x

أيمن الجندي عندما صليت العيد أيمن الجندي الجمعة 25-09-2015 21:14


فعلتُ كل ما في وسعى حتى لا أصلى العيد!!

حسنا. أنتم لم تخطئوا في قراءة ما كتبت. هذه هي الحقيقة فعلا وإن كان يصعب الاعتراف بها. أشياء كثيرة مخزية ولكن لا نقوى على كتابتها بهذه الصراحة.

في الليلة السابقة خلدت للنوم في الثالثة صباحا! أحكمت غلق النافذة حتى لا يتسرب صوت تكبيرات العيد المتوقع من المسجد المواجه لمنزلى! أدرت التكييف برغم أننى لا أحتاجه حتى يغطى دويّه على هدير التكبيرات! وضعت سدادة الأذن الشمعية، والتى لم أعد أستطيع النوم بدونها. وقلت لنفسى إننى من أصحاب الأعذار. نومى صعب جداً وإذا استيقظت عجزت عن مواصلته! مأساة حياتى التي بدأت مبكرة وأنا في سن المراهقة. أنظر بغيظ إلى هؤلاء الذي ينامون بسهولة، تجد الواحد منهم يتثاءب فيقول إنه ذاهب لينام! يقولها ببساطة وكأنه لا يقوم بعمل بطولى! بل أكثر من هذا إذا كان لديه ما يدعوه للاستيقاظ مبكرا، فإنه (يقرر) أن ينام مبكرا. وكأن النوم عاشقة مطواعة يصنع بها حبيبها ما يشاء.

فيما أنا- مسكين يا أنا- أذهب إلى الفراش كأننى أدخل معركة. أتقلب كأننى راقد على مسامير! وبفرض أننى نمت فإننى أستيقظ كل عشر دقائق! وإذا لم أنم حدقت في الظلام يائسا، وقد طاف بفكرى كل إخفاقات حياتى، راغبا في الموت، يائسا من الحياة.

كنت متعبا جدا هذه الليلة، ولذلك نمت على الفور. ثم بدأت انتبه إلى صوت التكبيرات تتسرب من خلال النافذة. لم تكن تتسرب وإنما تخترق كل دفاعاتى: الشباك المغلق، صوت التكييف، سدادة الأذن. وبدأت أفهم ما حدث: أحدهم أمسك الميكروفون كلعبة، وشرع يصرخ في حماسة بتكبيرات العيد.

رحل النوم ولم يعد أمامى مناص من ارتداء ثيابى والصلاة بالمسجد. استقبلتنى نسائم الصباح فداعبت وجهى. افتقدت البلبل الذي لم أعد أسمعه. يبدو أنه مات في موجات الحر المتتابعة. أشد ما يحزننى ذلك. لا أريد أن أتذكر خسارتى في صباح العيد.

دخلت المسجد شاعرا بالأهمية وروعة الإنجاز الذي فعلته. دخلته وأنا أتوقع أن أجده خاليا فإذا به مكتظ بالمصلين. يبدو أن الجميع يصلون العيد فيما عداى. الوجوه تبدو عليها آثار النوم المتأخر! والأصوات متعبة من تكرار التكبيرات. وفجأة ظهر الإمام الشاب يرتدى العمامة الأزهرية، الحمراء بإطار أبيض، عمامة لها ثقل ويقين. هي ليست عمامة وإنما تاريخ. سلسال طويل متصل من الأجداد العظام.

لشعائر الإسلام سحر غير منكور. سبع تكبيرات في الركعة الأولى وخمس تكبيرات في الثانية، شىء يجعلك تشعر بشىء مختلف عن صلوات سائر الأيام! عبقرية الشعائر وحدت المسلمين خلف دينهم وجعلتهم يتبعونه.

الخطبة كانت- كالمتوقع- حول الحدث الأعظم في حياة أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام، والذى من أجله ثبتت المحبة واتخذ الله إبراهيم خليلًا. أن يُطلب منه ذبح ابنه فيمتثل، ويقدم فعلاً على ذبحه. شىء مهول لا يمكن التعبير عنه بكلمات. إلى هذا الحد تصل المحبة والإذعان لأمر الله تعالى. ومن فينا يطيق هذا؟ من يستطيع؟

الفداء حدث عندما شرع النبى إبراهيم في تنفيذ ذبح ابنه، بذلك تحققت الرؤيا وتم المراد، لأن الأمر بالنسبة لله تعالى- وعلى عكس البشر- يتعلق بالنية وليس بالنتائج.

انتهت الخطبة وعدت إلى منزلى شاعرا بالفخر، قائلا لنفسى بكل سعادة: «يا لى من إنسان رائع! لقد فعلتها وصليت العيد».

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية