x

آلان كردي.. «حنظلة» السوري

الخميس 03-09-2015 15:23 | كتب: صفاء سرور |
حنظلة والطفل السوري حنظلة والطفل السوري تصوير : آخرون

بعد أعوام ناهزت الستة والثلاثين، عاشها ابن خيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، «حنظلة»، موليًا ظهره للجميع، عاقدًا يديه خلف ظهره احتجاجًا على صمتهم، موجهًا إليهم اللاذع من النقد والحاد من الهجوم، وبعد فقدانه الأمل في استجابة أنظمة حاكمة لمطالبه المشروعة التي بدأت بطلبه التحرك لإزاحة الاحتلال عن الأراضي العربية، وانتهت بمطالبته بإزاحة هذه الأنظمة نفسها، كان الرحيل نصيب «حنظلة» دون الاحتلال أو الأنظمة.

بعد كل هذه الأعوام، حل «حنظلة»، رمزًا وروحًا، في العام 2015 في جسد ولد سوري صغير ذي أعوام ثلاثة اسمه آلان كردي، مقررًا استخدام آخر الأوراق، والاحتجاج بالوسيلة الأعلى صوتًا وضجة بلا صراخ أو كلمات، الاحتجاج بالموت بعيدًا عن بلاد العرب، التي فر من جحيمها المستعر منذ عام 2011، فوجد غريقًا على إحدى الشواطئ التركية، موليًا ظهره للجميع كما اعتاد، لكن يديه ماعادتا معقودتان، بل ممددتان بجواره في استسلام وسكون، وربما يأس وإحباط وكفر بكل الأنظمة والمنظمات.

العثور على جثة طفل غرق ضمن مجموعة من اللاجئين المهاجرين بطريقة غير شرعية على متن مركبين يقلان 11 سوريًا من تركيا في اتجاه اليونان، 2 سبتمبر 2015.

يرقد «حنظلة»، المشتق اسمه من أشد النباتات مراراة، ساكنًا هادئًا مفترشًا أشبارًا معدودة من حصا ورمال شاطئ الأتراك، بعد أن فشل زورق أحد المهربين في أن يتحول إلى «سفينة نوح» التي تصل به وأهله إلى الأرض الموعودة، حيث الحياة والأمان، فمات الصغير الذي غدا منذ الثاني من سبتمبر 2015 أيقونة شهيرة بالقميص الأحمر و«الشورت» الأزرق والحذاء ذي النعل النظيف المغسول بمياه البحر، كما نقلت كاميرا الفيديو في ثوانٍ معدودة.

ترك «حنظلة» الذي تكاثرت عليه النكبات العربية، أرض سوريا، على أمل أن يصبح فردًا جديدًا في قائمة حياة، على بؤسها وشتاتها، تضم وفقًا للتقديرات الأممية، 4 ملايين لاجئ في طريقهم لأن يصبحوا 4.27 مليون لاجئ بنهاية 2015، فصار واحدًا من اثني عشر سوريًا قضوا في لحظات معدودة غرقًا في البحر المتوسط، قبل وصول شواطئ تركيا، منهم أخيه «غالب» ذي الأعوام الخمس وأمه «ريحانة».

مات «آلان» والأم والأخ، كما حكى الأب «عبدالله»، لتزيد قوائم الغرقى السوريين المعدودين بالآلاف في العامين الأخيرين، بعد أن تقطعت بهم السبل في الوطن الأم فحاولوا تركه إلى أوطان بديلة، جلّها أوروبية تبتعد عن مشكلات المخيمات الكائنة في الأراضي العربية حيث يرفع الأطفال أيديهم استسلامًا أمام كاميرات المصورين، حتى «حنظلة» نفسه حاول أبيه ودونما طائل الابتعاد به عن تلك الأجواء إلى اليونان، بعيدًا عن رحى الصراع الدائرة، فاعتقد أن الأمل في تركيا ومنها لأوروبا، لكنه الموت كان في الطريق.

آلان كردي الطفل السوري الغارق في مياه البحر المتوسط

«آلان»، كان له يومًا حياه سعيدة، كشفتها صوره ضاحكًا لاعبًا مطمئنًا مع أخيه الأكبر، إلى أن شابها الاضطراب منذ اندلاع الثورة السورية التي جعلت من جيرانه لاجئين وقتلى ومشاريع قتلى، ومن أرض كان ليشب عليها ملعبًا مظلمًا للقتال، يفوح برائحة الدماء والبارود الذي حمله «مرتزقة» يرفعون الرايات السوداء قدموا من كل حدب وصوب في وجه بارود آخر لجيش يحمي رئيس اختتم في يوليو الماضي عامه الخامس عشر في قصر الرئاسة.

بالأمس غرق «آلان»، بعد أعوام ثلاثة عاش معظمها في كنف أسرته في دمشق، حيث عمل الأب حلاقًا، وربما زار الطفل خلال أعوام عمره القصير «كوباني» مسقط رأس العائلة، والمدينة التي كانت حتى يونيو الماضي ملك يمين «داعش» الإرهابي، قبيل أن يخرج الأب وأسرته من البلاد كلها خائفًا يتوجس إلى تركيا تمهيدًا للرحيل عنها لمكان أفضل، وأملاً في استقدام الأسرة، وفي أن يكون «الصغير» أحسن حظًا من طفلة فلسطينية عرضة للترحيل عن الأراضي الألمانية ولم تشفع لها دموعها لدى مستشارة ألمانية قالت لها إن «السياسة قاسية».

حلم والد «حنظلة» بالحياة الآمنة، فحزمت «ريحانة» حقائبه وغالب الصغير الآخر، لكن تذكر الأب أن تركيا منذ شهر ونصف ألقت القبض على من فروا برًا لحدودها هربًا من داعش، فاختار البحر للوصول منها إلى أي الدول الأوروبية، ودفع الآلاف لقاء مساحة صغيرة له وللزوجة والولدين على متن قارب هجرة غير شرعية «فايبر» قفز صاحبه المهرب التركي وترك رب الأسرة يرى بعينيه ثلاثتهم واحدًا تلو الآخر بأنفاس أخيرة تحتبس وتفسح المجال لزبد الموت يخرج من الأفواه، دونما يعلم أو من تعاطفوا مع «المأساة» بما كان يفكر الصغير «حنظلة» ومن كان يتهم أو يلعن.

«فكرت كثيرًا قبل إعادة نشر صورة الطفل السوري الغريق.. ما صدمني جدًا هو حذائه الصغير.. إن أحد أمتع لحظاتي هي تلك التي أساعد فيها أطفالي في الصباح لارتداء أحذيتهم.. وأنا أحملق في الصورة، لم أستطع منع عقلي من تخيل أحدهم راقدًا غريقًا كما الصغير السوري»، يقول الباحث الحقوقي في منظمة «هيومان رايتس ووتش» عن سبب إعادة نشره الصورة «المفزعة» للطفل الصغير، بينما قرر مستخدما على موقع «فيسبوك» نشر صورة لجثمان «آلان» تتوسط اجتماعا لـ«القمة عربية» لعلها الثانية أو الثالثة أو العاشرة التي تشجب تردي الأوضاع في سوريا.

العثور على جثة طفل غرق ضمن مجموعة من اللاجئين المهاجرين بطريقة غير شرعية على متن مركبين يقلان 11 سوريًا من تركيا في اتجاه اليونان، 2 سبتمبر 2015.

مات «آلان»، فألقى البعض لومًا في الأمر على نظام بشار الأسد، بينما اتهم آخرون أنظمة بعينها وبعضها عربي بدعم «داعش» التي كانت سببًا في فرار أسرة الصغير، فيما وقف فريق ثالث بين نعيه وشجب موته القاسي وما سبقه من ويلات في الرحلة «أدران» تعلقت بثوب الإنسانية، وبعض أخير أوروبي العرق ألقى اللوم على حكومات بلاده التي يموت على عتباتها مئات مثله بحثًا عن سلام وأمن وحياة، لا تدرك.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية