بالفعل، تمخض الجمل فولد فأراً، هذا هو التوصيف المناسب لكل ذلك الذى جرى فى مصر، منذ القبض على وزير الزراعة السابق، فى عملية سينمائية، أكدت ضيق الأفق الرسمى، ثم بعد ذلك الإعلان عن استقالة الحكومة، والتى كانت أساسا بمثابة تسيير أعمال فى وجود حُكْم فرد، أوحد لا شريك له، ثم مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، التى بدت غير مبشرة مع الإعلان عن اسم رئيس الوزراء المكلف، والذى لم يكُن على مستوى أى تطلعات شعبية، ثم أخيرا إعلان التشكيل وحلف اليمين، والذى لو كان قد تمخض عن فأر لكان يمكن أن يكون مقبولا، إلا أن الأمر بدا أقل من ذلك بكثير.
نحن نوقن منذ الوهلة الأولى لتشكيل الحكومة السابقة، أنها كانت دون المستوى، باستثناء رئيسها الذى كان يتميز بجهد صادق على مدار الساعة، إلا أنه أيضا كان يفتقد الرؤية لأى مستقبل، فكان الرجل يعمل باليومية، أو اليوم بيومه، على اعتبار أنه يدرك أنه ليس صاحب قرار فى أى موضوع، وبالتالى هو وحكومته تحصيل حاصل، كغياب البرلمان تماما، وها قد جاءت حكومة جديدة، أقل ما يقال عنها إنها حكومة تدوير وزراء، ليست أفضل حالاً من سابقتها، لا على مستوى الأشخاص وكفاءتهم، ولا على مستوى إدراكهم لحجمهم فى ظل ظروف حكم الفرد، لم نسمع تصريحاً واحداً من أحدهم يمكن أن يروى ظمأ شعب كادح، نفس الثرثرة السابقة، نفس الكلام المكرر، لا جديد على الإطلاق، بالتأكيد لهم العذر أيضا، هُم يعلمون أنها شهور قليلة ويعود كل منهم إلى حيث أتى، عن أى خطط سيتحدثون إذن.
المشكلة الأساسية هنا، هى عدم وجود الرؤية حتى لدى حُكْم الباطن، حقيقة الأمر هُم فى سدة الحكم منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣، أى ما يزيد على عامين، لم تظهر أى كرامات من أى نوع، كما لا يوجد فى الأفق ما يشير إلى كرامات مستقبلية، كل ما جرى ويجرى هو فى حقيقة الأمر يأتى تحت عنوان الفنكوش، هم لا يريدون الاعتراف بذلك، شالوا محلب جابوا إسماعيل، ليست هذه هى القضية، كانت مجرد محاولة لامتصاص غضب الشارع واحتجاجاته المتزايدة، ويبدو أننا سوف نشهد الكثير من هذه المحاولات، مع تزايد الاحتقان الشعبى، إلا أنها سوف تفقد معناها سريعا، لم يَعُد أحد يأبه لممارسات من هذا النوع.
مازلنا أمام مشكلتنا الأزلية، وهى أنه لا أحد يؤمن بالتخصص، فى عالم الروايات على سبيل المثال، هناك من يُخطط، وهناك من يُنفذ، نذكر فى مسرحية مدرسة المشاغبين المقولة الشهيرة، من الراحل سعيد صالح للفنان عادل إمام (مرسى الزناتى وبهجت الأباصيرى): إنت المخ وأنا العضلات، أى كل فى تخصصه، كذلك فى عالم الجريمة، هناك من يضع الخطة، كما الفنانة سناء جميل (المعلمة أُم نعيمة) فى فيلم حكمتك يارب، وهناك من يُنفذ كما الفنان عادل أدهم، بمقولته الشهيرة أيضا: (ادبح يازكى قدرة، يِدبح زكى قدرة، اُسلخ يازكى قدرة، يُسلخ زكى قدرة)، إلا أنه لا زكى قدرة ولا المعلمة يصلح أى منهما يوماً ما لإدارة المدبح، كما لا يصلح مرسى الزناتى أو بهجت الأباصيرى لإدارة المدرسة أبداً، هم فقط بارعون فيما خططوا ونفذوا فقط.
إذا كان هذا هو حال عالم الروايات، فما بالنا إذا تعلق الأمر بحكومات، وقيادة شعوب وأمم، وأشياء من هذا القبيل، لابد أن نؤمن أولاً بالتخصص، بالكفاءة فى هذا المجال أو ذاك، لرئيس الجمهورية مؤهلاته الشخصية، كما رئيس الوزراء، كما الوزراء تماما، محتاجين بالعربى الفصيح، أمارة، أن هذا يصلح رئيسا، أو زيرا، أو غفيرا، معلومات عامة الناس عن الفيش والتشبيه لرئيس الوزراء، كانت كافية تماما لرفضه، ما بالنا بمعلومات الأجهزة الأمنية والرقابية، لا نتحدث عن الفيش والتشبيه بمعناه المتعارف عليه بصحيفة الحالة الجنائية، هى قضية سُمعة، وسيرة ذاتية يتداولها الناس، علاقات بفاسدين ومرتشين، هى قضية كفاءة، قضية إقناع واقتناع.
بالتأكيد كما قلنا مرارا، نحن لا نتمتع برفاهية الوقت، أو رفاهية التجارب، نحن فى مرحلة تحول بالغة الأهمية، قد يكون الوقت هو العامل الحاسم فيها، وإلا فمن الذى يضمن ضبط حركة الشارع مع كل الأزمات التى تحاصر المواطن فى يومه وغده، من الذى سوف يتعامل مع تلك المطالب الفئوية المتفاقمة، وخاصة أن الدولة بإمكانياتها الحالية لا تستطيع الإيفاء بأى منها أو بمعظمها، ما هى خطة التعامل مع الحركات السياسية فى أعقاب انتخابات برلمانية، تشير الشواهد إلى أن إفرازاتها لن تكون أبدا على مستوى التطلعات التى انتظرها المواطن فى أعقاب خمسة أعوام من الانفلات.
أعتقد أن التعويل فى كل ذلك إذا كان أمنيا فقط، فإن الحسابات فى معظمها خاطئة، أما إذا كان الاعتماد سوف يكون على الحنية والعواطف والسهوكة، فإن الشواهد تؤكد أن هذه الأساليب أيضا لن تؤتِ أى ثمار فى المستقبل، فى الوقت نفسه أصبح باستطاعة الشارع التمييز بين الإرهاب الحقيقى وبين صناعة الإرهاب، حال التلويح بالانهيار الأمنى وطرح نموذجى سوريا والعراق طوال الوقت كعوامل بث رعب فى أذهان الناس.
أتصور أن فيلم وزير الزراعة، إضافة إلى مجموعة الأفلام ذات الصِّلة، ثم النهاية غير الموفقة لفيلم السهرة (شريف إسماعيل رئيس حكومة)، تضعنا أمام عد تنازلى لإنتاج فيلم من نوع جديد تماما، وأخشى يكون التصوير فى ستوديوهات ميدان التحرير أيضا، فنعود أدراجنا.