x

عمار علي حسن البرلمان المنتظر.. «الموافقون» و«المنافقون» ووهم «أريحوا الرئيس» عمار علي حسن الخميس 08-10-2015 21:41


بعد أسبوع ونصف تقريبا تدور عجلة الانتخابات البرلمانية المصرية لتنتج فى نهاية رحلتها التى تستغرق نحو شهرين «مجلس النواب» الذى انتظره المصريون طويلا، وبه تكتمل المراحل الثلاث لـ «خريطة الطريق» التى تم إعلانها فور إسقاط حكم جماعة الإخوان فى الثالث من يوليو 2013.

هذا المجلس التشريعى الذى تتوق إليه الحياة السياسية أو تفتقده، أمامه ثلاثة سبل، إما أن يكون نسخة مكررة من آخر برلمان لنظام مبارك، أو يكون على شاكلة برلمان الإخوان لكن فى الاتجاه السياسى المعاكس، أو يكون ذلك الذى حلم المصريون أن يروه بعد ثورتين، أسقطتا وجهى نظام واحد، الأول ثار عليه الناس، والثانى حاول سرقة الثورة فثاروا عليه من جديد.

هذه السبل تتوزع عليها إرادات متنافسة للسلطة السياسية، ومعارضيها والمتحفظين على أدائها، والأهم الشعب المصرى مالك الشرعية وصاحب السيادة والذى سيحدد فى خاتمة المطاف شكل ولون وطعم ورائحة البرلمان المنتظر. وحصيلة تفاعل هذه الأطراف ستبرهن على ما إذا كان المصريون يسيرون إلى الأمام، أم يتقهقرون إلى الخلف راضين من الغنيمة بالإياب، أم أنهم يتحركون فى مكانهم لا يبرحونه، مكتفين بهذا.

هناك حالتان للسجال السياسى حول البرلمان لا يمكن نكرانهما، الأولى تريده برلمانا مستأنسا أو على حد قول بعضهم «برلمان لا يعرقل الرئيس»، والثانية تريد برلمانا فاعلا يؤدى دوره فى التشريع والرقابة ويمارس باقتدار الصلاحيات التى منحها له الدستور، أملا فى إحداث توازن حقيقى بين السلطات بعد فصلها عن بعضها البعض، كما يجرى فى الدول المتقدمة سياسيا أو التى رسخت أقدامها فى طريق الديمقراطية.

وأصحاب الحالة الأولى يظنون أنهم يحسنون صنعا حين يدعون الناس إلى انتخاب كل من يمكن أن يحسب على رئيس الجمهورية أو يميل له أو تعتقد أجهزة الأمن أنه لن يتمرد أو يذهب فى اتجاه غير ذلك الذى حددته السلطة. لكن مثل هذا التفكير والتدبير تنقصه الكياسة والسياسة فى آن، فليس البرلمان الناجح هو ذلك الذى يخضع للسلطة التنفيذية ويطيعها أو يمشى وراءها كالأعمى فى كل صغيرة وكبيرة، بل هو ذلك الكيان الذى يمثل إرادة الأمة، ويعبر عن مختلف مصالح طبقاتها وفئاتها وشرائحها الاجتماعية وتكويناتها السياسية والفكرية، ثم يترجم كل هذا فى تشريعات ناجعة، وأدوات رقابة نافذة.

والبرلمان الذى تكون صورته وكذلك مضمونه على هذا النحو أتصور هو من يسند الرئيس، وليس العكس، وقبله يسند الدولة والمجتمع وهذا هو الأهم. فأكثر ما سيسئ إلى الرئيس، ويجرح عهده وطريقته فى الحكم، أن يرى الناس حوله برلمانا من المصفقين، الذى يعودون مرة أخرى إلى العبارة سيئة السمعة فى الحياة السياسية المصرية وهى «كل هذا بفضل توجيهات السيد الرئيس»، حيث كانت تترجم حالة بائسة من تركز القرار فى يد شخص واحد، تتحول خطبه إلى خطط عمل، وتصريحاته إلى نهج سياسى واقتصادى واجتماعى، وإيماءاته إلى قرارات تدار بها الدولة، وأحلامه إلى أوامر.

