x

أسامة خليل الأهلى بين بطولة الملايين والملاليم أسامة خليل الأربعاء 09-09-2015 21:31


لم أكن أتصور أن الكشف عن بعض الجوانب الشخصية للعلاقة بينى وبين المهندس محمود طاهر، رئيس النادى الأهلى، ستلقى هذا القبول بعد مقالى السابق بعنوان «أنا والرئيس»، فالمزج بين الخاص والعام من شأنه أن يضعف حجة الكاتب، ويقلل من التعاطى والتفاعل مع وجهة نظره، لكن الأمر كان مختلفا فى رد فعله المحتمل، خاصة من جانب بعض الزملاء الصحفيين الذين أقدر وأحترم آراءهم، ومنهم الصديق أسامة إسماعيل، والذين رأوا أن شخصية رئيس النادى الأهلى مازالت غامضة أمام الرأى العام، فى ظل احتجابه عن الإعلام، وندرة ظهوره فى الحوارات التليفزيونية والصحفية، فطوال عام ونصف العام منذ انتخابه لم يظهر سوى فى حوارين تليفزيونيين أحدهما فى قناة النادى، بينما لم يجر أى حديث صحفى، ومن ثم فإن الكشف عن بعض ملامح هويته وشخصيته أمر مهم لمعرفة كيف تدار جمهورية الأهلى؟ فالغموض يفتح الباب أمام جميع الاحتمالات السلبية قبل الإيجابية.

ولأننى من المنحازين سلفاً لتجربة التغيير فى الأهلى والمتحمسين لدعمها والطامحين فى نجاحها، باعتبار أن هذه المؤسسة الأهلية الرياضية الجماهيرية العظيمة هى قاطرة التغيير فى مؤسسات المجتمع التى تعفن معظمها إما بفعل الركود أو الفساد، وأى تطور يطرأ عليها سينعكس بالتبعية على مؤسسات رياضية غيرها، لذا لم أتردد فى طرح بعض المواقف التى عشتها مع هذا الرجل ربما تكشف عن سبب تحمسى لتجربته مع الأهلى، وأملى فى أن تجذب مريدين يقتنعون بالأفكار قبل الشخص، فالبطولة هنا ليست للشخصية، بل للموضوع والفكرة التى يحملها هو ومجلسه لإعادة بناء الأهلى.

القصة الأولى: قادت الظروف محمود طاهر للتعيين فى مجلس إدارة اتحاد الكرة فى عهد الكابتن سمير زاهر، ووقتها أوكله مجلس الاتحاد ملف الرعاية للاتحاد والمنتخبات الوطنية، ولم يكن دخل اتحاد الكرة منها يزيد على ٣٠ مليون جنيه فى ٤ سنوات، وطوال شهرين من العمل والاجتماعات والتفاوض مع الوكالات المصرية والتشاور مع شركات تسويق إنجليزية، استطاع أن يضع يده على جميع الحقوق، ويصوغها فى كراسة مزايدة محترفة، وتوصل بالفعل إلى توقيع خطاب اتفاق مع إحدى الوكالات الحكومية (ليست الأهرام) لشراء حقوق الرعاية بـ١٩٠ مليون جنيه، وهو رقم خيالى، لكن قوى الفساد داخل اتحاد الكرة تحالفت ضده، وفى اليوم المحدد لفتح المظاريف المالية عقد المكتب التنفيذى للاتحاد بحضور الرئيس ونائبه، وتم إلغاء المزايدة بدعوى وجود حقوق فى الكراسة ليست للاتحاد، فى واقعة تكشف التلاعب لصالح إحدى الوكالات النافذة التى يتمتع رئيسها بعلاقات مع الرؤوس الكبيرة فى الاتحاد، إلى هنا والأمر عادى وطبيعى فالفساد فى ذلك الوقت كان صاحب الحق، لكن المهم طريقة معالجة محمود طاهر للموقف، فقبل أن يقدم استقالته المسببة للوزير عكف فى مكتبه أسبوعين ليل نهار (دون مبالغة) كنت شريكا معه فى بعض أيامهما، لينتهى بعمل ملف جاء فى أكثر من ٦٠ صفحة مازلت أحتفظ به ضمن كل التفاصيل والأوراق والمستندات التى تثبت صحة المزايدة وإهدار مسؤولى الاتحاد لما يقرب من ٢٠٠ مليون جنيه، وبدلاً من أن يذهب بالملف للنائب العام، توجه به للرأى العام، فالقضية لم تكن فى إثبات التهمة على الآخرين أو الدخول فى صراع لا يرى منه جدوى، انطلاقاً من اعتقاده أن الهدف من العمل التطوعى خدمة المجتمع وليس العراك، وأن الرأى العام هو الرقيب، وعقابه أشد من عقاب القانون، وهى وجهة نظر أراها مثالية فى مجتمعنا، لكن يبقى احترام سمو الفكرة ورقى الدفاع عنها، وهذا ما أعجبنى، وما أرى أنه تحقق مع الأهلى، عندما حصل على الفرصة كاملة بلا فساد أو محسوبية، لينجح الأهلى فى بيع حقوق رعايته بـ٢٥٠ مليون جنيه فى ثلاث سنوات، وهو مبلغ ضخم فى ظل الظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد.

القصة الثانية: تتعلق بحقيقة خلافه مع حسن حمدى، فالمفاجأة التى لا يعرفها الكثيرون أنه لم يشتبك معه على الإطلاق، وليس بينهما خلاف جوهرى على مصلحة أو أزمة، بل كانت بداية جمود العلاقة بينهما غريبة جدا، كان ذلك عام ٢٠٠٤ عندما قرر محمود طاهر أن يخوض الانتخابات على مقعد أمين الصندوق وهو حق مشروع له بعد عضويته دورتين فى مجلس الإدارة، لكن هذا الطموح لم يعجب حسن حمدى فرفض ضمه لقائمته، ووقتها تدخل كل من المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام السابق، وهو أقرب الأصدقاء لمحمود طاهر، ومعه الدكتور حسن مصطفى، رئيس الاتحاد الدولى لكرة اليد، والاثنان كانا من المؤيدين لترشيح طاهر على منصب أمانة الصندوق، واجتمع الأربعة لتقريب وجهات النظر، وعندما سئل حمدى عن سبب رفضه، فاجأ الجميع وأخرج مجموعة من القصاصات لجريدة «الفرسان» التى كنت أرأس تحريرها، وفيها مقالات تحمل نقدا ضده، مدعياً أن محمود طاهر يقف وراءها. الأمر الذى لم يفهمه الحاضرون، فهل كل المشكلة فى صحفى يكتب رأيه؟ المفاجأة أن حسن حمدى لم يمانع فى أن يخوض محمود طاهر الانتخابات على قائمته، لكنه اشترط أن يخوضها على العضوية وليس أمانة الصندوق، ما دفع طاهر للقول: «إذا كنت تقبلنى عضوا فمعنى ذلك أنك لا تعترض على شخصى، وأنا لا أمانع بشرط أن يكون المرشح لهذا المنصب أفضل منى، فمصلحة الأهلى الأهم، بل أزيد على ذلك بأننى مستعد لأن أبتعد إذا قلت للحاضرين إن ذلك فى مصلحة النادى».. فمن كان المرشح؟ لم يتوصل المجتمعون للرد، لكن الإجابة جاءت بعدها بأيام وتم ترشيح محمود بجانيد، وهو شخص تم استحداثه، ولم يكن من الدوائر القريبة أو المزكاة، ليقف حسن مصطفى، والمستشار عبدالمجيد محمود، مع محمود طاهر فى الانتخابات، لعدم قناعتهم بالطرح الجديد.

من وقتها والعلاقة بين حمدى وطاهر فاترة، لكنها لم تصل إلى حد الخلاف الحاد أو الصراع القوى، ولم تقع الكراهية بينهما كما تروج الشائعات، بدليل أن مجلس الإدارة الحالى دعا حسن حمدى فى جميع المناسبات الكبيرة، لكنه لم يحضر.

ومن يعرف رئيس الأهلى فهو ليس من الشخصيات التى تسعى للصدام، لكنه صلد فى الدفاع عن حقه، يبنى أفكاره فى الإدارة على الإصلاح وليس التغيير الفورى، وهذا ما قد يعطل التطور السريع، ونظريته تقوم على أن التغيير فى المؤسسات الكبيرة إذا جاء سريعاً فقد يهدم المؤسسة، خاصة إذا كان الجمود قد استقر فيها، ويرفض أن يفضح الفساد أو يجهر بأسماء مرتكبيه داخل النادى، وإن كان يطهر الفساد فى صمت، ونظريته تقوم على أن الأهلى بات «ماركة عالمية»، والمساس باسمه وسمعته فى هذه القضايا خطر يضعف من تسويقه.

■ ■ ■

لم يدهشنى قرار لجنة الأندية باستبعاد الأهلى من مجلس إدارة اللجنة، فهذا أمر طبيعى فى ظل تمسك الأهلى بقراره المحترم باحترام نفسه وتاريخه وجمهوره وعدم الدخول فى لجان منزوعة الصلاحيات، وإصراره على تشكيل رابطة للأندية المحترفة تقوم بدور حقيقى وفعال فى إدارة اللعبة، لكن ما أدهشنى هو إصرار بعض الأندية على التباهى والزهو والفخر بهذا القرار، باعتباره تأديبا وإصلاحا للنادى وإدارته وكل ما أتمناه من تلك الأندية أن تكمل موقفها الشجاع، وتستبعد الأهلى من المشاركة فى اللعبة، وهذا هو العقاب الحقيقى، لكنها قبل أن تقدم على هذا القرار، عليها أن تجيبنا عن السؤال السهل: كم سيكون ثمن مسابقة الدورى لو أقيمت دون الأهلى؟ وهل ستكون وحدة الحساب بالملايين أم بالملاليم؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية