منذ بداية مشواره السينمائى وتأثرًا بصداقة وشراكة مع المخرج الراحل يوسف شاهين، حرص المنتج جابى خورى على تقديم سينما مختلفة تحمل روحًا مشاغبة واشتباكًا سياسيًا وقضايا مهمة ورؤية جادة يطرحها بجرأة مهما كانت الخسارة المحتملة لمثل هذه الأفلام فى ظل سوق سينمائية قليلاً ما ترحب بالعمل الجاد، وكثيرًا ما تظلمه لصالح أفلام تجارية سطحية.
* بداية.. لماذا تبحث دائمًا عن الإنتاج المختلف.. وما الهدف من تقديمك فيلم «دخان بلا نار» مع كل ما يحمله من مجازفات؟
- إنتاجى مختلف، لأننى أسير إلى حد ما على خُطا يوسف شاهين وفكره الذى أنا على اقتناع شديد به، حيث ضرورة تقديم أفلام تحمل إضافة لى وموضوعها يحمل قضية، وليس تقديم فيلم لمجرد أن السيناريو جيد وقد يحقق عائدًا ماديًا كبيرًا، ولا أعرف هل سنستطيع إكمال الأمر هكذا أم لا، فقبل فترة قصيرة كان يوسف شاهين موجودًا ويدعم ذلك ويسهل الأمور التى أصبحت أصعب قليلاً، ولكننا نجرب،
ولدىّ فيلمان أجهز لهما ولمست اهتمامًا من جهات إنتاجية مختلفة للمشاركة فى تقديمهما، وبالنسبة لفيلم «دخان بلا نار» فقد بدأت فكرته من 14 سنة خلال فعاليات مهرجان قرطاج، حيث كنا نعرض فيلم «المهاجر» بينما كان المخرج اللبنانى سمير حبشى يعرض فيلمه الأول «الإعصار»، وأبلغنا خالد النبوى بأن الفيلم جيد وطلب منا مشاهدته، وأعجب يوسف شاهين بالفيلم كثيرًا، وأخبرنى برغبته فى إنتاج فيلم من إخراجه،
وبالتالى فعمر قرار تقديم فيلم من إخراج سمير حبشى يعود لهذا التاريخ، وحين عرض على السيناريو بعدها أعجبنى، وأعجبنى أكثر نهاية السيناريو، ودرست الموضوع إنتاجيًا وأخبرت شاهين به وباحتمالات خسارته، وحين لمس أن الخسارة قد تكون محدودة وجميع الأمور محسوبة وافق على تقديمه.
* وما الذى أضافه الفيلم لك ولتجربتك السينمائية؟
- إنتاج فيلم لبنانى لأول مرة فى مشوارى كان رغبة لدىّ، وتجربة أردت خوضها، والفيلم نفسه يتناول القمع فأعجبنى كثيرًا، والتجربة أفادتنى كثيرًا. فعلى صعيد الإنتاج تعرفت على عملية إنتاج الفيلم خارج مصر، واكتسبت معرفة مخرج ومدير تصوير وفنيين لبنانيين وأتمنى قدومهم إلى مصر للعمل معهم، الفيلم نفسه خرج بشكل أفضل مما كان عليه السيناريو حين قرأته،
كما شارك الفيلم فى مهرجانات عدة مثل أبو ظبى ولندن وقرطاج، ومطلوب مشاركته حاليًا فى مهرجانات ميلانو ولاس فيجاس وبلجيكا، ووجودنا على الساحة العالمية مهم جدًا، فالتعامل مع الآخرين فى الخارج ومشاهدتهم للعمل أمر مهم، وهذا التفاعل مهم كى أتقدم فى عملى، وفى النهاية لن أخسر،
صحيح أننى قد لا أكسب تجاريًا منه، والمخاطرة الإنتاجية التى خضتها بهذا الفيلم ليست فقط فى إنتاجه، بل بالبدء فى تصويره بينما كنا لا نعلم هل سنكمل تصويره أم لا بسبب ظروف لبنان الأمنية، التى قد تتطلب توقف التصوير وعودة خالد النبوى مثلاً إلى مصر، وأيضًا التخوف من حدوث مشاكل أمنية عند عرض الفيلم تعوق مشاهدته، فمثلاً عند عرض فيلم «سكوت هنصور» فى لبنان وقعت هجمات 11 سبتمبر، التى ألزمت الناس منازلها لمدة أسبوعين لمتابعتها فى التليفزيون.
* هل يعتبر تحقيق الفيلم نجاحًا تجاريًا إنجازًا بالنسبة لك؟
- قد يكون إنجازًا لو لم يخسر الفيلم وحقق نجاحًا تجاريًا، نظرًا للطريقة التى تمت بها صناعته بروح نفتقدها فى مصر، ومثلاً كان خالد يضع ماكياجه وهو جالس على كرسى فى الشارع دون أن يخصص له كارافان، بل إنه كان يحمل المرآة فى يده بينما تقوم الماكييرة بعملها، ولم تتوافر سوى سيارة واحدة خاصة بمساعدة المخرج كانت تنقله للوكيشن فى طريقها، وقد عمل خالد وفقًا لهذه الظروف ولم يعترض، كما كان قرار كل الفريق فى لبنان - الذين عملوا بأجور رمزية - إنجاز الفيلم فى الوقت المحدد له وبالميزانية المحددة،
وتم تأجير معدات التصوير وغيرها بمبالغ مخفضة وقد كانت المعدات جيدة جدًا، وصرفت الميزانية فى كل الأوجه التى وضعت من أجلها وللهدف الأساسى وهو عمل الفيلم، فقد استخدمنا على سبيل المثال 120 علبة من الفيلم الخام، وكنا نصور 90 مترًا مثلاً بينما يفكر المخرج فى المشاهد التى تناسب ما تبقى من علبة الفيلم لتصويرها،
كى لا يهدر أيًا منها، وقد كانوا دارسين تمامًا للفيلم وما سيصورونه وكيف يحققون ذلك، وهذا قلل التكلفة بشكل كبير جدًا، كما كان سمير حبشى متميزًا فيما يتعلق بالناحية الإنتاجية، فقد أدار الإنتاج واتخذ القرارات بشكل جيد فى الوقت الذى اضطررت فيه لعدم التواجد، والنتيجة كانت أن المبلغ الذى كنت قد أخبرت شاهين بأن الشركة ستخسره لم نخسره.
* ولكن الإقبال على الفيلم ضعيف.. هل ترى ذلك بسبب تناوله شأنًا لبنانيًا خاصًا أم لأن البعض قد يصنفه بأنه فيلم مهرجانات؟
- أعتقد، لأنه شأن لبنانى وصور فى لبنان واللهجة المستخدمة لبنانية فى أغلبها، فلم يشاهده كثيرون، ولكن من شاهده لم يشعر بالضيق بل شكر فى الفيلم ومستواه، وأننا احترمناه وقدمنا له وجبة دسمة، وأعتقد أن الجمهور المصرى لا يتقبل ما هو مختلف، وهذا لا يتيح لنا تقديم فيلم مختلف، فالعدد القليل الذى شاهد الفيلم يعد مهزلة فى بلد تعداده 75 مليون نسمة، وقد كنت متوقعًا ألا يحقق الفيلم إيرادات ولكن ليس لهذه الدرجة، وقد لا أكون متفائلاً فى إمكانية تحقيقه إيرادات فى مصر، خاصة أنه عومل كفيلم أجنبى ونسخة محدودة، على عكس توقعى عن لبنان فقد ينجح الفيلم لأنه يمسها بشكل تام.
* وكم تكلف الفيلم فى ضوء تلقى طاقمه أجورًا رمزية؟
- 600 ألف دولار، ورغم هذه الميزانية فقد خرج الفيلم بمستوى عال من الناحية الفنية كأى فيلم عالمى والصورة فيه على جودة عالية، وقد يكون هناك مشاكل أو اختلافات على المضمون لكن فنيًا خرج بشكل مميز.
* هل توقعتم الاصطدام بالرقابة وحذف مشاهد من الفيلم كما حدث بالفعل؟
- الرقابة فى مصر حذفت دقيقة فقط من مقدمة الفيلم وهى مادة تسجيلية، وأنا ضد حذف أى مشهد من الفيلم، لكن كمنتج كنت مع حذف هذه المشاهد التى ناقشت سمير حبشى فيها كثيرًا، حيث كانت رؤيتى أن تلك المشاهد تحصر الفيلم فى الواقع اللبنانى بينما المطلوب أن يعبر الفيلم عن عوالم أخرى، وقد حدث للفيلم مشكلة فى مهرجان القاهرة الذى كان من المقرر عرضه فى مسابقته للأفلام العربية،
وتناقشت مع على أبوشادى، رئيس الرقابة، الذى رأى ضرورة حذف هذه الدقيقة من الفيلم بعدما ذكر الناقد رفيق الصبان كأحد أعضاء لجنة مشاهدة الأفلام بالمهرجان أن الفيلم «ضد سوريا»، ولا يمكن للمهرجان الذى هو تحت رعاية وزارة الثقافة عرض الفيلم، و«عيب» ألا يعرض مهرجان مصر الفيلم فى الوقت الذى عرض فيه فى أبوظبى وقرطاج.
* هل كان المخرج الذى يجسد خالد النبوى دوره مصريًا منذ كتابة السيناريو.. أم تم تعديل جنسيته ؟
بصراحة لم يكن المخرج مصريًا فى أول نسخة من السيناريو، بل كان لبنانيًا وقد تناقشنا كثيرًا فى هذه الجزئية لأنه لا يوجد لبنانى ليس له انتماء سياسى، ففضلنا أن يكون مصريًا لكى يحمل نظرة محايدة لجميع الفرقاء، وهذا طبقناه فيما يخص التمثيل فقد طلب سمير حبشى من خالد أن يكون شاهدًا على الحدث دون انفعالات عالية أو منخفضة، وهذا كان مقصودًا، أن يكون عينًا من بعيد ومن خارج لبنان تتابع ما يحدث وترصده.
* ولكن لبنان ذات شأن خاص.. وتتركز مشكلتها فى الطائفية والفرقة والدسائس وليس القمع.. وهو ما لمسناه فى الفيلم.. ألم يكن من الأفضل تهميش فكرة القمع لعرض وجهة نظر المخرج وهو لبنانى فيما يحدث حقًا فى لبنان؟
- حقًا لا أعرف حتى الآن وجهة نظر المخرج فيما يحدث فى لبنان، ولم أسأله بشكل مباشر مع من هو، فقد طلبت منه قراءة السيناريو لأعرف موقفه واتجاهه، لأنه من كتبه أيضًا، ولعل اسم الفيلم باللغة الإنجليزية يعبر بشكل كبير وواضح على مدلول الفيلم وهو Beruit open city «بيروت مدينة مفتوحة» ورسائله التى يحملها، فهى مفتوحة على كل الاتجاهات وللجميع ليفعل كل ما يريده فيها، مثل الأمريكى فى الفيلم الذى يقتل مواطنًا لبنانيًا ويعرض المال على أسرته دون أى اعتبار لآدميته، وهذه رسالة يرغب سمير فى توصيلها، أيضًا عشيرة هذا الرجل الذين أصر سمير على تقديمهم على أنهم مسيحين بينما يرددون عبارة «صلب إيدك على وجهك»،
رسالة أخرى مفادها عند تقديم انتقام تلك العشيرة وأنها مسيحية وليس شرطًا أن من يقوم بالإرهاب والانتقام مسلمون، بل أناس شعروا بالقهر والذل وعدم وجود عدالة، إلى جانب القمع الإعلامي، وأيضًا قمع من صديقة خالد نحوه التى لا ترغب فى أن ينظر لامرأة أخرى، وهذه الرسائل كلها كانت واضحة بالنسبة لى، وإذا لم تخرج على الشاشة واضحة، فأعتقد أننا بحاجة لمراجعة ما قدمناه، ولكن لابد أن يفكر المشاهد وهو يتابع الفيلم.
* ألا تخشى أن الفيلم وما يحمله من مضامين ورسائل قد يعود عليك بشكل سلبى بتهمة تمويل أفلام بها رسائل سياسية معينة؟
- شعرت أن الموضوع يسير فى سياق ما قدمته وشاهين من أفلام سابقة تناولنا فيها مصر والدول العربية وأمريكا، ولم أشعر باختلاف فى وجهة النظر الأساسية، وقد عشت فى لبنان ولى جذور لبنانية، فشعرت بأننى معنى بهذا الموضوع.