مؤسس الإخوان حسن أحمد عبدالرحمن محمد، شهرته حسن البنا الساعاتى.. «البنا» هى الترجمة العربية لكلمة ماسونى Mason، وحتى لا تُفسر باعتبارها مهنة «بناء» أضيفت «الساعاتى»، مهنتة ومهنة والده وجده.. ولد بقرية «دميتوه» بدمنهور، حيث استقر جده- منذ قدومه مهاجراً من المغرب- فى منزل قرب مقام أبوحصيرة، المغربى الأصل، ومقصد اليهود، قبل إلغاء الاحتفال بمولده.. تأسيس جماعة الإخوان كان استجابة لدعوة أطلقها السلطان عبدالحميد على مدى 30 عاماً، لإنشاء «الجامعة الإسلامية»، كبديل لانحلال وتفكك الإمبراطورية العثمانية، وقطع الطريق على المطالب القومية للشعوب الخاضعة لها.. شعار حزب الحرية والعدالة مقتبس من شعار الماسونية- حرية عدالة مساواة، وكف «رابعة» أشهر رموز الماسونية.. تلك مقدمة ضرورية للتذكير ببدايات تنظيم، نشهد حالياً بوادر انحلاله.
الإعلام يلهث وراء سيناريو انشقاق الإخوان، بين الحرس القديم، والشباب الغاضب.. تحليلات واجتهادات تفتقر للحقيقة المتمثلة فى اتفاق القادة على توزيع الأدوار بين الطرفين، لمواجهة التحديات الراهنة، بعض الأطراف تتجاوز دورها المتفق عليه فى الصراع، يرد الآخر بالمثل، يخسر الطرفان، فتعيدهما القيادة للسيناريو الموضوع!!.
■ ■ ■
بعد الإطاحة بمرسى انقلبت مجموعة من شباب الجيزة على قيادة الجماعة، تزعمهم على خفاجى، أمين شباب «الحرية والعدالة»، فى اعتصام رابعة انضمت لهم مجموعات من المحافظات، طالبوا بإعادة هيكلة التنظيم، وتولى قيادة شبابية جديدة، حاول مكتب الإرشاد احتواءهم، شكل منهم «خلية أزمة» احتياطية، لإدارة الجماعة حال القبض على أعضاء مكتب الإرشاد، وهو ما حدث بالفعل بعد فض الاعتصامات، صدور أحكام الإعدام والمؤبد على قيادات الجماعة، وهروب أو اختفاء الحرس القديم، دفع «الإدارة الجديدة» لتقنين وضعها بانتخابات محلية فبراير 2015، أبقت على بديع مرشداً عاماً، استبدلت 65% من القيادات بعناصر شبابية، وشكلت مكتب إدارة الأزمة من د. محمد كمال أستاذ الأنف والأذن جامعة أسيوط، على بطيخ، محمد طه وهدان «كلف بأعمال المرشد وإدارة الأزمة»، حسين إبراهيم «أمين الحرية والعدالة»، أحمد عبدالرحمن، رئيس المكتب الإدارى بالخارج، محمد سعد عليوه، ومحمد منتصر متحدثاً رسمياً، أيدها عمرو دراج، يحيى حامد، وأسامة سليمان، و4 من مسؤولى القطاعات السبعة «القاهرة- الإسكندرية- شمال الصعيد- وسط الدلتا»، ولجنة الطلاب، وأنشأت لجنة الشباب لتوجيه أنشطة الشارع، و«الهيئة الشرعية» لتحل محل لجنة نشر الدعوة، القرضاوى أيد الإدارة الجديدة، التى تبنت «نداء الكنانة»، المُحَرض على قتل العسكريين والشرطة والإعلاميين والقضاة.
الحرس القديم «محمود عزت، إبراهيم منير، محمود حسين، محمد عبدالرحمن، محمود الإبيارى، محمد البحيرى...»، بدأ يروج لسيناريو الانشقاق، مؤكداً أنه يسيطر على مصادر التمويل، ويحظى بتأييد 3 مسؤولين للقطاعات «الشرقية- الدقهلية- جنوب الصعيد»، ويسعى لاستقطاب مسؤولى التربية واللجنة السياسية، ومروجاً لنفسه بتبنى «السلمية»، فى مواجهة الإدارة الشبابية التى تسعى لـ«دعشنة» الجماعة، الهدف.. أن تهرع الدولة للعفو عن القيادات المسجونة، وتمكينها من السيطرة على «جموح الشباب»، ما يعنى إلغاء وصف التنظيم بالإرهابى، والاعتراف به، وعودته للساحة السياسية.. مظهر الانشقاق انعكس بوضوح على الفضائيات- أهم أدوات الجماعة فى حربها ضد الدولة- منذ فض رابعة دأب الإرشاد على تمويل الفضائيات «الشرق، رابعة، مكملين، الحوار، مصر الآن...»، ثم يترك إدارتها للشباب..
لم تنجح، إذ اقتصرت مشاهدتها على أعضاء الجماعة الملتزمين بالسمع والطاعة، إلا أنها تمكنت من توسيع نطاق المشاركين فى العنف، بتبنيها للتحريض، ما يشكل زيادة فى الضغط على الدولة.. عندما يبدأ التحريض فى التأثير على الصورة الدولية للتنظيم يغلقها الإرشاد، مؤكداً التمييز بين توجهاته «السلمية»، و«اندفاع الشباب»، ويفتتح غيرها باسم مختلف، المحلل التركى أحمد زاهد جول المقرب من «العدالة والتنمية» أكد أنه «لم تطلب أى جهة تركية من الإخوان إغلاق قناة، وما يشاع على لسان بعضهم هو الكذب بعينه».
القبض على بعض القيادات الحركية ومجموعات «الأنشطة النوعية» متلبسين باغتيال ضباط جيش وشرطة وتخريب المرافق الخدمية «المحولات وأبراج الكهرباء...» سبب قلقاً للقيادة القديمة، خشية انعكاس ذلك على الصورة الدولية للتنظيم.. محمود غزلان باعتباره نائباً للمرشد، وقائماً بأعماله، نشر مقالاً فى مايو الماضى أكد على «السلمية ونبذ العنف»، أعقبه محمود حسين بمقال مماثل ذيله بصفته «أمين عام الجماعة»، ما أثار ردوداً غاضبة من الشباب..
اتهموهم علناً بالفشل فى إدارة الملفات الثلاثة التى تولوها منذ الإطاحة بمرسى.. ملف الإعلام كان أداؤه سيئا، الملف الحقوقى خسرت فيه الجماعة كافة القضايا المرفوعة ضد الدولة ومسؤوليها، والملف السياسى خُربت فيه العلاقات الخارجية للجماعة حتى مع جنوب أفريقيا وتركيا وقطر، وادعى الشباب نجاحهم فى إدارة ملف الحراك الثورى بالداخل.. القيادة القديمة دعتهم لاجتماع بالداخل، لكنهم رفضوا، واعتبروا الدعوة انقلاباً على ماتم من إجراءات قانونية لإعادة هيكلة الجماعة.
أواخر مايو تم القبض على وهدان وعليوة وسط قناعة الشباب بأن الحرس القديم حاول التخلص منهما بمساعدة الأمن فى الوصول إليهما، بعدها بأيام قليلة قُبِضَ على غزلان والبر والشرقاوى أعضاء الإرشاد، ليردد أنصار الحرس القديم أن اعترافات وهدان وعليوة أدت للإيقاع بهما.. شروخ تراكمت، وولدت حالة حادة من فقدان الثقة، خلقت انشقاقاً فعلياً بالجماعة، يتجاوز السيناريوهات الموضوعة.
فى 8 أغسطس اجتمع ممثلو الطرفين بتركيا للتهدئة، اتُفق على استمرار محمود عزت -المعروف بميله إلى العنف- قائما بأعمال المرشد، وإبراهيم منير الذى يعكس صورة سلمية للتنظيم أمام الغرب- نائباً له ومسؤولاً عن ملف الإعلام، وأحمد عبدالرحمن، من الإدارة الجديدة، مديراً لمكتب الإخوان بالخارج، وتوافقوا على إجراء انتخابات داخلية فى أسرع وقت لتشكيل لجنة جديدة لإدارة الأزمة..
أواخر أغسطس تراجع الحرس القديم، عما تم الاتفاق عليه بعد إدراكه أن تحكم الإدارة الجديدة فى تحركات التنظيم على الأرض، بسبب غيابه عن الداخل، تجعلها الأقوى، فقرر وقف كل صور التمويل عنها لإجبارها على الانصياع له، وطالبها بإغلاق المواقع الإلكترونية التابعة لها وتسليمها لمنير، وبدأ الإعداد لانتخاب ممثلين جدد للقطاعات المؤيدة للشباب.
■ ■ ■
عودة جماعة الإخوان لممارسة العمل السياسى بالجامعات مطلع السبعينيات بعد إعدام قطب ومعاونيه 1966، والتوسع فى العمل الجماهيرى، تعطيها الثقة بأنه حتى فى حالة إعدام قادتها الحاليين فهى قادرة على العودة للساحة، لولا سيناريو الانشقاق الذى بدأ بالاتفاق على توزيع الأدوار لخداع الدولة وإنقاذ رؤوس القادة، وانتهى بانشقاق فعلى للجماعة، ووضعها أمام خيارين أحلاهما مُر..
الأول انتصار الحرس القديم، وهو احتمال يؤدى لانشقاق قطاع واسع من الشباب «لن يقل عن الثلث»، لقناعتهم بانفصال هذه القيادة عن الواقع، وعدم تقديرها أن ثمن قراراتها الخاطئة يدفعه الشباب على الأرض، قطاع كبير من هؤلاء مهيأ للانضمام للجماعات الإرهابية، خاصة بعد الدعوات الصريحة التى وجهتها «داعش» و«النصرة» لشباب الإخوان بالانخراط فى صفوفهم..
الثانى أن يتغلب جناح الشباب ما يعنى فقدانهم مصادر التمويل، وعجزهم عن تغطية التزامات الجماعة، خاصة تجاه أسر المسجونين، الأمر الذى يدفعهم لتوسيع نطاق العنف وتشكيل جماعات تمويل بالسطو والسرقة المسلحة، على نحو ما قامت به الجماعات الإسلامية فى الثمانينيات والتسعينيات، وتلك أخطر إشكاليات التنظيم فى المرحلة المقبلة، ما يفسر خروج يوسف ندا عن صمته، وإعلانه التوسط لرأب الصدع داخله، وانحيازه منذ البداية للشباب، باعتباره القوة الفاعلة على الأرض، ما يوسع الانشقاق داخل معسكر الحرس القديم.