لا معنى لتأجيل اجتماع وزراء الرى والمياه فى مصر والسودان وإثيوبيا من الغد إلى موعد آخر لم يتحدد بعد، إلا أن الجانب الإثيوبى لايزال يتعمّد إغراقنا فى تفاصيل لن تؤدى إلى شىء!
وإذا كان هناك أحد بين مسؤولينا على أى مستوى لايزال يتصور أن هذا الاجتماع الذى جرى تأجيله يمكن أن يثمر شيئاً، حين ينعقد فى أى موعد مقبل، فأرجوه أن يراجع نفسه وبسرعة!
لقد التقى الرئيس السيسى مع رئيس وزراء إثيوبيا فى نيويورك الأسبوع الماضى، واتفقا على اجتماع ثلاثى فى القاهرة على مستوى الوزراء، يوم 5 أكتوبر، وفجأة طلبت إثيوبيا تأجيل الموعد لأنهم هناك مشغولون بتشكيل حكومة جديدة.. وهو كلام صحيح من حيث الشكل، ولكن المضمون فيه، لمن يتأمله، يقول إن التأجيل ليس لهذا السبب بالضبط، وإنما لأسباب أخرى ليس أولها أن مثل هذا التأجيل صار أسلوب عمل لدى الإخوة فى إثيوبيا، ولا آخرها أن الأمر بالنسبة لهم أصبح وكأنه رغبة فى كسب مزيد من الوقت لا أكثر!
إننى منذ توقيع وثيقة المبادئ بين الدول الثلاث فى الخرطوم، خلال مارس الماضى، لم أكن أعول على شىء يخص تلك الوثيقة، اللهم إلا تعهد رئيس الوزراء الإثيوبى، بعد التوقيع، بألا يؤدى سد النهضة الجارى إنشاؤه حاليا إلى إلحاق أى ضرر بحصة مصر من ماء النيل.
كنت ولاأزال أراهن على هذا وحده، باعتبار أنه كلام من رجل مسؤول فى الدولة الإثيوبية، بل من أكبر مسؤول فيها سياسيا!
غير أن الأمور بين الدول لا تؤخذ بالكلام المطلق فى الإعلام ولا فى غير الإعلام، ولكنها تؤخذ بما يجرى التوقيع عليه مكتوباً.. فهذا، وهذا وحده، هو الذى يقول إن هذه الدولة تتصرف بمسؤولية، تجاه الدول الأخرى، وإن تلك تفعل العكس!
ولاأزال أتصور أننا لابد أن نرفع من أذهاننا تماماً حكاية اجتماعات الوزراء، أو الخبراء، أو حتى المكاتب الفنية، من هولندا، أو فرنسا.. فهذه كلها تفاصيل لن تنتج فى الدعوى شيئاً، كما يقول أهل القانون الفاهمون، وإنما سوف ينتج فيها حقاً أن يدعو الرئيس إلى اجتماع ثلاثى، يضمه مع الرئيس السودانى، ورئيس الوزراء الإثيوبى، ثم يخاطب الأخير قائلاً: أنت تتعهد فى كل مناسبة بأنه لا ضرر سوف يلحق بحصتنا من ماء النيل، بسبب إنشاء سد النهضة أو غيره عندكم.. حسناً.. نحن نصدقكم تماماً، ونثق فيكم لأبعد حد، ولكننا فقط نريد أن نوثّق هذا التعهد، وأن نضع توقيعاً رسمياً منكم عليه، كما تفعل كل الدول المسؤولة، ولن نكون فى حاجة بعد ذلك لاجتماعات على مستوى الوزراء ولا الخبراء، ولا المكاتب المتخصصة عالمياً!
الموضوع هكذا بالضبط.. وهو سياسة فى سياسة، ولا وجود فيه لأى شىء مما يوصف بأنه فنى، فلا تسمحوا لأحد من فضلكم بأن يبدِّد وقتنا، ويبدِّد معه ماءنا!