الكتابة عن إيهاب عبدالرحمن تشبه باباً نفتحه لنعبر من قاعة إلى أخرى.. وفى هذه القاعة الأخرى، نكتشف أن الحياة تختلف تماما عن الحياة فى القاعة الأولى، حيث كرة القدم بكل قضاياها وحروبها وتجاوزاتها الأخلاقية والمادية والإدارية والفنية.. فإيهاب فاز هذا الأسبوع بالميدالية الفضية لرمى الرمح فى بطولة العالم المقامة بالصين..
وليس الحدث الحقيقى أن ميدالية إيهاب هى أول ميدالية تفوز بها مصر فى تاريخها فى بطولات العالم لألعاب القوى.. ليس الحدث الحقيقى أن إيهاب كاد يعتزل اللعبة وابتعد بالفعل، بعد إحساسه بالمهانة والانكسار حين أرسلته مصر للمشاركة فى الدورة الأوليمبية الأخيرة فى لندن بحذاء مقطوع.. ليس الحدث أن بطل العالم منذ أن جاء من كفر صقر بمحافظة الشرقية إلى القاهرة وهو يقيم فى شقة صغيرة على المحارة فى عزبة الهجانة ليس فيها أى شبابيك..
إنما الحدث الحقيقى هو أن إيهاب- بعد فوزه بالميدالية الفضية- أكد أنها ليست إنجازه هو، إنما هى إنجاز الدكتور وليد عطا، رئيس اتحاد ألعاب القوى، الذى احتضن اللاعب وأعاده من الاعتزال واشترى له الحذاء الجديد ووفر له كل الإمكانات والوسائل التى جعلته أحد أبطال العالم.. أما وليد عطا فلم يقل أبدا إن ميدالية إيهاب هى إنجاز للاتحاد المصرى لألعاب القوى، إنما يبقى النادى الأهلى هو صاحب الإنجاز الأول، باعتباره هو الذى يرعى اللاعب وينفق على تدريباته ورعايته.. وعلى الرغم من أن خالد عبدالعزيز، وزير الرياضة، أَوْلَى اهتماماً ورعاية خاصة للبطل إيهاب عبدالرحمن، فإن الوزير لم يتحدث عن ذلك مطلقا أو يتوقف أمامه، وإنما قدمت الوزارة الشكر الرسمى للبطل وناديه واتحاده..
وهكذا وباختصار شديد نجد أنفسنا فى مناخ هادئ وراق ليس فيه صراخ وشتائم وإهانات واتهامات متبادلة والانتقاص من قدر ومكانة كل وأى أحد.. وليست حكاية إيهاب عبدالرحمن هى وحدها الاستثناء من فوضى وكوارث كرة القدم فى مصر..
إنما هناك عشرات الحكايات وقصص الحب والعطاء والنجاح، رغم المرارة والألم من الخماسى الحديث للاسكواش وللجمباز.. السباحة والكرة الطائرة والمصارعة وكرة اليد وتنس الطاولة ورفع الأثقال والملاكمة.. وليس معنى ألا نلتفت نحن ونرى هذه الحكايات أنها ليست موجودة ولا يستحق أصحابها تحية التقدير والاحترام.. وعلى الرغم من اقتناعى بأن كرة القدم هى اللعبة الأولى شعبيا وإعلاميا، وهى التى تهم الناس وتشغلهم أكثر من غيرها، ويقينى بأنها ستبقى كذلك.. فإننى لا أطلب حربا ومواجهة بين كرة القدم وكل هذه الألعاب..
إنما أطلب فقط قليلاً من الاحترام والاهتمام بهذه الألعاب وبعض الضوء، حتى لو كان شحيحا وخافتا.. ففى هذه الألعاب دراما حقيقية على الطريقة المصرية.. قهر ومظالم وأوجاع وحرمان، ثم تحد وعناد وكبرياء وانتصار لا يأتى بأى أموال، إنما يصبح فقط بمثابة رد الاعتبار.. وأظن أن إيهاب عبدالرحمن بهذه الميدالية العالمية الأولى فى تاريخ مصر رد اعتباره أمام حذائه المقطوع وأمام بيته الفقير الذى لا شبابيك له وكل سنوات المعاناة والحرمان.