x

رفعت السعيد تجديد الخطاب الدينى.. ولكن (2-2) رفعت السعيد الجمعة 28-08-2015 20:39


ويا شيوخنا الكبار لقد ظل أزهركم على مدى قرون حصنا للمصريين وقائدا لهم فى معاركهم ضد الظالمين والغزاة، وشريكا لهم فى معاركهم ضد الاحتلال، أما تجديد الخطاب الدينى فشىء آخر لا يمكن أن يتاح لأحد إذا قيد نفسه بنصوص صاغها فقهاء كبار لزمن قديم وبوعى فقهى قديم ولتعاملات وأحوال قديمة، وقد قدمت فى المقال السابق نماذج غير عاقلة وإليكم نموذجا آخر: مدة الجمل أقلها ستة أشهر وأكثرها أربع سنوات، فهل يصلح هذا لزماننا؟ وقد يكون ضروريا دراستها وتدريسها ولكن بهذا الوصف، أما ما يجب أن يكون اليوم فذلك يحتاج معارف وعقولا وأفكارا جديدة، فالمنطق يقول «لا يمكن أن تجدد مستخدما ذات الفكر القديم»، ومسألة أخرى يتستر خلفها بعض شيوخنا الأجلاء وهى «الوسطية» فيهربون من التجديد إلى ساحة الوسطية والإسلام الصحيح، هو بالفعل دين الوسطية لكن الوسطية قد تتأكد دون أن تترافق معها لمحات ولا أفكار تجديدية. فالتجديد شىء آخر يعترف بالواقع المتجدد دوما ويتجدد معه رؤية وفكرا وعملا. ولعلكم تدركون يا سادتى أكثر منى أن الدين الكلى الصحيح قد تحول إلى مذاهب وملل ونحل. وأن التعصب للمذهب قد جعل الرؤية التجديدية التى تستند إلى رحابة العقل واتساع أفق الفكر أمرا بالغ الصعوبة، خاصة فى تعصب للمذهب يجعل منه الدين ذاته وأن التمسك به هو تمسك بالدين ذاته، وأن انحلاله عنه انحلال عن الدين وكفر، وفى ظل صراعات مذهبية قديمة ومستجدة أصبح التمسك بالنصوص والسمات المذهبية عصيا على التجديد فى أى نص أو فعل. وتكون الصعوبة البالغة عندما تتسلط على المذهب سلطة سياسية تمنحه التشدد ويمنحها التسلط ولا يمكن لتجديد ما أن يخترق هذا الجدار الصخرى لفكر مستمد من مذهب تحول فى نظر أتباعه إلى دين وتجلت نصوصه بقداسة متغطرسة لا تقبل أى مساس بها. ويكون التعصب الجمعى مانعا لأى تفكير يتسلل للانفلات من حمى التعصب. وهكذا يا سادتى تجدوننا بحاجة إلى جهدكم لفتح ثقوب فى جدران التعصب كى يلتقط التجديد بعضا من الأنفاس.

وهنا نأتى إلى حقيقة مأساوية وهى علاقة التجديد بالحرية والديمقراطية، فالمناخ الاستبدادى أيا كان الماكياج الذى يتحلى به وحتى لو تغنى كل ساعة بأنغام التجديد والعقل فإنه يظل مخيما ليخنق أية محاولات للتجديد. فالحرية هى من ذلك الصنف الذى لا يقتسم. فلا يمكن لمجتمع أن يكون مستبدا فى بنائه الحكومى والتنفيذى والتعليمى والعائلى ثم ينتج فكرا أو حتى محاولات لفكر تجديدى. والممارسات العملية واضحة تماما فى تصرفات مع مفكرين بلا حصر طالهم الاستبداد فكانوا نموذجا أخاف أجيالا عدة من المحاولين للتجديد. فالعقل ذلك الماكينة المستعصية على الفهم، لا يقبل أن تفتح نوافذه مواربة، فما إن يتنفس رحيق الحرية حتى يمزق كل الحواجز والأستار. والحاكم المستبد يدرك ذلك تماما فيلجم المفكرين ويمنعهم من حق التفكير أصلا. فالتفكير يقتاد المفكر ربما رغم إرادته إلى مناح قد لا يرضى أعداء الحرية، والخوف من إعمال العقل وباء سريع الانتشار، والعدوى به تفرض إرادتها حتى على من لا يقبلونها، ولعل البعض من شيوخنا ومن ناشرينا وكتابنا يستلهمون القول الردىء «الباب اللى ييجى لك منه الريح سكه واستريح» فيلجأون إلى الراحة غير المستريحة لأنها راحة ملغومة بالاستسلام للقديم الذى لم يعد مقبولا لا بعقل ولا بفكر، ولا متماشيا مع الواقع المتجدد فى سرعة جنونية تجعل ملاحقته بتجديد الوعى والأفكار عملا صعبا، فما بالنا لو كانت هذه الملاحقة تلاحقها عوائق وموانع وتهديدات ومخاوف من اتهامات قد تنزلق حتى إلى التكفير والتشهير وماكينة الإعلام غير المسؤول مستعدة كى تدور عبر آليات متقنة للتشهير والاتهام وسرعان ما تتخلق عمائم غير مسؤولة حول حلقات نقاش مسموم فى الفضائيات التى لا أدرى كيف تتناغم معا وبسرعة رغم تناقضاتها المعلنة، لتعزف معا سيمفونية الموت للفكر الحر. ولكى أوضح بعضا من حالنا أتحدث عن تجربة شخصية لم تخِفنى وإنما آلمتنى. فأنا الذى تعرضت للقصف الإرهابى المتعصب وبعد عشرات الكتب وآلاف المقالات ضد التأسلم نشرت مقالا عن أحد المجددين المحترمين أوردت فيه رأيا جريئا له فإذا بالبعض يعتبر أن الجرأة اجتراء، وأن الاجتراء فى هذا الموضوع كفر أو ما يشبه الكفر، وكل ما اعتبر اجتراء هو قوله عن كيفية «إخراج العقيدة بما يلائم الحاجات النفسية والجو العلمى والعملى الذى تطير فيه الصواريخ العابرة وتبحث الحياة فى الكواكب الأخرى» ثم يقول «فالتطور ضرورى فيما جد من وسائل الانتقال، فراكب الطائرة هل تطبق عليه حكم الصلاة على الدابة؟» ثم يسأل عن حكم صلاة الجمعة خلف التليفزيون وبه يرى ويسمع المصلى بأفضل من ساحة خارج مسجد الحى، وشىء من هذا القبيل. ففزعت الجريدة المحترمة ربما خوفا منى أو علىّ - وامتنعت عن نشر المقال وامتنعت أنا عن الكتابة، وأنا لم أهتز ولم أتراجع.. ولكن ربما اهتز غيرى وتراجع.

فقفوا معنا يا شيوخنا الأجلاء.. ودافعوا عن الحق فى الحرية ليكون الحق فى التجديد مكفولا، وإلا سندور فى حلقة مفرغة، فلا إصلاح دينى بلا إصلاح سياسى يقيم دولة متحررة وقادرة على استخدام العقل، ولا إصلاح سياسى فى مناخ يسوده التطرف والتأسلم والإرهاب، والاغتيالات. فيدكم معنا ولنحاول معاً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية