x

جمال طه الانتخابات.. بين أزمة الأحزاب وسطوة رأس المال جمال طه الأربعاء 23-09-2015 20:47


البعض يتهم الدولة بالتدخل في الانتخابات البرلمانية، رغم عدم وجود دلائل. دعوة الرئيس لتحالف التيار المدنى كانت مجردة، لمواجهة الظلاميين، ومحاولة الجنزورى، مستشاره الافتصادى، تشكيل قائمة موحدة نبعت من تغليب الاعتبارات الوطنية، على حسابات السياسة.. عندما هوجم الرجل بسبب تصور البعض بدعم الدولة للقائمة، توارى عن المشهد، ليلتقط سيف اليزل الخيط ويؤسس قائمة «حب مصر»، أعضاؤها عشرة أحزاب أهمها «الوفد» و«المصريين الأحرار» و«مستقبل وطن»، لكنها تعتمد على الشخصيات العامة، بسبب أزمة الحركة الحزبية.. الوفد يعكسها بوضوح، فبعد انشقاق تيار الإصلاح بزعامة بدراوى، و«التيار الثالث»، تنازل الحزب عن طموحه في تصدر قائمة مستقلة، وانضم لـ«حب مصر»، ليحصل على حصة (8) مقاعد، متساوياً مع «مستقبل وطن»، الحزب الوليد الذي يعتزم خوض الانتخابات بـ100 مرشح فردى، بخلاف القائمة.. أسسه الشاب الواعد محمد بدران، الذي انضم للجنة الخمسين، كرئيس لاتحاد طلاب مصر، لكنهم ابتسروه باختياره نائباً لرئيس لجنة الصياغة، متجاوزين جهابذة اللغة والقانون والسياسة، وشكل مجموعة شباب لمعاونة لجنة الإشراف على الاستفتاء، ثم حولها لحزب سياسى، افتتح مقار بالمحافظات، مولها بعض رجال الأعمال «أبوهشيمة، عامر، أبوريدة..»، أسوة بتمويل الوفد «البدوى»، والمصريين الأحرار «ساويرس».

تمويل الحملة الانتخابية لـ«حب مصر» يعتمد أيضاً على رجال أعمال مرشحين بقوائمها.. القائمة فيها شخصيات مثيرة للجدل؛ مقربون من جمال مبارك، أحد المؤيدين لعبدالمنعم أبوالفتوح بالشرقية، قيادى منشق عن 6 إبريل، نائب سابق عن «وطنى البحر الأحمر»، وزير رياضة سابق خلط بين العام والخاص وتسبب في أزمة مع اللجنة الأوليمبية الدولية، وزير إعلام سابق إبان مذبحة ماسبيرو، أدى وجوده بالقائمة لاستنفار وتعبئة المسيحيين ضدها.. القائمة تنافس في ثلاثة قطاعات: القاهرة، الصعيد، غرب الدلتا، ومنفردة بشرق الدلتا، تصريح عماد جاد بشأن فوزها بالتزكية خطأ قد يؤدى لتقاعس الناخبين عن التصويت، ما يعجزها عن تأمين شرط الـ5% من الأصوات التي اشترطها الدستور للفوز.

تحالف الجبهة المصرية «شفيق» الذي يضم أحزاب الحركة الوطنية، مصر بلدى، الغد، الجيل- سعى للانضمام لـ«حب مصر»، لكنها، الأخيرة، استبعدت الجيل والغد بسبب تمسك الشهابى بالترشح هو ونجله، ثم استبعدت الجبهة لتمسكها بوجود د. محمد كمال، أمين التدريب والتثقيف بالوطنى، رئيس لجنة الشباب بأمانة السياسات، المقرّب من جمال مبارك.. الجبهة انضمت لقائمة تيار الاستقلال التي تنافس في غرب الدلتا، لكن قوائمها رُفضت في القاهرة والصعيد!!

انسحاب قوائم صحوة مصر «عبدالجليل مصطفى» مأساة بالغة الدلالة، فهى من أكثر القوائم اعتماداً على شخصيات وطنية، معظمها لم يلوثه التاريخ، أحجمت عن طلب دعم رجال الأعمال؛ فعجزت عن تدبير نصف مليون جنيه لتغطية تكلفة الكشف الطبى للمرة الثانية على مرشحيها.. بينما شهد الاجتماع الأول لمحاولة تشكيل قائمة وحدة مصر «الفضالى»، التي تحولت لـ«تيار الاستقلال»، تبرع «د. مدحت نجيب رئيس حزب الأحرار» بمبلغ 20 مليون جنيه، و«ماهر أبوماجد رئيس حزب المستقلين الجدد» بـ15 مليونا.. مفارقة تفرض التحذير من خطر الانتقائية السياسية لرأس المال، فهى -على الإطلاق- أسوأ انواع التمييز.

■ ■ ■

قانون مباشرة الحقوق السياسية فرض وجود ثلاثة أقباط بكل قائمة حزبية، «النور» عارض المبدأ، بنفس حماسه لتحريم تهنئتهم في الأعياد، لأنهم قلة «كافرة» لا يجوز توليهم مناصب تمنحهم ولاية على مسلم، لكنه استند لـ«المرونة الشرعية» في ضم ممثلى «أقباط 38»، و«حماة الإيمان»، أصحاب قضايا الطلاق والزواج الثانى، المعارضين للكنيسة، لقائمته.. استغلال واضح لخلافات الكنيسة، وتعقيد كريه لأزمة الطائفية.

«النور» يتميز بتماسك هيئاته الداخلية.. أطلق حملته المركزية لإدارة العملية الانتخابية، بفروعها في كافة الدوائر التي يخوض فيها المنافسة، بالقوائم أو فردية، نظم 10 قوافل علاجية تضمنت علاج فيروس «C»، رغم تكلفته الباهظة، وحملات للدروس الخصوصية.. التلون وصل حداً نفى فيه رئيس الحزب «وجود علاقة بين الحزب والعمل الدعوى»، مدعياً انفصاله تماماً عن الدعوة السلفية!! والمزايدة وصلت حد الادعاء بأن «المرأة ليست نصف المجتمع، لكنها المجتمع كله»، متناسياً فتاواه بتزويج القاصرات حال احتمالهن المعاشرة، وخلو منصات المؤتمرات النسائية التي ينظمها من المرأة، لأن برهامى يرى أنها «لا يجوز أن تكون نائبة، فالنيابة نوع من الولاية، ولكن فرض علينا وضعها بالقوائم الحزبية».. «النور» حذف من برامجه تطبيق الشريعة الإسلامية، رغم أنها كانت محور برنامجه في انتخابات 2012، وحرم تعليم اللغة الإنجليزية في المدارس المصرية، باعتبارها «لغة الكفار»، يوجه انتقادات حادة لفترة حكم الإخوان رغم أن تحالفه معهم في البرلمان مكنهم من الأغلبية والحكم.. أعد أربع قوائم لينافس في كل قطاعات الجمهورية، ثم تراجع بعدما أثاره ذلك من استنكار شعبى، ودمجها في قائمتين، بالقاهرة وغرب الدلتا، محاولاً تهدئة الجهات السيادية، واستباق أية إجراءات عملية قد تستهدف تحجيمه، بعض مرشحيه متخلفون عن أداء الخدمة العسكرية، معظمهم لا يفهم في السياسة، وربما في صحيح الدين.. لكن المصلحة الوطنية تفرض التسليم بأنه في المرحلة الراهنة على الأقل، وأياً كان الموقف من «النور»، فإن منعه من خوض الانتخابات، حتى ولو كان بحكم قضائى، لن يكون قراراً حكيماً، فتأييد الحزب يمثل متنفساً لقطاع واسع من معتنقى الإسلام السياسى، من غير أعضائه، وتهميشه يعطى مبرراً للإحساس بالمظلومية، وخروج بعض هذا القطاع من دائرة التأييد السياسى للحزب، إلى دعم جماعات المعارضة غير الشرعية، والانخراط في العنف.

الساحة أمام «النور» تكاد تكون خالية إلا من «حب مصر»؛ ما يبرر حالة الثقة التي يستشعرها، وتواصله مع الخارج «الولايات المتحدة، إسرائيل...» تعزيزاً لموقفه.. مواجهة الأحزاب المدنية للحزب تنطوى على أخطاء جسيمة، تصب في النهاية لصالحه. تولى سمير غطاس «المسيحى» عضو الهيئة الاستشارية لحملة «لا للأحزاب الدينية» وتصدره للواجهة الإعلامية للمعارضة- يعزز الاستقطاب الدينى، ويساعد على حشد مزيد من الأنصار لـ«النور».. حملة «امسك إخوانى» التي تنظمها حركة «إخوان منشقون» كشفت ترشيح «النور» لأكثر من 16 إخوانياً على قوائم الصعيد، قبل دمجها بقائمة القاهرة، لتعويض النقص في كوادره، والاستفادة من قدرتهم على الحشد، ومن جانبها رشحت الحركة 16 من شبابها بالقاهرة والجيزة والغربية، للأسف معظمهم من المتشددين، وخلافاتهم مع الإخوان لا تتجاوز خلافات عبدالمنعم أبوالفتوح.. كلهم متضامنون ضد الدولة المدنية.

■ ■ ■

أزمة التيار المدنى يجسدها ضعف الأحزاب، والصراع بين القوائم، واستقالات الرموز «محمد أبوالغار- يحيى قدرى...»، وانشقاقات الوفد، ومقاطعة «الصحوة» و«الدستور»، وسطوة رجال الأعمال، ورفض بعض القوائم نتيجة للتعسف في تطبيق القانون، إلى حد استبعاد قائمة لعدم توقيع مرشح على بيان «سيرته الذاتية»، ما قد يكسب الإجراء بعداً سياسياً.. ظواهر تصب لصالح المتشددين، الذين أدت سيطرتهم على برلمان 2012 إلى تدن واضح لمستوى النواب والأداء.. أذان إسماعيل، أنف البلكيمى، فعل ونيس الفاضح، وسقوط هيبة المقعد البرلمانى، ما يفسر ترشح بعض الفنانين الذين لا يفتقرون فقط للخبرة والتاريخ السياسى، وإنما لأى تاريخ فنى، ووصل الأمر لتطلع من يمتهنون «الرقص» للمقعد.. كيف هانت علينا مصر إلى هذا الحد؟!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية