من الصعب تصور كاتب من طراز سلمان رشدي من شأنه أن يقدم كتابا جديدا، دون أن يثير الجدل. فالمؤلف صدرت بحقه سابقا فتوى دينية بتكفيره وإهدار دمه، كما أن الفن يمتزج بالدين والأدب في أسلوبه، وهو ما يظهر في كتابه الجديد «عامان وثمانية أشهر وثمانية وعشرون ليلة» الصادر عن دار النشر الألمانية بيرتسيلمان (Bertelsmann-Verlag)، ويتناول فيها مواضيع الدين والإيمان وناقديهما.
في خليط بين الواقع والخيال، يحدثنا رشدي في روايته الجديدة عن الفيلسوف ابن رشد ومواجهته للمفكر الإسلامي الغزالي، وتنقل الرواية الصراع بين الإيمان والعقل، عبر شخصياتها المتنوعة بين الناس والآلهة والأرواح. أيضا يشير عنوان روايته إلى المجموعة القصصية الشرقية الشهيرة «ألف ليلة وليلة».
سلمان رشدي المولود في مدينة بومباي الهندية عام 1947، عاش فترة طويلة في الغربة، ويصدر كتبه باللغة الإنجليزية. ذاعت شهرته بعد أن أصدر روايته «أطفال منتصف الليل» عام 1981، والتي تحدثت عن قصة طفل ولد عام 1947، وترعرع في الهند. وهو ما يتشابه مع العمل الذي أصدره الأديب الألماني الحائز على جائزة نوبل غونتر غراس في رواية «طبل الصفيح»، والذي كان من أصدقاء رشدي.
في العام 1988 أصدر رشدي كتاب «آيات شيطانية» وهو ما ألب العام الإسلامي ضده بسبب تصويره الأدبي للنبي محمد، وأدى إلى اندلاع مظاهرات واحتجاجات عنيفة ضد الكتاب. كما أصدر الإمام الخميني من إيران فتوى ضد الكاتب، ودعا المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى قتله. الأمر الذي دفع بسلمان رشدي إلى أن يستخدم أسماء مستعارة، ويعيش في أماكن سرية، محاطة بالحراسة على مدار الساعة. إلا أنه ووفقا لبيانات خاصة فإن المؤلف يعيش في نيويورك منذ عام 2002 دون حراس. وقبل ثلاث سنوات أصدر رشدي كتابا يتحدث عن سيرته الذاتية بعنوان جوزيف أنطون.
قبل نشر روايته الجديدة في ألمانيا، شكك رشدي في مقابلة أجرتها معه مجلة شتيرن الألمانية الأسبوعية، من إمكانية إلغاء الفتوى الصادرة بحقه وقال: «الحقيقة هي أن ذلك اليوم، الذي سيخبرونني فيه بأنني أستطيع العيش في أمان لن يأتي أبداً». إلا أن رشدي قال إنه يشعر بأن حياته في نيويورك هي قريبة للحياة الطبيعية. وفي نظرته للصراع مع تنظيم «الدولة الإسلامية» المعروفة بداعش دعا رشدي إلى موقف متشدد للتعامل معهم، وقال «عندما تحاول تهدئة المعتدي، فإنه لن يهدأ بل سيزيد في عدوانه» ووصف رشدي داعش بأنهم أسوأ تهديد يواجهه العالم في عصرنا الحالي.
في تعليق لصحيفة دي فيلت اليومية عبر الكاتب الهندي عن قلقه إزاء وضع حد لحرية التعبير في أوروبا، وذلك على خلفية الهجوم الذي تعرضت له المجلة الفرنسية، قال رشدي «من المهم أن نتخذ موقفا بثبات، أن نقول هذا هو العالم الذي نريد أن نعيش فيه، ولكي نعيش هذا العالم الذي نرغب، يجب أن يكون من الطبيعي وجود هذه الرسوم». ويضيف الكاتب «إذا أردنا أن نعيش في مجتمع منفتح، فأن تقبل مثل هذه الرسوم هو أمر مهم ومطلوب».
وسيقوم المؤلف سلمان رشدي الحاصل عل العديد من الجوائز الأدبية، بتقديم روايته «عامان وثمانية أشهر وثمانٍ وعشرون ليلة»، بشكل شخصي من خلال أمسية ثقافية في برلين، في 21 نوفمبر.