يشهد العالم نمواً كبيراً في حجم الطبقة المتوسطة. هذا النمو لا يقتصر فقط على الدول المتقدمة بل يشمل أيضاً الدول النامية. وتشير الإحصائيات إلى أن حجم الطبقة المتوسطة سوف يزداد من 1.8 مليار شخص في العالم عام 2009 إلى 3.2 مليار عام 2020، ثم 4.9 مليار عام 2030. وأن القارة الآسيوية سوف تضم 66% من حجم الطبقة الوسطى في العالم عام 2030.
حجم الطبقة الوسطى اتسع في مصر أيضاً خلال السنوات العشر الأخيرة. وبالرغم من ازدياد عدد الفقراء خلال هذه السنوات، إلا أنها شهدت كذلك دخول فئات جديدة في الطبقة الوسطى، والمؤشرات على ذلك كثيرة (انظر تصريح هشام رامز محافظ البنك المركزى من أن مصر استوردت سيارات بمليار و600 مليون دولار خلال الأشهر الست الماضية). وبغض النظر عن مغزى هذه الأرقام، فالطبقة الوسطى في مصر لا يتم تحديدها وفقاً لمعيار الدخل فقط، فهذه الطبقة تضم عدداً أكبر من المواطنين استناداً لمستوى التعليم ونوعية المهنة، وينظر هؤلاء لأنفسهم على أنهم من الطبقة الوسطى، حتى لو كانت دخولهم لا تدخل في إطار هذه الطبقة.
نمو الطبقة الوسطى يمكن أن يمثل قوة دفع كبيرة لأى اقتصاد، ولكن هذا النمو تكون له أيضا تبعات اجتماعية وسياسية. فهذه الطبقة تعتبر محركا للتغيير، وتحمل معها ثورة من التوقعات، وتتبنى مطالب بالإصلاح السياسى ودولة القانون، ولا يرى الكثير من أبنائها تناقضاً بين تحقيق التنمية الاقتصادية والحفاظ على الحقوق السياسية.
خرج جانب من أبناء هذه الطبقة في مظاهرات 25 يناير 2011 مطالبين بالتغيير لأن الدولة لم تستطع أن تتماشى مع التوقعات المتزايدة لهم، خاصة في الشق السياسى. ثم خرجت أعداد أكبر وقطاعات أوسع من الطبقة المتوسطة في 30 يونيو 2013 رفضاً لحكم الإخوان الذي مثل تهديداً لهويتهم.
أحد العوامل التي أدت لخروج أبناء الطبقة الوسطى في 25 يناير و30 يونيو، لم تتعلق فقط بعدم الاهتمام بمطالبهم وتوقعاتهم، ولكن أيضاً بغياب تمثيل حقيقى لهم في المؤسسات السياسية وخاصة البرلمان.
اليوم ونحن على أعتاب برلمان جديد نجد أننا لانزال نواجه نفس التحدى، حيث يلاحظ الغياب الواضح للطبقة المتوسطة في الخطاب السياسى، ولاتزال الأحزاب والقوى السياسية عاجزة عن أن تصبح بؤرة جذب حقيقية لأبناء هذه الطبقة، ولا تركز برامجها الانتخابية على مطالبهم سواء ما يتعلق بزيادة الدخول، أو تحسين جودة الخدمات والحياة بشكل عام، أو قضايا الإصلاح السياسى. ويضاف لذلك العجز عن تقديم مشروع حضارى/ ثقافى يمزج ما بين قيم الأصالة والمعاصرة وهو ما يؤمن به أبناء هذه الطبقة.
أما على المستوى الانتخابى، فهناك صعوبة كبيرة في وصول ممثلين حقيقيين للطبقة الوسطى للبرلمان القادم، فالنجاح في المقاعد الفردية مازال يرتبط بعنصر المال في الحضر، والعصبية والمال في الريف. والقوائم المطروحة على الساحة لم تعط أولوية لتمثيل الطبقة المتوسطة، وركزت على فئات أخرى.
ضعف تمثيل الطبقة الوسطى في الانتخابات القادمة كأشخاص وبرامج، قد يؤدى إلى المزيد من الاغتراب السياسى لهذه الطبقة، وتصويت أبنائها «بأقدامهم»، أي ابتعادهم عن المشاركة في العملية الانتخابية.