خيم التعادل السلبي على المباراة المثيرة التي جمعت أرسنال بضيفه ليفربول، الإثنين، في المرحلة الثالثة من الدوري الإنجليزي الممتاز.
استغل أرسين فينجر فوران المدفعجية المتوقع في أول ربع ساعة لتطبيق رسمين تكتيكيين للاعبيه في الملعب، الأول هو الرسم المعتاد بتمركز جيرو كرأس حربة وحيد مع وجود الثلاثي أوزيل في القلب، سانشيز جهة اليسار، ورمزي على اليمين، ثم يتغير الرسم بعملية تدوير بسيطة تبدأ بصعود مونريـال/بيليرين المتألق ليميل أوزيل لمساندته وينضم سانشيز/رامزي لمنطقة العمليات كمهاجم ثاني، بالطبع يتبع ميل أوزيل، مغناطيس قلب هجوم أرسنال، صعود كازورلا كصانع لعب بديل.
كيف بدأ فينجر اللقاء
ولأن فوران أرسنال لا يرتكز إلا على دفعة ملعب الإمارات المعنوية، ولا يدعمه ظهير تكتيكي يسمح بإمتلاك الكرة لفترة كبيرة أمام فريق متزن ومنضبط تكتيكيًا كليفربول، فما لبثت هوجة هجوم أرسنال أن هدأت على حدود ربع الساعة الأولى، بحصيلة تشكلت في فرصة تهديف واحدة لسانشيز، وهدف بدا صحيحًا ثم ألغي بداعي التسلل لرامزي، بينما حانت للريدز ثلاثة فرص لبنتيكي، كوتينيو وميلنر، ثم بدأت مباراة أخرى أعدها رودجرز ليشاهدها فينجر بقية الشوط الأول.
كيف بدأ رودجرز اللقاء
علم رودجرز أن مفتاح الشوط الأول هو الصمود أمام أرسنال في الربع ساعة الأولي، وللشوط الثاني حديثٌا آخر، لذا بدأ الأيرلندي الشمالي المباراة بتشكيلته المثالية، وبالمصفوفة التقليدية لخطة 4-3-3، نجح رودجرز في شل حركة «بندول» أرسنال الهجومي المتأرجح بعرض الملعب أسفل ساعته المتعطلة جيرو، فعزل رامزي، أوزيل، وسانشيز عن المهاجم الفرنسي من جهة مستغلًا إفلاسه الفني والبدني، وعن كوكلين وكازورلا من جهة مستغلًا كثافته العددية بلوكاس، ملنر وإيمري تشان، ما منح السيطرة والخطورة للريدز باقي الشوط الأول، وتوالت الفرص لهجوم ليفربول الذي كاد يخرج متقدمًا بهدفين على الأقل، لولا أفضل لاعبي أرسنال في المباراة فرانسيس كوكلين والعملاق بيتر تشيك الذي أنقذ مرماه من هدف محقق لبنتيكي مستغلًا عرضية فيرمينو الذي عاد إلى الحياة بعد أداء متواضع طيلة الشوط الأول، انتهي الشوط الأول ومعه انتهي درس رودجرز الذي لم يستوعبه فينجر، ربما لأن صدمة إستحواذ رودجرز بنسبة تخطت الـ60% مع نهاية الشوط على ملعب الفرنسي العجوز كانت أكبر من قدرته على التحليل.
ولايشفع للعنيد فينجر إستحواذه على الشوط الثاني بالكامل، لأن السبب في ذلك كان نية رودجرز في الخروج بالتعادل بعد أن أضاع لاعبوه فرصتهم في التقدم في الشوط الأول، ولو تخلي الأيرلندي الذي فضحت تغييراته نيته، عن حذره المبالغ فيه، وأجاد قراءة المباراة كما أجاد التحضير لها، لربما تمكن من منح فينجر درسًا مثيلًا لدرس الشوط الأول، ولربما حالف لاعبيه التوفيق تلك المرة.
فلم يكن إشراك كازورلا كإرتكاز مساند وحيد أمام فريق شاب مندفع بدنيًا ويملك الفنيات الكافية هو جريمة فينجر الوحيدة، الذي تقاعس عن تدعيم وسط ميدانه وهجومه فيما يعد أهم صيف في تاريخه رغم إمتلاكه الموارد الكافية، واكتفى بالحديث الممل المعتاد عن الجودة والنوعية، وفريقه الذي يمتلك «لاعبين أكفاء» في كل المراكز، الحقيقة التي لا تصح إلا في عالمه الخاص ولايراها غيره، فهشاشة العمود الفقري لهجوم أرسنال متمثلاُ في كازورلا مرورًا بأوزيل وإنتهاءًا بجيرو، ليست خفية على أحد، ومن السهولة ملاحظة خسارتهم لنصف الإلتحامات البدنية على الأقل عند تعرضهم لضغط بدني بقوة ضغط ثلاثي وسط الريدز، وبأبى جيرو إلا أن يضيف البطء على ما سبق كلما لمس الكرة، حتى لا تعلم حقًا هل ما تراه هو البث المباشر أم إعادة بطيئة للهجمة السابقة.
ضعف مساندة كازورلا الدفاعية ترك بيليرين وحيدًا فى مواجهة كوتينيو المتألق وترك لكوكلين مساحة أكبر من قدرته على التغطية
ضِف إلى ما سبق، آرون رامزي أحد أسباب خلل ساعة لندن الهجومية، الويلزي الشاب يلعب في ساحة مدرسة لا مباراة رسمية في البريمييرليج، مجهوده وافر، لمسته الفنية لا شك فيها، لكنه لا يمتلك أي نوع من أنواع الوعي التكتيكي، لا يعلم متى ينظر لقدميه ومتى يرفع رأسه، متى يتقدم ومتى يكون مطلوبًا لمساندة زملاءه في الخلف، رامزي يريد تسجيل الأهداف دائمًا، رامزي يريد التواجد في منطقة الجزاء دائمًا، ولكن من سيلعب في مكان رامزي الأصلي على الجناح أو الوسط؟ رامزي لا يهتم، وربما لا يهتم فينجر هو الآخر، الشيء الوحيد الذي يحسب لفينجر في المباراة هو أداء جابرييل باوليستا ورفيقه في قلب دفاع المدفعجية كالوم تشيمبرز، ربما لن يتخطي الـ6 من 10 على أي موقع إحصائي ولكن المواقع الإحصائية لا تضع في الحسبان تاريخ آخر مباراة رسمية شارك فيها الثنائي، ولولا أداءهما المتماسك نسبة للمتوقع، لما كانت هناك مباراة لتحليلها من الأصل، يكفي الثنائي فوزهما بكل الإلتحامات الهوائية بستة لكل منهما في وجود العملاق بنتيكي.
عاد فينجر للشوط التاني بفورة هجومية أخرى بنفس التشكيل ونفس الرسم التكتيكي، وتراجع رودجرز لنصف ملعبه راضيًا بالوضع الجديد على أمل إفاقة فيرمينو وإستمرار نشاط كوتينيو في الهجمات المرتدة، ظل رامزي حائرًا في ثلث ملعب الريدز الأخير نتيجة لتفوق الرائع جو جوميز ذي الثمانية عشرعامًا، وبعد ربع ساعة من المحاولات الفاشلة، لاحت أول فرصة لأرسنال بتمريرة من كازورلا المتقدم لجيرو الذي فشل في إستقبالها ليلتقطها سانشيز ويسددها بقوة في القائم الأيمن للمتألق مينيوليه، الذي إقترب من إستنساخ أداء تشيك في الشوط الأول وأنقذ مرماه بعدها بعشر دقائق عندما مرر أوزيل لجيرو الذي يختل توازنه كلما لمس الكرة تقريبًا، ليسدد كرة ضعيفة نسبيًا أنقذها مينيوليه رغم قربها برد فعل سريع، فقط ليتكفل بتسديدة رامزي الصعبة بعدها بدقيقتين، تخلل تلك الفترة عدة محاولات للتسديد من لاعبي أرسنال تصدي لها دفاع الريدز، بالإضافة لتبديل رودجرز الأول السييء بخروج فيرمينو الذي لم يقدم الكثير في أول بداية له، ونزول جوردون إيبي جناح الأكاديمية السريع العشوائي، بدلًا من الإستعانة بماركوفيتش الذي خرج من قائمة المباراة، وربما من حسابات رودجرز لهذا الموسم بلا سبب مقنع، إلا إذا إعتبرت أداءه المتواضع في مركز الظهير الموسم الماضي سببًا مقنعًا.
