منذ سنوات وفى غفلة غير مغتفرة من المسؤولين آنذاك تسربت النسخ الأصلية لمئات الأفلام السينمائية المصرية، خاصة القديمة منها إلى خارج مصر، ولم يجد أصحابها من ورثة الفنانين والمنتجين اهتماما أو فهما أو تقديرا من الدولة المصرية لتراثها الثقافى السينمائى التاريخى ولم تكن القنوات الفضائية المصرية العربية قد تكاثرت بعد وبرز احتياجها لتلك المادة الثرية الجاذبة للجمهور، ولم يكن لتلك الأفلام القديمة بعد ثمن مغرٍ فى سوق التداول، وقتها نشط الوسطاء الذين تقدموا للمساومة على شراء أصول هذه الأفلام المصرية وانتقلت ملكية المئات من هذه الأفلام إلى المشترين أو الملاك الجُدد من غير المصريين فى صفقات أدمت قلوب السينمائيين والمثقفين، ولم تتقدم أجهزة الدولة المسؤولة آنذاك لوقف هذه المهزلة التى لا يمكن أن تحدث فى أى وطن يُقدر تراثه وتاريخه وناتج ابتكار أجياله، ففى بلاد الدنيا هناك قوانين صارمة تمنع نهائيا انتقال ملكية التراث الوطنى ــ ومنه الأفلام السينمائية ــ إلى خارج نطاق الدولة ومواطنيها.
وكثيرا ما استدل فى هذا المجال بفيلم سينمائى بعنوان القطار، قام ببطولته برت لانكستر ـ جان مورو، ودارت أحداثه أثناء الحرب العالمية الثانية عام 1944على الحدود الألمانية الفرنسية، كان هذا القطار يحمل مجموعة من اللوحات لكبار الرسامين الفرنسيين سرقها الألمان من متاحف باريس ووضعوها فى القطار تمهيدا لنقلها من فرنسا إلى ألمانيا، هنا تصدت له المقاومة الفرنسية وأفرادها من الرجال والنساء لمنع سرقة التراث الفرنسى من لوحات الفن التشكيلى ومقتنيات فرنسية ثمينة، وسقط الشهداء من الفرنسيين الذين تصدوا لمنع القطار من الدخول إلى الحدود الألمانية ليبقى فى فرنسا، علما بأن معظم هؤلاء الفرنسيين كانوا من البسطاء الذين لم يعرف معظمهم اللوحات ولا رساميها لكنهم كانوا يدافعون عن تراث وطنهم أو شرف هذا الوطن كما أسموه.
وحتى لا تتكرر فى مصر هذه المأساة الأولى، ويضيع المزيد من التراث السينمائى وغير السينمائى، وبناء على تحقيق نشر فى جريدة أخبار اليوم هذا الأسبوع فإن المزيد من أصول الأفلام السينمائية ومن أفيشاتها القديمة ومن الدوريات السينمائية النادرة والإصدارات الثقافية والنصوص الأصلية لبعض كبار الروائيين المصريين ــ يبدو أنها فى مزاد الآن ــ ويتم التشاور خلسة مع أصحابها الأصليين أو ورثتهم لصالح (قطر)، فإذا كان هذا الخبر صحيحا هل نشطت وزارة الثقافة ووزارة الآثار وهما المنوط بهما الحفاظ على التراث لمنع هذه الصفقات لقطر أو غيرها؟ وهل نحن على استعداد وبسرعة ــ كمؤسسات مسؤولة ــ لمنع إتمام هذه الصفقات المريبة؟ وثانيا ــ وهو الأهم ــ هل نحن على استعداد لشراء كل هذه المقتنيات من أصحابها لصالح الدولة وبنفس الأثمان المعروضة عليهم حتى لا يلجأ ــ ربما بعضهم ــ لإخفائها وبيعها خفية.
من جديد تاريخنا وتراثنا يسرق ونحن نعلم، هل سنكتفى بالفرجة؟ هل نصمت من جديد؟ ثم نولول على ما ضاع وما سيضيع؟