كي يرفهوا عن الجنود.
استغل الشباب خنادق الجنود لعرض أفلام سينمائية للترفيه عن أفراد الجيش المتواجدين دائمًا وسط الرصاص، ويحكي حسين عشي، مؤرخ مقيم في السويس، عن تلك التجربة قائلًا إنه تم اقتباس فكرة «سينما الخنادق» من حرب فيتنام بعد هجر أصحاب السينما من السويس بسبب قلة المريدين.
وأضاف: «وقتها العدو الإسرائيلي كان على بعد ما يقرب من ١٥٠ متر، وهي مساحة المجرى الملاحي للقنال فكانت أضواء السينما ستنبهه، فالخنادق ليست متر أو مترين فهي أحيانا تتعدي الـ٣٠ متر».
ووفقًا لـ«عشي» فإن التجربة بدأت منذ عام ١٩٦٨، وتم الاتفاق مع الأديب المعروف، سعد الدين وهبة، الذي كان وقتها مدير قصور الثقافة، ورحب كثيرًا بهذه الفكرة بعد أن عرض مجموعة من الشباب العاملين بقصور الثقافة منهم «عشي» هذه الفكرة وأحضروا من قصور الثقافة آلة للعرض وبدأوا يذهبون من وحدات عسكرية للخنادق لبدء عرض الأفلام وعمل دوريات للذهاب إلى هناك.
بدأ «وهبة» يعطي لهم أفلام للعرض ولكن الأفلام كانت صيني وروسي، وكان الجنود يرون أنهم مملة، وفضلوا مشاهدة أفلام «شجيع السينما» بالنسبة لهم، وهو فريد شوقي.
وبالفعل استطاع «وهبة» إرسال تلك الأفلام، وبدأت «سينما الخنادق» تعرض أفلام مثل «بين القصرين»، و«الفتوة»، وغيرها من الأفلام، ويقول «عشي» إنه شاهد العديد من الأفلام في العديد من سينمات مصر الراقية، وبالرغم من ذلك لم تكن بمدى جمال ومتعة ودفء «سينما الخنادق».
ويتابع حديثه مبتسمًا واصفًا تلك التجربة، موضحًا أنها كانت ناجحة بكل المقاييس وأن كل عسكري وضابط وقائد كان يتمتع بالمشاهدة ولم يكن يشعر على الإطلاق بأجواء الحرب لدرجة أنه أحيانًا كانت عندما تشن إسرائيل غارة فكان يجب إغلاق الفيلم ثم استكماله وإذا طالت الغارة كانوا يستكملون الفيلم في اليوم التالي.
يؤكد «عشي» أن هذه التجربة تركت أثرها في نفس الجنود وسدت فراغا نفسيا عميقا في نفوسهم فأحسست كل جندي بأن مصر التي يدافع عنها لازالت تتذكره حتى لو كانت الذكرى في شكل فيلم.