في مباراة مثيرة، نجح برشلونة في اعتلاء قمة مجموعته بأربعة نقاط، بعدما كان مهددًا بتذيلها حتى آخر عشر دقائق من المباراة، عندما قلبت دكة بدلاء البارسا الطاولة على الألمان في مفاجأة هي الأغرب، ليفوز الكتلان بهدفين لهدف بعد مباراة رائعة تكتيكيًا من أبناء ليفركوزن، خانتهم فيها لياقتهم البدنية.
إذا كنت من مشجعي البارسا، فنظرة واحدة لدكة بدلاء الكتلان قبل المباراة كفيلة بإصابتك بالإحباط..ماسيب، بارترا، دوجلاس، ألبا، سيرجي روبرتو، جومباو ومنير، وإذا استثنينا ألبا الذي أخطأ إنريكي بعدم إشراكه من البداية، فلن تجد إسمًا تنتظر منه الكثير، في الواقع لن تجد اسمًا تنتظر منه أي شيء.
ولكن برشلونة ليس كأي ناد، الظهير البشري الهائل الذي يعتمد عليه النادي الكتالوني متمثلًا في أكاديمية ناشئيه لا يضاهَى في أي نادٍ آخر في العالم، اليوم صنع أبناء لاماسيا الفارق بقيادة المخضرم سواريز، الذي يعد – رغم بطئه الغير مبرر – أحد أفضل مهاجمي اللمسة الواحدة في العالم، إن لم يكن أفضلهم بالفعل.
ورغم تألق منير، روبرتو وألبا بعد نزولهم في آخر نصف ساعة، إلا أن الحديث التكتيكي الأبرز يظل عن الألمان ومدربهم الرائع روجر شميدت، الذي منح لاعبيه مرونة كبيرة في الملعب، ولم يلتزم بتكتيك محدد بقدر ما تمحورت خطته حول هدف واحد هو الضغط على لاعبي البرسا في كل أرجاء الملعب، لمنع خط الدفاع من بدء الهجمة بشكل سليم، ما جعل الشوط الأول بمثابة الكابوس على لاعبي البلاوجرانا وجماهيرهم، الذي نجح فيه شميدت نجاحًا ساحقًا في تطبيق الجزء الأول من إستراتيجيته.
تحليل الشوط الأول
النتائج العظيمة لا تأتي إلا بمخاطرات عظيمة، والمخاطرات العظيمة قد تضعك على القمر وقد تخسف بك الأرض، هذا ما حدث مع جوارديولا وسيميوني في العام الماضي، حينما حاول الثنائي إيقاف البرسا بتكتيك الدفاع المتقدم، ولكن حالة الكتلان الذهنية كانت أقوى، ما صب اللعنات في اتجاه اثنين من أفضل المدربين الشباب، ثم أثنى الجميع على إشبيلية، بلباو، وسيلتا فيجو لأنهم طبقوا نفس التكتيك بنجاح مدوي أكده تمزق شباك البرسا بثلاثة عشر هدفًا في المباريات الثلاث، وبدا وكأن ترياق الكتلان قد أصبح متاحًا للجميع، ونسي الجميع كم مرة تجرع جوارديولا وسيميوني سُم البرسا قبل أن يطور ثلاثي الليجا التركيبة الناجحة، لأن الفائز يفرض قانونه، الفائز يحظى بكل شيء، هذا هو قانون كرة القدم.
تحليل مباراة برشلونة وباير ليفركوزن شميدت كان المدرب الأفضل بلا شك، ولولا انخفاض لياقة لاعبيه في الشوط الثاني وقلة خبرتهم، لتمكن من تكرار مشهد سيلتا فيجو بحذافيره، المدرب الألماني قسَّم خطته لمرحلتين، محاولة استغلال اهتزاز دفاع البلاوجرانا بالضغط المتقدم واستخلاص الكرة في مناطق الكتلان ومن ثَم اختصار الهجمة في التمريرة الأخيرة دون الحاجة لمواجهة الضغط الذي يطبقه هجوم وخط وسط البرسا عند بدء الخصم الهجمة من الخلف، ثم يأتي الجزء الثاني من الخطة بعد التقدم المتوقع والذي جاء برأس المدافع اليوناني بابادوبولوس من ركنية تشالانوجلو، في الدقيقة 22، بالانكماش في المناطق الخلفية واللعب على المرتدات لزيادة حصيلة الأهداف وتأمين الفوز، مراهنة خطيرة اعتمدت على نجاح التجارب السابقة، لكنها عبقرية، ولا تخلو من مفارقة درامية باستخدام نفس سلاح الكتلان لإيقافهم، أحيانًا تكون أفضل الحلول هي أبسطها.
يومًا ما قال عرّاب الكتلان يوهان كرويف «حارس المرمى هو أول مهاجم، والمهاجم هو أول مدافع، لا أدوار في الكرة الشاملة»، هذا ما طبقه شميدت، فباغت البلاوجرانا وانتزع منهم المبادرة ومن ثم التفوق نفسيًا، حيث اعتمدت خطة الألماني على ثنائي الهجوم خافيير هيرنانديز وكريم بالعربي، الأخير يشارك عادة كجناح، لذا كان إرهاقه في الإنطلاقات للأمام منطقيًا لمفاجأة دفاع البرسا، بعد أن يقوم هيرنانديز بمهمته وهي التحرك على الأطراف لتفريغ منطقة الجزاء وإجبار الدفاع على الإنتشار بعرض الملعب، مانحًا فرصة أفضل لرفيقه والقادمين من خلفه: كامبل وتشالانوجلو، لكن رعونة المكسيكي وانخفاض لياقة الألماني من أصل عربي، حال دون استمرار نسق ليفركوزن كما أراده مدربهم، ومنح تبديلهم بكيسلينج وبراند «54و66» على الترتيب راحة كبيرة لدفاع الكتلان رغم استمرار كامبل أفضل لاعبي ليفركوزن، الذي لم تنجح جهوده في إعادة الحياة لهجوم الألمان، ونجح البدلاء الثلاثة «ألبا 60، منير 62» وروبرتو 70، فيما فشل فيه كامبل وبدلاء ليفركوزن، فأتى هدف البلاوجرانا الأول، في الدقيقة 80 من كرة اشترك فيها البدلاء فقط، بعرضية من ألبا قابلها منير بتسديدة ولاحقها روبرتو بعد الإرتداد من حارس الألمان لينو، الذي أحال حياة مهاجمي البرسا إلى جحيم في الشوط الأول، ثم عاجل الكتلان خصمهم بالهدف الثاني من موقع الغائب الأبرز عن المباراة ليونيل ميسي، بإختراق موفق من منير وعرضية تسببت في اللقطة الأفضل في المباراة، صاعقة سواريز في مقص المرمى الأيمن، في الدقيقة 82، التي لم يجد مخرج المباراة حرجًا في إعادتها لست مرات.
تحليل الشوط الثاني
تحليل مباراة برشلونة وباير ليفركوزن إبداع سواريز الفني لن ينفي تعرض البرسا لأزمة تكتيكية حقيقية مع الفرق التي تطبق الضغط العالي المتقدم، في واحدة من الحالات القليلة الخارجة على قانون الكرة الأشهر، فمنطق الفائز في تلك المباراة ليس بالقوة المعتادة، ولا يملك الحالة الذهنية المتفوقة التي منحته الأفضلية أمام هذا التكتيك في الموسم الماضي، ففي ظل المعطيات الجديدة لا مهرب من التعديل التكتيكي على الأقل حتى عودة ميسي، خاصة إذا أضفنا لما سبق طوفان الإصابات الذي يضرب صفوف الكتلان بلا هوادة، والتي أضاف له خروج أندريس إنييستا مصابًا اليوم ليتأكد غيابه عن لقاء إشبيلية المهم في ملعب رامون سانشيز بيثخوان، معقل العملاق الأندلسي.