استغرق فينجر 72 دقيقة ليدرك أن ساعته معطلة ولن تؤدي وظيفتها مهما تحرك البندول الهجومي، فأخرج جيرو وأشرك وولكوت في محاولة للفوز بنقاط المباراة، ولكن باغته إنخفاض معنويات فريقه وفقدانه للسيطرة إثر إستخلاص ناجح من المتألق جوميز، إنطلق به تجاه ملعب أرسنال وصعد زملاؤه ليمنحوا مدافعيهم قليلًا من الراحة، ونجح الريدز في كسب عدة دقائق حتى استبدل فينجر كوكلين بتشامبرلين ليعود رامزي لمنتصف الملعب، ويسبب الجناح السريع المتاعب لجهة رودجرز اليسرى ويمرر عرضية فشل وولكوت في اللحاق بها، أعقبها بتسديدة أخطأت المرمي بياردتين، ثم جاء دور كازورلا وأوزيل في التسديد خارج المرمي لتنتهي محاولات أرسنال على مرمى ليفربول وتنتهي المباراة.
أظهرت المباراة أن فريق رودجرز لم يعد بسذاجة الموسم الماضي، واكتسب صرامة دفاعية وإنضباط تكتيكي لا فضل فيه إلا لمجهودات الأيرلندي نفسه الذي اكتسح فينجر تكتيكيًا لساعة أو أكثر، ولم تعطله سوىق تغييراته السيئة التي مالت للتأمين الدفاعي أكثر من التركيز على المرتدات، فالريدز بدوا أكثر تماسكًا في الوسط والدفاع من المدفعجية حتى أثناء تعرضهم للضغط في الشوط الثاني، وكانت فرصهم أخطر وأوفر في الشوط الأول.
خطة 4-3-3 كما طبقها رودجرز تقسم الملعب لمثلثات سهلة التغطية دفاعًا وهجومًا
النتيجة خادعة بالطبع، ففي الوقت الذي سيختزل فيه كلا المدربين المباراة في الفرص الضائعة، لا يبدو أن فينجر سينتبه لضرورة التعاقد مع محور دفاعي إضافي لمجاورة كوكلين في مثل هذه المباريات بالإضافة لمهاجم أفضل من جيرو وهو ما لم يكن صعبًا على الإطلاق في بداية الصيف، ولكن الفرنسي فاجأ الجميع بالتخلي عن أكبوم وهايدن لاعبي الأكاديمية بإعارتهما لهال سيتي، بينما كان من الحكمة الإبقاء عليهما كبديلين لجيرو وكوكلين، على الناحية الأخرى، على رودجرز إستثمار العروض الرائعة التي يقدمها نجمه الأبرز كوتينيو، والعمل على تحسين مستوي فيرمينو البدني ليزيد فعالية فريقه الهجومية، فإن نجح البرازيلي في تكرار أداءه مع هوفنهايم ربما تزداد فرص الريدز في الإطاحة بالمدفعجية خارج الأربعة الكبار.