بينما تتوالى تصريحات المسؤولين فى وزارة الصحة لطمأنة المواطنين بشأن سيطرة أجهزة الدولة على تبعات موجة الحر التى تشهدها البلاد، والتى وصلت إلى ذروتها أمس، الخميس، وفقًا لتقارير هيئة الأرصاد الجوية، تصدر وزارة الصحة نفسها يوميًا بيانات تشهد بارتفاع عدد المتوفين والمصابين جراء الحرارة الشديدة يوما بعد آخر، حيث قفز عدد ضحايا الموجة الحارة من 40 إلى ٧٦ ضحية صباح أمس الخميس.
يأتى هذا فى الوقت الذى تستقبل فيه المستشفيات والوحدات الصحية فى مختلف محافظات الجمهورية حالات متزايدة من المصابين بالإغماء وارتفاع درجات الحرارة والإسهال، وهى الأعراض المشتركة بين كثير من أمراض المناطق الحارة، وعلى رأسها التيفود، الذى تحتل مصر مركزًا متقدمًا بين الدول الموبوءة به.فوفقًا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية فى 2012، فإن مصر تقدمت لتحتل المركز الثالث بعد الهند ونيجيريا فى عدد المصابين سنويًا بحمى التيفود الناتجة عن نشاط بكتيرى، والذى يظهر فى المناطق شديدة الحرارة، والتى يعانى سكانها من تراجع أنظمة الصرف الصحى والإمداد بالمياه النظيفة. وحسب تقرير آخر صادر عن المكتبة القومية للأبحاث الطبية بالولايات المتحدة فى يناير 2006، توصّل بحث ميدانى أجراه 9 أطباء، 3 منهم مصريون، إلى نتيجة مفادها أن محافظة الفيوم هى أعلى محافظات مصر فى الإصابة بحمى التيفود، وأنها تعانى من جميع الظروف الملائمة لانتشار العدوى الوبائية نتيجة لارتفاع درجات الحرارة وتراجع خدمات الصرف والإمداد بالمياه النظيفة.يقول الدكتور أحمد خالد توفيق، الأستاذ بقسم طب المناطق الحارة بكلية الطب جامعة طنطا: «إن مرض التيفود أحد الأمراض التى تنتشر مع موجات الحر، وأنه يعد الخطر الأكبر خلال الموجة الحالية، خاصة أن ارتفاع درجة الحرارة له تأثير سلبى على المعلبات، حيث يزيد من فرص نمو بكتيريا السالمونيلا بها». مؤكدًا فى الوقت ذاته أن موجات الحر التى تمر بها مصر «عادية وتتكرر سنويا»، وأن مصر تصنف بأنها دولة «تحت استوائية»، وبالتالى لا توجد بها أمراض مثل تلك الموجودة بالمناطق الاستوائية.
ومع ارتفاع حالات الوفاة بسبب الموجة الحارة، ووسط اتهامات للوزارة بعدم الشفافية فيما يتعلق بالأرقام وإمكانية وجود عدوى بكتيرية أو فيروسية تسببت فى وصول الضحايا إلى الرقم ٧٦ فى أقل من 3 أيام، وتردد شائعات عن انتشار للالتهاب السحائى، رصدت «المصرى اليوم» تقارير لمنظمة الصحة العالمية تضع مصر خارج ما يسمى «حزام الحمى الشوكية- الالتهاب السحائى». وتؤكد تقارير متعددة، صادرة عن منظمة أطباء بلا حدود ومنظمة الصحة العالمية، أن العلاقة بين ارتفاع درجة الحرارة واشتداد الرطوبة وظهور وباء الحمى الشوكية هى علاقة عكسية، حيث تظهر العدوى وتنتشر مع انخفاض الرطوبة، بينما يمنع ازدياد الرطوبة من تكوين البؤر المرضية وانتشار العدوى المسببة للالتهاب الذى يؤدى للوفاة.
موجة الحر التى يتوقع استمرارها كانت متوقعة منذ عام 2009، عندما نشر ديفيد ستيرمان، الباحث بالمنظمة الدولية لأبحاث المناخ، مقالا فى يوليو 2009، يتنبأ فيه بأن يكون للتغير المناخى تاأثير بيئى حاد على مجموعة من الدول، بينها مصر، بما يهدد سكانها واقتصادها، ويجعل غالبية مساحة البلاد غير قابلة للسكن، فى الوقت الذى ستتآكل فيه دلتا النيل لتهدد المساحة الصالحة للسكن بالتدريج. كما تهدد ظاهرة الاحتباس الحرارى بمحو مدينة رشيد بالكامل وفقد مساحات من شاطئ الإسكندرية، مما سيحمل تأثيرات اقتصادية واسعة على الوظائف والمساحات المزروعة. ويقول التقرير إن ضياع رشيد سيكون مجرد بداية.
المنظمة الدولية لأبحاث المناخ، وهى إحدى المؤسسات البحثية الشريكة للأمم المتحدة وتتخذ من العاصمة الأمريكية واشنطن مقرا لها وتأسست فى عام 1986 لإجراء الأبحاث المتعلقة بالتغير المناخى والاحتباس الحرارى وآثاره على دول العالم المختلفة. ووفقًا لتقريرها البيئى، فإن مصر ستعانى من موجات حارة متزايدة تهدد صحة سكانها فى ظل تراجع الأوضاع الصحية وافتقار عدد من السكان لمصادر المياه النظيفة والصرف الصحى الآمن، مما يهدد بانتشار أمراض وأوبئة ظنت مصر أنها تخلصت منها فى مطلع القرن مثل الكوليرا والملاريا. كما يهدد الوضع الصحى والمناخى بضرب مصر بوباء بكتيريا التيفود التى تنشط فى البيئات الحارة غير النظيفة.
ووفقًا للتقرير المنشور قبل 6 سنوات، فإن الأمم المتحدة وجهت تحذيرات لمصر بالفعل لاتخاذ احتياطات تنموية وتوفيق أوضاع اتفاقيات المياه مع دول حوض النيل، حيث تتنبأ أبحاث المناخ بأن مصر ستعانى شحًا مائيا حتى فى حالة سريان الاتفاقات القديمة التى تحتفظ لها بنصيب الأسد من مياه النهر. وطالبت الأمم المتحدة مصر باستخدام موقعها الجغرافى المميز للاعتماد على الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء عوضًا عن الوقود العضوى (البترول والفحم)، لتقليل الآثار السلبية للاحتباس الحرارى.
تأتى هذه التوصيات لتسبق قرار الحكومة استيراد الفحم لاستخدامه فى توليد الطاقة عام 2014. ورغم أن التقرير الأممى أكد مسؤولية مصر عما يقرب من 0.6% من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون فى هواء الكرة الأرضية، واحتلالها المركز رقم 31 بين الدول الأكبر إسهامًا فى الاحتباس الحرارى، إلا أنها تعتبر واحدة من الدول التى يتوقع أن تكون الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية الحادة التى يشهدها الكوكب.
رغم هذا التحذير المبكر الذى أطلقته الأمم المتحدة، ووجهته إلى الحكومة المصرية عبر عدة مذكرات كان أولها عام 2007، إلا أن مصر لم تتبع الإجراءات القياسية التى طالبت بها الأمم المتحدة للتخفيف من أثر الاحتباس الحرارى على الأجواء المصرية وصحة المواطنين، وأوضحت الدراسة الصادرة عن المنظمة الدولية لأبحاث المناخ أن الخطوات التى تتبعها مصر حاليًا لا تنبئ بنجاحها فى تحقيق هدفها المعلن بإنتاج 20% من طاقتها الكهربية عبر المصادر النظيفة المتجددة بحلول عام 2020.التلوث، وارتفاع درجات الحرارة، وتدنى مستويات النظافة، تعتبر ثالوثًا مثاليًا فى معادلة انتشار أمراض الصيف، عن ذلك يقول الدكتور محمد عتيق أستاذ أمراض الكبد بكلية الطب جامعة طنطا: إن مناخ مصر الحار، وتلوث مصادر المياه وعدم توصيل الصرف الصحى، يساعد على انتشار النزلات المعوية والإسهال خاصة لدى الأطفال، كما يساعد على انتشار الحصبة وحساسية الصدر والالتهاب الرئوى، ويعد الأخير من أبرز الأمراض التى تنتشر خلال موجات الحر بمصر. وأكد عتيق أن «ضربات الشمس وضربات الحرارة على وجه الخصوص تعد من الأخطار التى تحذر منها وزارة الصحة لأنها قد تؤدى إلى الغيبوبة». وهى من الأمراض المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة الشديدة، ومعروفة للأطباء بشكل كبير، على حد قوله.