عندما قال الراحل عمر سليمان إن المصريين غير مستعدين للديمقراطية لم يكن يقصد إهانة المصريين، حسبما فهمنا وقتها، ولكن ربما خانه التعبير فى إقرار حقيقة أن «المصريين فاهمين الديمقراطية غلط»، وهذا ما ترجمته الأحداث التى تلت ثورة يناير بشكل فعلى، بدءاً من غزوة الصناديق التى قادها السلفيون الذين كونوا فيما بعد حزب النور بالنيابة عن الإخوان فى الانتخابات البرلمانية 2013 وحشدوا لهم عبر المساجد، ثم تجلت هذه الحقيقة بشكل أكبر فى الانتخابات الرئاسية 2012 التى أتت لنا بالإخوان المسلمين فى الحكم، عبر سلم الديمقراطية المكسور.
إن الديمقراطية الحقيقية هى ممارسة تتجاوز الحدود الضيقة لصندوق الانتخابات، وهى أيضاً أكثر اتساعاً من الميادين التى يتظاهر فيها بعض المواطنين لنيل حرية ما أو اعتراضاً على وضع معين، وهى أيضاً أعمق من مفهوم الحرية المطلقة لأى فئة فى المجتمع أن تفعل ما تريد وقتما تريد، لأنه هكذا يتحول الوضع إلى فوضى.
إن الديمقراطية الحقيقية هى الممارسة التى يصفها العالم باسم الديمقراطية الحرة، وهى عبارة عن ممارسة شاملة لإدارة شؤون البلاد بصورة يشترك فيها الشعب والدولة لتحقيق أكبر قدر من الأمن والحريات المدنية والسياسية تحت سيادة القانون ممثلاً هنا فى الدستور، وتكون المسؤولية فى إنجاح هذه الممارسة للوصول لتلك الأهداف هى مسؤولية مشتركة بين المواطن والمسؤول فى الدولة، بحيث تكون الدولة ملزمة بإتاحة الفرصة للمواطن للمشاركة فى عملية صناعة القرار وتقرير مصيره ومصير بلاده.
وتتم مشاركة المواطن فى صناعة القرار بعدة طرق، أشهرها التصويت على مجموعة من الاختيارات التى تتيحها الدولة بشأن أمر ما، مثلاً التصويت على قبول نص دستورى، أو التصويت على اختيار أعضاء للبرلمان، أو التصويت لاختيار رئيس للدولة، وهكذا. ويكون واجب الدولة هنا هو التدقيق فى صحة وسلامة هذه الاختيارات قبل طرحها على المواطن، واستبعاد العناصر الفاسدة منها، ولو لم تقم الدولة بفحص وتنقية الاختيارات المتاحة قبل تقديمها للمواطن، تكون بذلك مقصرة.
أقول هذا الكلام لأننا مقبلون على انتخابات برلمانية مهددين فيها بتكرار نفس سيناريو الإخوان لأن غالبيتنا كمصريين ما زلنا فاهمين الديمقراطية «غلط»، وهذا ما جعل الأحزاب الدينية تستعد بغزوة صناديق جديدة عبر منابر المساجد والوعود الساذجة بالطريق إلى الجنة فى خلط صريح للدين بالسياسة، فى حين أن لدينا دستوراً يحظر هذا الخلط، ولدينا قانون أحزاب يمنع هذه الأحزاب التى تستغل الدين والمادة الثانية فى الدستور كغطاء لطموحاتها السياسية من الوجود أصلاً.
من واجب الدولة، ممثلة هنا فى لجنة الأحزاب السياسية، أن تساعد المواطن على ممارسة الديمقراطية الحرة، عبر تنقية الاختيارات المتاحة للمواطنين من الأحزاب التى تأسست على مرجعية دينية بما يخالف نص الدستور ونص قانون الأحزاب. كل الدعوات التى رفعت أمام القضاء المصرى بشأن حل الأحزاب الدينية ورُفضت، كان السبب فى رفضها أن مقدم الدعوى ليس ذا اختصاص أو أن لجنة الأحزاب لم تصدق على طلب مقدم الدعوى أولاً، ولهذا كانت الدعاوى تُرفض من حيث الشكل وليس من حيث الموضوع.
وبالتالى فإننى كمواطنة مصرية، ومثلى كثيرون، نطالب لجنة الأحزاب السياسية بأن تبدأ بأسرع وقت ممكن بتحريك دعوى قضائية بصفتها الجهة المختصة للمطالبة بحل تسعة أحزاب دينية، أبرزها حزب النور، بدعوى عدم الدستورية وتأسيسها بالمخالفة للقانون. ونتمنى ألا تتراخى اللجنة أو تقصر فى الحفاظ على حقنا فى الاختيار من بين عناصر غير فاسدة مالياً أو سياسياً أو دينياً.