x

عبد الناصر سلامة .. وماذا بعد عودة سيناء؟ عبد الناصر سلامة الثلاثاء 25-08-2015 21:54


بتاريخ 16 نوفمبر 2012 (فى عنفوان حكم الإخوان)، كتبت مقالاً بصحيفة «الأهرام» تحت عنوان: (وبعد أن سقطت سيناء)، تحدثت فيه عن أن هذه البقعة المباركة من أرض مصر لم تعد بحكم الواقع تخضع للسيادة المصرية، فهى أصبحت تحت سيطرة الإرهابيين، وأن هناك أيديولوجية ما تجمع بنسبة ما بين الإرهاب فى سيناء وبين نظام الحكم، هى التى فرضت مثل هذا الوضع، مناشدا كل القوى، السياسية وغير السياسية، إيلاء هذه الأزمة حقها من الطرح، ومناشدا القوات المسلحة التدخل لتطهير سيناء من الإرهاب، ومؤكدا أننا أمام كارثة بكل المقاييس.

وفى نفس المقال، عددتُ ما تزخر به سيناء من كنوز طبيعية، إن هى أُحسن استغلالها فقد تكفى كل المصريين، كمصدر للرزق، وإن لم يحدث ذلك فسوف تظل سيناء هكذا عرضة للأطماع من جهة، وللإرهاب من جهة أخرى، وها قد مضى ما يقرب من ثلاثة أعوام على هذا الطرح، سددت خلالها مصر، من خلال قواتها المسلحة، والشرطة، والمدنيين فاتورة باهظة من الأرواح، والمال، والممتلكات، لتصحيح المسار فى تلك الأرض، التى أُريقت فيها من قبل دماء غزيرة طاهرة، لتطهيرها من دنس الاحتلال.

أعتقد، وأرجو ألا أكون مخطئا، أن الهدف قد تحقق الآن بنسبة كبيرة، وأننا بصدد الإعلان عن سيناء خالية من الإرهاب والإرهابيين، ليكون ذلك اليوم الذى يتم فيه الإعلان عن ذلك هو إضافة جديدة لأمجاد مصر، والذى لم يكن ليتحقق إلا بمزيد من التضحيات، والنفقات، وبمساعدة من أغلبية أهل سيناء الشرفاء، الذين عانوا كثيرا، سواء خلال الاحتلال الصهيونى، أو خلال سنوات الإرهاب.

القضية الأساسية التى نحن بصددها الآن هى كيفية عدم تكرار الماضى مع سيناء وأهل سيناء، المقصود بالماضى هنا هو الاحتلال والإرهاب معا، ما الذى يجب عمله كى لا تتكرر هذه أو تلك؟ أعتقد أن الكُرة الآن فى ملعب الدولة الرسمية، الشعب بكل طوائفه على استعداد للمساهمة فى تحقيق هذا الغرض، سواء بالتبرع من أجل التعمير، أو من خلال طرح أسهم على غرار ما حدث فى تفريعة قناة السويس، أو عن طريق الهجرة إلى هناك فى حالة خلق فرص عمل.

الميزة الأساسية هى أن تعمير سيناء لن يتوقف أمام نوع محدد من التنمية، بمعنى أنها سوف تستوعب التنمية الزراعية، إلى جانب الصناعية، إلى جانب السياحية، فهى فى حاجة إلى استصلاح عشرات آلاف الأفدنة للزراعة، كما تحتاج إلى مشروعات صناعية كبرى، كما أن التنمية السياحية هناك مازالت فى حاجة إلى الكثير من الجهد.

عن استيعاب العمالة فى سيناء حَدِّث ولا حرج، هى فى حاجة إلى مد طرق، كما فى حاجة لإنشاء تجمعات سكنية كبيرة، كما أيضا فى حاجة إلى مرافق وخدمات من كل نوع ولون، نحن إذن أمام مجتمع ناشئ، يمكنه استيعاب كل المآسى المصرية وحلها، من بطالة، وأزمة سكن، وأزمة غذاء، وأزمة مرور، وتلوث بيئة، ناهيك عما يحققه ذلك من استعادة أهم بقعة مصرية على أرض الواقع، وهو الأمر الذى يجعل من التعجيل بالتوجه إلى سيناء على كل المستويات أمرا بالغ الأهمية.

أعتقد أنه قد آن الأوان كى نسمع ذلك الخبر الذى يجب أن يعلنه رئيس الدولة بنفسه، أخيرا سيناء خالية من الإرهاب، بعد ذلك يجب أن تتوالى الأخبار: توجيه الاستثمارات إلى سيناء، الأولوية فى كل المجالات للعاملين بسيناء، تسهيلات لإقامة المشروعات بسيناء، إعفاءات جمركية وضريبية لكل ما يتعلق بسيناء، مواصلات مجانية من وإلى سيناء، الدولة تتكفل بمد البنية التحتية لكل أراضى سيناء، تمليك الأراضى للخريجين بأسعار رمزية فى سيناء، إلى غير ذلك من مزايا يمكن أن تغير من وجه الحياة على الأرض هناك خلال خمس سنوات، أو أكثر قليلا، لصالح المجتمع ككل، حيث يمكن أن تستوعب خلال تلك السنوات الخمس ما يصل إلى خمسة ملايين نسمة، إن نحن عقدنا العزم على ذلك.

أعتقد أن إنشاء ستة أنفاق الآن للربط مع سيناء، بجانب ما هو موجود من وسائل ربط أخرى، هو بداية قوية للتعامل مع هذه الجغرافيا، التى سوف تمثل المشروع الأهم فى تاريخ مصر، على أن يكون ذلك من خلال تخطيط علمى دقيق وشامل، يراعى كل الأبعاد السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية للمنطقة، ويراعى فى الوقت نفسه مدى حاجة مصر بصفة عامة إلى مثل ذلك التطور، مما يجعل من تبسيط الإجراءات الإدارية والمالية فى هذا الصدد أمرا مهما للغاية، حتى لا يصطدم أحد بجدار البيروقراطية، التى كانت ومازالت تمثل حجر العثرة الأول أمام كثير من عوامل التطور فى الداخل.

سيناء أيها السادة كانت حتى وقت قريب محط أنظار العالم، سياسيا، واقتصاديا، وأمنيا، الرهانات عليها كانت كثيرة لاستقبال وتصدير الإرهاب للمنطقة ككل، وربما للعالم أجمع، لنا أن نتخيل حينما يجعل المصريون من سيناء واحة للأمن والأمان من جهة، وقبلة العالم للتجارة والصناعة، بل التصدير والاستيراد من جهة أخرى، حين ذلك فقط يمكن أن يشير العالم إلينا بالبنان على أننا أحفاد الفراعنة بحق. مازلت أرى أن الأمر لا يتطلب أكثر من قرار رئاسى صادق بالتوجه نحو سيناء، خاصة أن الإرادة الشعبية موجودة بالفعل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية