يذهب السائحون الأجانب إلى تركيا للاستمتاع بمناخ شرقي مميز: يمكن تناول الشاورما اللذيذة وزيارة مجموعة من الآثار رائعة ومشاهدة عروض الدراويش، كما أن هناك فرصة لخوض تجارب جديدة لا تنتشر في الغرب مثل الحمام التركي للشعور بالاسترخاء وأجواء السلاطين القديمة.
لم يكن هذا حال المنتخب الهولندي في زيارته، الأحد، لملعب أتاتورك الأوليمبي حينما حل ضيفا على الفريق الذي يدربه المخضرم فاتح تيريم، حيث قدم مستوى مروعا وخسر بثلاثية نظيفة عقدت وضعه في التصفيات المؤهلة ليورو 2016 لأقصى درجة، ليخرج بحروق بالغة من «حمام تركي» ساخن للغاية.
توقفت «الطواحين» تماما عن الدوران في المباراة، الفريق واضح احتياجه للروح والتنظيم ويبدو مبعثرا ومشتتا وإلا لما جاء الهدف الأول بمرتدة لم تستغرق سوى ثوانٍ بعد ركنية كانت في الأساس للهولنديين، هذا بخلاف الهدف الثاني الذي سجله أردان توران بعد خطأ كارثي في تمرير الكرة من فان دير فيل لديلي بليند.
ويبدو أن إقالة جوس هيدنيك لم تكن قرارا حكيما؛ حيث إن الأمور آلت لداني بليند الذي عمل كمساعد مدرب لفترة ليست بالقليلة في أياكس والمنتخب الهولندي، ولكن خبرته كمدير فني لا تتعدى 14 شهرا على رأس جهاز أياكس.
ربما كان داني بليند سيصبح خيارا أفضل لبناء فريق من الصفر في ظل وجود هامش للمناورة، ولكن جلب الرجل للتعامل مع وضع شديد الخطورة في وسط التصفيات، ليس بالقرار الصائب، لأن الأمر انتهى بهولندا في المركز الرابع مع تراجع فرصها بصورة كبيرة في الصعود، حيث لا يتبقى لها سوى التأهل كأفضل ثالث أو عبر الملحق.
كانت الخطيئة الأولى للمنتخب الهولندي في أرض الأتراك هي الدفع بجايرو ريدفاليد صاحب الـ18 عاما في مركز الظهير الأيسر على الرغم من كونه قلب دفاع في لقاء مصيري مثل هذا، حيث إن هذه كانت مباراته الأولى مع المنتخب الذي لم يلعب معه ولو حتى ودية بل إن كل خبرته تقتصر على خوض 40 مباراة مع أياكس الذي قدم معه أداء جيدا ولكن في مركزه الأصلي.
لم يقصر الفتى دفاعيا ولكن إسهاماته الهجومية كانت شبه معدومة، ولكن لماذا أقدم داني بليند على هذا؟ الإجابة هي أنه دفع بنجله ديلي بليند كارتكاز وذلك لتعويض غياب جوردي كلاسي المصاب، وذلك أملا منه في أن تتحسن صناعة اللعب من الخلف، على أن يصاحبه في مركز متقدم بعض الشيء دافي كلاسين ليقسم مجهوده بين الدفاع والهجوم.
أدى هذا القرار بالتبعية لإشراك جيفري بروما صاحب المشاركات القليلة للغاية مع هولندا (ثماني مبارايات) كمحور دفاع مع ستيفان دي فريج وذلك بسبب عقوبة الإيقاف على برونو مارتينز آندي.
بخلاف هذا وعلى الصعيد الهجومي نفذ بليند تغييرين هامين: وضع روبن فان بيرسي كرأس حربة بدلا من كلاس يان هونتلار، فيما كان لوسيانو نارسينج بديلاً للمصاب روبن في مركز الجناح الأيمن.
لم تخدم هذه التغييرات كثيرا المنتخب الهولندي الذي ظهر مشتتا وتائها فلعب بليند الابن كارتكاز لم يحسن صناعة اللعب من الخلف لأن لاعبي الوسط أمامه كانوا دائما على بعد كبير منه؛ حيث كانوا يتقدمون مبكرا فيما أن الجناحين التصقا بخط التماس ولم يدخلا إلى عمق الملعب عند الضرورة، ليصبح نصف ملعب هولندا بهذه الطريقة خاليا ومهجورا، حيث إنه في بداية كل لعبة كانت الأوراق كلها مبعثرة، مما سهل على تركيا مهمة القيام بالضغط.
داخل هذا الإطار العشوائي في هولندا تولى لاعب صانع الألعاب التركي أوجوزخان أوزياكوب دور «مُدلك الحمام التركي» الذي كسر ظهر الضيوف، حيث إن لاعب بشيكتاش الذي ولد أساسا في هولندا بل لعب مع منتخبات ناشئيه حيث زامل ماترينس آندي ودي فريج، استغل المساحات الموجودة أمامه وكان عقابه بلا رحمة.
وكان أوزياكوب هو من بدأ وأنهى الهجمة المرتدة التي أسفرت عن الهدف الأول، بخلاف أنه هو من كان يحدد وتيرة المباراة وفقاً لرغباته أمام هولندا المتوترة والتي هاجمت أسوأ مما دافعت، حيث إن تنظيمها الهجومي جعل تحركات لاعبيها مكشوفة ومتوقعة، حيث لم يقتربوا من مرمى فولكان باباكان سوى مرة واحدة قبل الاستراحة.
ولا يجب أيضا نسيان العمل دون كرة الذي قام به براق يلمظ وأوزياكوب على بليند أو مجهود لاعبي وسط تركيا سلجوق إينان وأوزان توفان لتعميق أزمة الوسط الهولندية.
وحاولت هولندا خلال الشوط الثاني علاج بعض العيوب حيث عاد ديلي بليند لقلب الدفاع بنزول وينالدوم في الارتكاز وهو المركز الذي لم يؤدِّ فيه بصورة جيدة أمام أيسلندا وأمامها كل من كلاسين وويسلي شنايدر وهو الأمر الذي عدل الأمر بعض الشيء ولكن دون خطورة حقيقية، حيث غابت اللمسة الأخيرة عن الطواحين التي تسبب «الحمام التركي» لها في الشوط الأول ليس في حالة من الاسترخاء بل «الإغماء».
ولم يتغير شيء حتى حينما لعبت هولندا بدفاع ثلاثي مع تحريك شنايدر من وسط الملعب لجانب الملعب ووضع جناح مثل كونيسي بروميس في الوسط بحثا عن الفراغات التي يمكنه فيها خلخلة الخطوط.