x

أحمد أبودوح كيف تجرؤ مصر؟ أحمد أبودوح الأحد 06-09-2015 15:46


لا يحق لمصر ان تكتشف غازا طبيعيا على سواحلها وان يسهم هذا الاكتشاف في تحقيق طفرة تنموية في مستقبلها القريب أو البعيد. لماذا تتدخل مصر في شؤون دول أخرى مصدرة للغاز في المنطقة وتفسد عليها خططها للهيمنة على سوق الطاقة لعقود.

أول هذه الدول قطر تليها اسرائيل. في داخل هاتين الدولتين من يقول انه لم يكن ينبغي لمصر ان تمتلك واحدا من أكبر حقول الغاز الطبيعي في العالم.

كيف لمصر ان تكتشف في مياهها الاقليمية حقلا ضخما للغاز الطبيعي بعد أقل من شهر من افتتاح تفريعة جديدة لقناة السويس من المنتظر ان تدر عليها استثمارات كبيرة وان تغير شكل المنطقة في سنوات.

لماذا لم يتزحزح هذا الحقل على الخريطة قليلا؟

ليته لم يقع في مياهها، وليتها لم تكن لها مياه.

كيف لمصر هذه الدولة التي تعاني اضطرابات وفوضى تهبط مرة وتصعد مرات منذ أكثر منذ أربعة أعوام ان تهيمن على منطقة شرق المتوسط وأن تفرض خياراتها الجيوسياسية على دول أكثر استقرارا سياسيا وأوسع نفوذا وأعلى نموا اقتصاديا كتركيا واسرائيل؟

لم يكن ينبغي لمصر التي يتلمس حكامها الجدد خطواتهم في عالم مضطرب بحثا عن المساعدة في التنمية وفي مواجهة الارهاب وفي استقرار هش ان تفتح في وجهها طاقة القدر في يوم وليلة. لم يكن ينبغي لهذا الشعب الذي يسد الافق عددا ان تمنح له الفرصة كي يضع قدميه على اول الطريق التي قد يتمكن في نهايتها من ان يسد الافق صيتا وثروة.

يبحث هذا الشعب الذي قام بثورتين متلاحقتين عن تقدم اقتصادي وعن غاز منهمر وكهرباء لا تنقطع وعن صناعة لها باع، وقبل كل ذلك يبحث عن الامن. يتشعب مفهوم الامن لدى شعب مصر ليشمل أمنه القومي وامنه الاقتصادي وامنه الاجتماعي وامنه الاقليمي. طلبات هذا الشعب صارت فوق الاحتمال!

لا يريد شعب مصر ان تتعثر قدماه في حبال الفوضى فينكب مرة أخرى على وجهه. كان يحلم بأن يخلص نفسه من هذه الحبال الشائكة التي لا اخر لها. بات يذوق في واقعه بعضا مما كان يتمنى في السابق ان يتحول إلى حقيقة.

كثير عليه كل ذلك. هذا شعب لحوح لا يكف عن الاحلام التي كان بعيدا جدا عن تحقيقها.

لم يكن كافيا ان يطيح هذا الشعب الذي يعتقد انه يحمي بلاده ومقدراتها من الفوضى بالاخوان المسلمين حينما كانوا في السلطة. صار اليوم يطالب بتقدم اقتصادي وسياسي وتفوق عسكري واستراتيجي.

فوق كل ذلك يستعد المصريون لاجراء انتخابات تشريعية هي الخطوة الاخيرة التي تلغي تماما بعض من غمام سياسي يظنه الاخوان شرعية ويستندون إليه في محاولاتهم لحصار مصر في الداخل والخارج. لم يكن هناك فارق زمني كبير في مصر بين اكتشاف حقل الغاز في المتوسط، واكتشاف كيف كان من الممكن لو كف الشعب عن نضاله ضد المجهول ان يتحول المصريون إلى ملايين يبحثون في مياه المتوسط عن ضفة نجاة بدل البحث عن الغاز.

رغم كل ذلك مازال الشعب غير سعيد. مازال يطلب المزيد. غير سعيد بالعيش على معونات والتعايش مع فلسفتها، ولو كانت واجب على دول صديقة نحو من كان له فضل عليها في يوم من الايام. غير سعيد لغياب متعمد للعدالة الاجتماعية وفي مقابل ذلك غياب طاغ للخيال والكفاءة الحكومية الكافيين لمنحه بعض من الامل.

الشعب غير سعيد، وسيبقى كذلك طالما بقي مدركا ان أطرافا تنزعج بشدة حينما يوشك على استنشاق بعض من هواء نظيف في منطقة يلفها الغبار المتشح بروائح الدم، وفي وسطه يقف مكممو الافواه وهم يلوحون بأعلام قاتمة وافكار اشد قتامة.

لماذا يسعد أصلا؟ هو لا يستحق ذلك؟ كان الشعب في مصر معتادا من حكامه على البلادة والبطء والفساد والتردد. لم يكن حينها يطالبهم بتنمية ولا أمن ولا تقدم ولا غاز. لماذا الان في وسط هذه الاهوال التي تعصف بالمنطقة؟ لماذا يأبى ان يكون جزءً منها، بعدما كان منذ عامين يوشك على ان يكون في مقدمتها؟

لا تنسى الشعوب ضمائرها ولا تتخلص من وجدانها. لا تظل الحضارات العريقة مستيقظة على الدوام، كما انها لا تبقى في سباتها أبد الدهر. ما لا تفهمه قطر ومعها اسرائيل ان الامم الحديثة، التي نشأت إما كزائدة تخلصت منها دولة أكبر أو كعصابة استولت على ما لا حق لها فيه، ان الشعب في مصر لا يحتاج إلى اكتشاف حقل غاز هنا أو حفر قناة هناك على أهميتهما كي يعيد اكتشاف أسباب الحياة.

يحتاج شعب مصر إلى ما هو أكبر وأوسع من ذلك بكثير. يحتاج إلى ما يعادل خبراته وحضارته المتراكمة كي ينهض من جديد. يحتاج إلى ما يساوي عدد القرون والاعوام التي صعد فيها وهبط وملك وتملك وحكم وحُكم كي يعاود اكتشاف ذاته من جديد. شعب مصر يحتاج إلى ضمير يعيد من خلاله صياغة حاضره ويرسم بخيوطه ملامح مستقبل اخر!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية