عندما وقعت هجمات 11 سبتمبر ضد الولايات المتحدة، انتفض المجتمع الأمريكى بأسره غاضباً وخائفاً من هول الضربة والصدمة؛ الأمر الذي ساعد الرئيس جورج دبليو بوش وإدارته آنذاك على تمرير سلسلة من القوانين الهادفة إلى «مكافحة الإرهاب».
في ستة أسابيع فقط تم إقرار القانون 56 للكونجرس رقم 107، والذى نعرفه باسم «باتريوت أكت» USA Patriot Act، ولمن لا يعرف فقد أُشير أيضاً إلى هذا القانون اختصاراً باسم «حب الوطن»، وأصبح نافذاً بعد توقيع الرئيس بوش عليه في 26 أكتوبر 2001.
إذا قرأ أي من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة أو واضعى دستورها وتعديلاته- نصوص هذا القانون، لأصيب بصدمة كبيرة؛ إذ تم تقويض الكثير من الحريات والحقوق التي تعهدت البنية التشريعية الأمريكية بصيانتها، والتى روجت لها واشنطن في العالم أجمع باعتبارها «قيم العالم الحر».
فقد عرّف القانون الإرهاب «بشكل فضفاض»، و«أطلق أيدى ممثلى السلطة التنفيذية دون محاسبة»، و«انتهك الدستور»، و«لم يخضع لمراجعة كافية»، و«تم تمريره في البرلمان دون أن يدرسه أعضاء كثيرون»، و«منح بعض السلطات صلاحيات القيام بعمليات تجسس ومراقبة من دون إذن قضائى».
لم تكن تلك العبارات سوى بعض الانتقادات التي تم توجيهها للقانون، والتى لم تفلح أبداً في الصمود في مواجهة وجهة النظر الرسمية، التي تمثلت في مقولة المدعى العام آنذاك جون أشكروفت: «القانون سيوفر لنا الأمن الذي يضمن الحرية».
لم يكن هذا هو أهم ما فعله أشكروفت لتمرير القانون، لكنه فعل ما هو أخطر من ذلك؛ إذ هدد هؤلاء الذين يعارضون القانون بالمسؤولية عن «دماء الضحايا الجدد الذين سيضربهم الإرهاب».
لم تصمد المعارضة بل انهارت تماماً أمام حجم الخطر الإرهابى، وتصاعد المخاوف، والرغبة في تفادى المساءلة في حال التراخى في مقاومة الإرهاب؛ وهو الأمر الذي عزز المناخ المناسب لصدور قوانين استثنائية أخرى في البلاد مثل قانون «زيادة الأمن الداخلى» الذي عُرف أيضاً بـ«باتريوت أكت 2».
لقد هدف هذا القانون تحديداً إلى «إضعاف أو محو الرقابة على تصرفات الحكومة فيما يتعلق بمراقبة أو اعتقال المشتبه في ضلوعهم في عمليات إرهابية»، بحسب ما قال المنتقدون وبعض منظمات المجتمع المدنى.
بل إن بعض هؤلاء المنتقدين أخذوا على القانون توسعه في منح الصلاحيات للسلطة التنفيذية إلى حد السماح لها بتجريد بعض المدانين بتقديم الدعم للجماعات الإرهابية من الجنسية.
لم تتوقف سلسلة التشريعات الأمريكية «المناهضة للإرهاب» بل توالى صدور قوانين أخرى في الاتجاه نفسه، وقد تناسب ذلك طردياً مع حالة التهديدات.
نحن الآن نعرف أن المجتمعات التي تواجه مخاطر إرهابية تقوم باتخاذ تدابير استثنائية لمواجهة هذا التهديد الاستثنائى، وأن هذا الأمر يحدث في الولايات المتحدة، كما يحدث في بريطانيا وفرنسا، أو روسيا وأستراليا، وصولاً إلى قطر وتركيا، التي أعاد رئيس وزرائها أحمد داود أوغلو، قبل يومين، تذكيرنا بعبارة أشكروفت؛ إذ تعهد بأن حكومته «ستتخذ كافة التدابير الأمنية اللازمة لحماية الديمقراطية».
إن أفضل ما يمكن أن تفعله حكومة في مواجهة التهديدات الإرهابية العالية الحدة سيحدث عندما لا تبالغ في ردود الفعل إزاء المخاوف، وألا تسن تشريعات لمعالجة أمور تعالجها التشريعات القائمة بالفعل، وإلا تحول الاستثناء إلى قاعدة.
يستهدف هذا الحديث بالطبع إلقاء الضوء على قانون مكافحة الإرهاب، الذي صدر أخيراً، وهو القانون الذي أثار جدلاً وانقساماً في الآراء، حيث أشاد به البعض باعتباره «ضرورة حيوية» و«من يعارضه خائن»، بينما رأى آخرون أنه «تغول على الحريات» و«تكريس للقمع».
لست مع أي من الجانبين بالكامل، وإن كنت أتفهم كلا الموقفين المتعارضين.
وببساطة، فإن مصر تتعرض لتهديد إرهابى عالى الحدة، من هذا النوع الذي يجبر أعتى الديمقراطيات على سن قوانين استثنائية، ولذلك فقد كان يجب إصدار مثل هذا القانون، الذي وقع من أعده في عدد من الأخطاء، كان من الممكن تعديلها أو تفاديها.
الأهم من ذلك أن كفاءة السلطات في إيجاد حل «ناجع» و«متكامل» لمشكلة الإرهاب وقدرة الأمن على الوفاء بدوره في تسريع الوصول إلى هذا الحل- ستحدان من المشكلات التي سيجلبها هذا القانون.
لكن تحويل القانون إلى أداة لتكريس القمع والاستبداد، دون النجاح في مواجهة الإرهاب، سيرجح كفة المعارضين والمنتقدين. هكذا تعلمنا من تجارب الآخرين.