بعد كل المياه التى جرت فى نهر السياسة بمصر يبقى غريبا أمر هؤلاء الذين يأملون ويعملون من أجل برلمان مستأنس، أو شكل صورى من البرلمان لا حول له ولا طول، ولا تتردد على ألسنة أعضائه سوى كلمة «موافقون» التى سخر منها المصريون قبل ثورة يناير وحولوها إلى «منافقون». ولهؤلاء يجب أن يوجه السؤال الأساسى فى هذا السجال: إذا كان الرئيس يعمل فى صالح الوطن فما الذى يخيفكم عليه من البرلمان؟ فالمفترض أن «مجلس النواب» يعمل أيضا لصالح الوطن، وبالتالى ستتلاقى إرادته وتصوراته وتصرفاته مع تلك التى يطرحها الرئيس وليس العكس، وإن تعارضت الإرادتان فالأمر، وبمقتضى الدستور، سيعود فى نهاية المطاف إلى الشعب، مصدر كل السلطات، ليفصل بينهما، فيكافئ من يراه أمينا على مصالح الناس بتثبيته، ويعاقب من يراه مفرطا فى تلك المصالح بخلعه، إذ إن مسألة حل البرلمان أو عزل الرئيس ستؤول إلى الشعب، وهو من بيده الثواب والعقاب.

إن مصر فى حاجة ماسة إلى برلمان حقيقى يؤدى دوره على أكمل وجه، ويمثل مصالح الشعب خير تمثيل، ويرى فيه الناس صورة مغايرة لتلك الصور البائسة التى كانت تقتحم عيونهم فتشمئز نفوسهم فى العهد الذى باد، أو يجب أن يبيد حقا، فمثل هذا البرلمان سيجعل الجميع يطمئنون إلى أن الغد أفضل من اليوم، لأن هناك من يرفع مطالب الناس وأشواقهم إلى العدالة والحرية والكرامة، وهناك من يحافظ على مال الشعب وثرواته ومكتسباته.

المشكلة ألا يكون الرئيس عبدالفتاح السيسى نفسه مدركا لهذه المعادلة، فيتصور أن برلمانا يوافقه ويجاريه ويداهنه هو المطلوب الآن، لأن هذا من شأنه أن يعفيه من المساءلة أو متابعة ما يفعل ويحفظ له سلطته الحقيقية فى التشريع، مع تعديل طفيف وهو أن تمر تشريعات الرئيس شكليا من خلال البرلمان عبر الأغلبية التى تسكن فى قبضة يمين الحاكم من قصر الاتحادية.

إن فى مثل هذا البرلمان الهاجع الراكع الخاضع التابع بذرة فناء نظام حكم السيسى، أو على الأقل مصدر متاعب جمة له، لأنه ببساطة شديدة سيرسم الصورة الذهنية السلبية لدى الناس عن طريقة الحكم وأسلوبه، حتى لو تنصل الرئيس من هذا وقال لا علاقة لى بما عليه البرلمان، كما أنه سيجعل من فئات وشرائح اجتماعية وسياسية خارج التمثيل السياسى عبر القنوات المشروعة والشرعية، وبالتالى قد لا يكون أمامها من طريق إن أرادت أن تعبر عن مصالحها أو ترفع مطالبها سوى النزول إلى الشارع من جديد. وواهم من يعتقد أن بوسعه أن يمنع هذه الطريقة من الممارسة السياسية اعتمادا على العقوبات الواردة فى قانون التظاهر، أو اتكالا على أن الشعب قد سئم من الاحتجاج، أو أن السلطة قد أمسكت بزمام الأمور، أو أن شعبية الرئيس كبيرة وعاصمة له ولنظام حكمه بشكل دائم.

فيا أيها المصريون لا تنصتوا إلى من يحرضونكم على سوء الاختيار بدعوى «إراحة الرئيس»، فمثل هؤلاء، الذين لا تشغلهم سوى منافعهم الضيقة، ينصبون للشعب فخا، وأول من سيقع فيه هو الرئيس نفسه، لكن أكثر من فى الحكم لا يعلمون.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية