x

ضياء رشوان نظريتان فى الفساد ومحاربته ضياء رشوان الثلاثاء 08-09-2015 21:34


الفساد الكلمة السحرية لتفسير كثير مما يجرى فى مصر منذ ثلاثين عاماً على الأقل، وهو المنتج الأبرز لهذه السنوات العجاف التى ثار عليها المصريون فى 25 يناير 2011، وكان من أهم الأسباب التى دفعت بالملايين منهم إلى الشوارع والميادين لاقتلاع جذوره وقبلها النظام الذى أنتجه ورعاه مع الاستبداد والظلم الاجتماعى الذى حاق بأغلبيتهم طوال هذه السنوات الثقيلة.

وفى خلال السنوات الخمسة تقريباً التى مرت منذ ثورة يناير تدافعت الأحداث والتطورات الكبرى التى أرهقت مصر والمصريين، وإن كانت حصيلتها النهائية حتى اليوم وبعد الثورة الثانية فى 30 يونيو 2013 تعد إيجابية على كثير من الأصعدة، أهمها هو استعادة مصر الدولة ووحدتها الاجتماعية والجغرافية بعد أن كادت تتفتت فى ظل حكم الإخوان. وظل المصريون، طوال هذا الوقت، ينتظرون أن يخوض حكمهم الجديد الذى أتوا به بأصواتهم وملء إرادتهم حربه العلنية ضد الفساد بعد أن خاض حربه الأخرى ضد الإرهاب. وهنا بدا واضحاً أن هناك نظريتين متعارضتين بداخل الدولة والمجتمع تتنازعان الموقف من الحرب ضد الفساد.

النظرية الأولى يرى أصحابها أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المصرية التى أنتجتها السنوات الثلاثون السابقة على ثورة يناير، لا تسمح بخوض حرب علنية واسعة ضد الفساد، من ناحية لأن القطاع الخاص الذى يهيمن استثماراً وعمالة على الاقتصاد المصرى متورط إلى حد بعيد فى ظاهرة الفساد مع الجهاز الحكومى، وبالتالى فإن أى ضربات للفساد ربما تدفع به إلى الانكماش وتعطيل أو إيقاف مساهمته فى الاقتصاد القومى، الأمر الذى يهدد بمزيد من تدهور الأوضاع الاجتماعية للمصريين بسبب تراجع النمو وازدياد البطالة. ويضيف أصحاب هذه النظرية حجة أخرى لتبرير دعوتهم الدولة لعدم فتح حرب واسعة ضد الفساد، بأنه لم يعد يقتصر على شريحة أو أكثر من المصريين بل بات بفضل سياسات السنوات الثلاثين نظاماً كاملاً للحياة فى مصر يتعيش منه وفى ظله الملايين من مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية، وبالتالى فإن خوض حرب واسعة ضده يعنى تدمير مقومات الحياة لكل هؤلاء مما يعنى مزيداً من الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية والتى يمكن أن تتحول بسهولة إلى سياسة تهدد استقرار البلاد كلها.

ومقابل تلك النظرية التى بها بعض عناصر الصحة وإن كانت تفتقد بشدة للرؤية السياسية والعملية، تظهر النظرية الثانية التى هى أقرب للدقة والمبدئية والواقعية. ففى مرحلة إعادة بناء مصر الجديدة بعد ثورتين لن يكون هذا ممكناً لو أقيم البناء على أسس وقواعد النظام المتهاوى، وعلى رأسها الفساد الهائل مترامى الأطراف فى المجتمع والدولة. لن يكون ممكناً بدون الحرب على الفساد، ليس فقط بناء الهياكل الاقتصادية الجديدة التى تتيح لمصر نمواً أعلى وللمصريين توفير حاجاتهم وحقوقهم الأساسية فى العيش والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، بل ولن يكون ممكناً أيضاً توفير مناخ الثقة فى الدولة لدى المصريين بما يدفع بهم إلى التعاون معها ومساندتها فى إجراءاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الضرورية لإعادة بناء البلاد. التقاعس عن هدم قواعد الماضى الذى ثار عليه المصريون، وعلى رأسها الفساد، سيعطى الانطباع لهم وستزيد منه دعايات الإخوان وحلفائهم بأن هذا الماضى بكل سوءاته لايزال حياً ويعيد إنتاج نفسه فى نظام ما بعد 30 يونيو.

الحرب على الفساد التى بدأت إشارتها الأهم والأبرز بالقضيتين الأخيرتين يجب أن تتحول لمعارك وممارسات يومية مستمرة من جانب جميع أجهزة الدولة الرقابية، وأن تطال أى رؤوس وأكبر رؤوس متورطة فيه أياً كانت مواقعهم الوظيفية أو حيثياتهم الاقتصادية أو الاجتماعية. إن ترافق الحرب ضد الفساد مع الحرب ضد الإرهاب، بنفس الحماس والإعداد، سيجعل من الرئيس عبدالفتاح السيسى، قائد الحربين، ليس فقط رمز المصريين فى إنقاذ الدولة، بل وأيضاً الرئيس الأول الذى يقضى على أخطر آفتين تهددان مصر، وسيفتح الطريق ممهداً أمامه لبناء مصر الجديدة التى نريدها جميعاً وثرنا من أجلها مرتين.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية