x

عبد الناصر سلامة الفساد يترنح.. ولكن! عبد الناصر سلامة الثلاثاء 08-09-2015 21:35


أعتقد أن استقالة وزير الزراعة كأحد المتهمين فى قضية فساد كبرى، ثم القبض عليه مباشرة فى أعقاب الكشف عن قضية الابتزاز أو النصب الخاصة بإحدى الشخصيات العامة، هى بداية موسم ساخن على الفساد والفاسدين، فما حدث مع الوزير ربما هو الحالة الأولى من نوعها فى تاريخ محاربة الفساد فى مصر، والفاسد فى قضية الرشوة هو رئيس جمعية مكافحة الفساد، وهو فى نفس الوقت إحدى حلقات سلسلة من المحامين الذين حملوا على عاتقهم خلال السنوات الأخيرة ابتزاز الناس، من خلال بلاغات وهمية باتهامات كيدية شغلت المحاكم فى بعضها، واستطاعوا من خلال البعض الآخر تحقيق ثراء فاحش، وهو ما يضع نقيب المحامين أمام مسؤولياته، بضرورة مواجهة هذه الظاهرة نقابياً، بتطهير النقابة منهم، ومن الشهادات الوهمية التى جلبها بعضهم من الخارج أيضا.

قضيتا الفساد والرشوة مجرد حالة بسيطة مما تعيشه البلاد الآن من نهب، وهبش، وتربح بطرق غير مشروعة، إما من خلال استغلال حاجة الناس، وإما بالاستيلاء على أراضى الدولة، وإما من خلال التمويل الأجنبى غير المشروع، وقد تحتاج الحالة الأولى إلى الكثير من الوقت والجهد لعلاج هذه الآفة التى تعانى منها معظم المصالح الحكومية، أما الثانية فيمثلها الوزير، وهى النموذج الصارخ الذى تتناثر حوله أسماء كثيرة الآن من خلال القضية المحبوس فيها احتياطياً أحد الذين قضوا سابقا سنوات بالسجن فى قضايا مشابهة، والمحظور النشر بشأنها، بينما يأتى النموذج الثالث ممثلا فى القضية ٢٥٠ المحظور النشر بشأنها أيضا.

أستطيع القول بكل وضوح إن مصر تعيش حالة خاصة الآن من الشائعات والتوتر والقلق، أسماء على قدر كبير من الأهمية تتردد فى القضيتين سالفتى الذكر، سواء ما يتعلق بقضية الفساد حول أراضى الدولة، أو قضية التمويل، هى فى مجملها شخصيات تتصدر المشهد العام، فتح القضيتين فى حد ذاته ينبئ أننا على الطريق الصحيح، طريق مواجهة الفاسدين، محاربة الفساد، بدء مرحلة جديدة من التطهير والتطهّر، من النقاء والصفاء، إلا أن ما يثير قلق الشارع هو عدم الإسراع بالشفافية، التى يراها جزءا من تحقيق العدالة.

وأستطيع التأكيد أن قضايا الفساد وحدها، لو تم التعامل معها بشفافية ووضوح بهدف تحقيق العدالة الناجزة، لكانت شهادة كافية للنظام ككل بأنه اختار الطريق الصحيح للنهوض بالبلاد، بل هى القضية الأهم على الإطلاق، تتفوق فى ذلك على قضايا التنمية بمختلف محاورها، لأنها هى بالفعل بداية التنمية الحقيقية، وأعتقد أن جولة الرئيس الآسيوية قد كشفت هذا الاتجاه فى الدول التى زارها، لأن هذا كان سر نجاح هذه الدول، فقد كانت مواجهة الفساد والقضاء عليه هى الشغل الشاغل للدول الآسيوية بصفة عامة بالتزامن مع النهضة المنشودة، وقد حققت هذه الدول فى ذلك نجاحا باهرا، واستطاعت أن تتصدر قوائم دول العالم فى الشفافية.

من حق جميع الشخصيات التى وردت أسماؤها فى القضيتين المشار إليهما أن يثبتوا براءتهم إذا كانوا كذلك بالفعل، ومن حق الدولة أن تحصل على حقها منهم إذا كانوا مدانين، وفى الوقت نفسه من حق المجتمع أن يعلم الحقيقة غير منقوصة وغير مشوشة، الاستيلاء على أراضى الدولة بأى طريق من طرق الالتفاف على القانون ليس بالأمر الهين حتى يمكن أن يتنازل عنه أى شخص أياً كان، كما أن تقاضى أموال من هنا أو هناك للعبث بأمن الدولة لن يكون أقل أهمية أبدا.

يكفى القول إن مثل هذه الممارسات تمثل حالة استياء شديدة لدى الرأى العام بمختلف طوائفه، تجعله فى حالة استنفار دائم، يمكن أن تؤدى، بين لحظة وأخرى، إلى فوضى عارمة لا يحمد عقباها، ناهيك عما يمثله ذلك من إحباط شديد لدى جموع الشعب، فما بالنا إذا لم تجد طريقها إلى العدالة كما يجب، وهو الأمر الذى يستدعى التعجيل بحسمها من خلال أحكام قضائية رادعة.

الأمر لم يعد يحتمل مثل هذه الأوضاع التى جعلت نسبة الفقر فى المجتمع تتجاوز ٧٥٪ بالمعدلات العالمية، بينما الأمراض بين أفراد الشعب تتجاوز هذه النسبة، فى الوقت الذى توقفت فيه نسبة النمو عند أدنى مستوياتها، ١.٢٪ وجميعها أوضاع ساهمت فيها عملية الغموض التى تكتنف خطط الحكومة نحو المستقبل، وبصفة خاصة حول الموقف من الفساد والفاسدين، وذلك لأن هذه القضية هى الأهم لدى أى رأسمال يبغى الاستثمار، محليا كان أو أجنبيا، هى فى نفس الوقت المعضلة الأهم لدى المواطن الذى يريد أن يرى بصيص أمل فى مستقبل أفضل.

من الآخر ودون لف أو دوران، أرى أن الفساد يترنح بالفعل بعد هاتين الحالتين تحديدا، إلا أننا مازلنا نرى أن هناك ما يحول دون أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ربما لارتباطه بشخصيات نافذة تضمنتها هذه القضية أو تلك، ربما لارتباطه بأسماء تخشى منها الدولة الرسمية، ربما وربما وربما، هناك الكثير من التكهنات السبب الأول والأخير فيها هو عدم الشفافية، الشائعات تضيف أسماء وتحذف أخرى بصفة يومية، المد والجزر فى مثل هذه القضايا يتيح للمتهمين الهرب، يتيح لآخرين اتصالات من نوع ما، يتيح تعديل أوضاع وأدلة الاتهام.

بالتأكيد تدرك جهات التحقيق كل ذلك وأكثر، بالتأكيد هى تفعل وسوف تفعل ما فيه صالح العدالة، بالتأكيد سوف نرى هذه القضايا وغيرها فى ساحات المحاكم قريبا، إلا أننا نحاول نقل نبض الشارع، إسهاماً منا أيضا فى كشف الحقيقة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية