x

أيمن الجندي نحن أو الذهب أيمن الجندي الجمعة 11-09-2015 21:23


أرجوك لا تفكر فيه كفيلم أروى لك قصته. لو كان الأمر بهذه البساطة فالأسهل لك أن تهمل هذا المقال وتشاهد الفيلم الأصلى.

عن فيلم «المهمة الإيطالية The Italian Job» أتحدث. عن الروعة والسخرية والتشويق. ولكن هذا ليس كل شىء. المهم النهاية. لحظة تعلّق الشاحنة على حافة منحدر يطل على الهاوية. الشاحنة تحتوى على نصف طن ذهب. وفى الناحية الأخرى من الشاحنة يقف اللصوص الذين قاموا بالسرقة. ولكن دعونا نتذكر البداية.

الفيلم إنتاج عام 1969 وبطولة «مايكل كين» الرائع! الفيلم يسخر من كل شىء. من كل القيم الإنسانية التى نزعم أننا نتصف بها. الفيلم يعتبرنا مجموعة من اللصوص الذين ينتظرون الفرص. يقول بوضوح إنه لا خير فى الجبلّة البشرية ذاتها. ولا يوجد إنسان شريف ولكن هناك ثمنا لكل إنسان. لاحظ أن خطة السرقة- المعقدة جدا- كتبها فى الأصل رجل ميت! كتبها وكأنه يدوّن وصيّة. اعتدنا أن يكتب المتوفون وصيتهم لأعمال الخير، لكنها هنا وصيّة لسرقة نصف طن ذهب توردها الصين إلى إيطاليا من أجل إنشاء فرع لشركة فيات هناك. حتى الأرملة الطروب التى مات زوجها للتو فإنها لا تتردد فى قضاء ليلة ممتعة مع «مايكل كين» الذى أوكل إليه زوجها تنفيذ السرقة.

كيف استولوا على الذهب؟ لا أرى هذا مهما. فى النهاية هى مجرد سرقة! سوف يكون هناك الكثير من الحيل. سوف يقومون بتعطيل إشارات المرور فى روما بأكملها، لتتكدس الطرقات بالسيارات وتعجز الشرطة عن الوصول فى الوقت المناسب. لكن كل ذلك - أكرر- لا يهم. المهم هو اللقطة النهائية.

لقد استطاع الرجال الفرار بالذهب! لماذا لم يجعلها المخرج مجرد أموال؟ أعتقد أن رمزية الذهب مهمة هنا. لقد أفلح اللصوص فى الفوز بالغنيمة وعمت السعادة الجميع. ظنوا- مثلما يظن الإنسان- أن الدنيا دانت لهم! يحدث هذا لنا كلنا؟ لو أتحفتك الحياة بعطيّة لا تنتظرها! بمنصب صاروخى مثلا! بأموال طائلة كسبتها فجأة! بشهرة واتتك على حين غرّة! ألن تظن وقتها أن الدنيا دانت لك؟

كان اللصوص يحتفلون بالفوز بعد أن غادرت شاحنة الذهب حدود إيطاليا، ومضت تسير فى منحدر جبلى حاد. لكن تأتى هنا اللحظة الإنسانية الخالدة. الدنيا لا تصفو بهذه السهولة يا أحمق؟ لو كان الأمر بهذه البساطة لصارت جنّة وليست دنيا.

الشاحنة اختل توازنها واندفعت على حافة الهاوية لتتوقف عند منتصف الحافة. التوازن هش جدا. من الممكن أن تنقلب الشاحنة فى أى لحظة. الشاحنة تتمايل ثم تتزن. الذهب وزنه نصف طن. وهو نفس وزن عصبة اللصوص تقريبا.

لقد صار الوضع الآن كما يلى: سبائك الذهب فى ناحية وعصبة الرجال فى ناحية. والحل؟ هل سنبقى هكذا إلى الأبد؟ الذهب أمامهم ولكن دونه حياتهم! ولئن اقتربوا ليأخذوه لتنقلبن الشاحنة!

مايكل كين يزحف على بطنه محاولا أن يصل بهدوء إلى الذهب، لكن الذهب ينزلق أكثر. يعود الجميع إلى الخلف حتى لا تنقلب بهم الشاحنة.

يا له من مخرج عبقرى إذ ترك النهاية مفتوحة. اللصوص أو الذهب. نحن أو الذهب. لن نستطيع أن نجمع بين الحسنيين أبدا. الذهب الذى أغوانا. الذهب الذى أذلنا. الذهب الذى جعلنا نقترف الذنوب ونتخلى عن إنسانيتنا.

ألم أقل لكم أن الحكاية أعمق من مجرد سرقة بكثير.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية