كتبت منتقداً علاج فيروس سى ببول الإبل، فانتقدنى السلفيون المسلمون، وصفق لى المسيحيون، وعندما انتقدت علاج السرطان بالزيت المقدس، انتقدنى السلفيون المسيحيون، وصفق لى المسلمون! للأسف، لا توجد وحدة وطنية فى مصر إلا فى الإيمان بمعجزات الزيت وحبة البركة وبول الإبل والحجامة والعلاج بالرقية الشرعية والكتاب المقدس!! على مواقع الإسلاميين تجد احتفاء بعلاج شخصية سياسية كبيرة من تليف الكبد ببول الإبل، وعلى الضفة الأخرى من شاطئ الخرافة المصرى تجد مواقع مسيحية كثيرة تحتفل بشفاء حفيد مذيعة مشهورة من سرطان المخ بوضع الإنجيل تحت وسادته، وعندما أنكرت المذيعة أن لها حفيداً أصلاً اتهمتها المواقع بأن أقاربها الجهاديين ضغطوا عليها لإنكار المعجزة! حكاية الزيت المقدس بدأت بزيارة من مندوب شركة دواء بورسعيدى أبلغنى- متهللاً- بمعجزة الزيت المقدس الذى ينزل من صورة العذراء فى إحدى كنائس بورسعيد، وكيف أن حالات كثيرة شُفيت من سرطان الثدى بتدليك الصدر بهذا الزيت! وعندما كتبت على صفحة «فيسبوك»، داعياً إلى التفكير بالمنهج العلمى فى مثل هذه الأشياء، هُوجمت بعنف، وكأن هذا الزيت ركن أساسى فى العقيدة المسيحية. طلبت تفسيراً علمياً من أحد الأصدقاء- وهو المهندس إسحق حنا، وهو دبلوم الدراسات العليا فى الفنون التطبيقية، ومتخصص فى تكنولوجيا اللاكيهات والبويات والدهان- فكتب قائلاً، تحت عنوان «لماذا تنضح بعض الصور زيتاً؟»: «الزيوت التى تُستخدم فى رسم اللوحات وأعمال الدهانات تسمى الزيوت الجفوفة، أى القابلة للجفاف، وهى تجف بالأكسدة، أى باكتساب الأكسجين من خلال التعرض للهواء. وهى من أصل نباتى من بذور بعض النباتات، وأشهرها زيت بذر الكتان وزيت فول الصويا وزيت بذر الخروع، وأوسعها انتشارا زيت بذر الكتان، ويسمى بشكل أدق زيت بذر الكتان المنزوع ماؤه، لأن طريقة تصنيع الزيت المجفاف تتم بتسخينه حتى درجة (من 200 إلى 300 درجة مئوية)، وبهذا يفقد الزيت جزىء ماء من تركيبه. وعند دهان سطح ما بهذا الزيت فإن الزيت يكون فى حالة عطش لذرات الأكسجين التى فقدها فى عملية التسخين، محاولا أن يستعيدها من أكسجين الهواء المحيط، فتضاف ذرة أكسجين لكل جزيئين متجاورين من جزيئات الزيت، وبهذا يتحول الزيت السائل إلى مركب آخر يسمى (بوليمر)، ولأن من الخواص الطبيعية لـ(البوليمر) أنه مادة صلبة، فإنه يبدأ فى التحول من سائل إلى مادة صلبة، حيث تزداد درجة لزوجته إلى أن يتصلب ويصبح طبقة جافة. وهو ما لا يحدث إذا لم يتعرض الزيت للهواء لاستمرار إحداث عملية اكتساب ذرات الأكسجين، ويظل جافا مادام معرضا للهواء وفى درجة حرارة متوسطة (أقل من 35 مئوية)، وقد يتذكر البعض أنه فى حالة تغطية جزء من جدار مدهون بزيت بذر الكتان- (وقد كان شائع الاستعمال قبل عشرين عاما تقريبا، قبل انتشار استخدام الدهانات الحديثة ذات الوسيط المائى، والتى تسمى تجاريا دهانات البلاستيك)- نقول فى حالة تغطية جزء من جدار مدهون بزيت بذر الكتان، كأن نعلق عليه صورة مثلا، فإنه بعد مرور بضعة أشهر نجد مكان الصورة وقد أصبح بلون أغمق من بقية الجدار، وعندما نتحسس هذا الجزء نلاحظ أن الدهان أصبح طريا بعض الشىء بالمقارنة ببقية الجدار، ذلك نتيجة قلة مرور الأكسجين فى هذه المنطقة المغطاة بالصورة، أى أن الدهان الزيتى الجاف بدأ يفقد جفافه لقلة تعرضه لأكسجين الهواء، ولو استمر الحال فإن حالة الليونة ستزداد إلى أن يصل الزيت إلى حالة السيولة مرة أخرى، لاحتياجه لذرات الأكسجين التى تحافظ على حالة البوليمر الجافة، لذلك حين يخطئ البعض بأن يضع لوحة أو أيقونة مرسومة بألوان الزيت داخل إطار زجاجى محكم- ومع أجوائنا المناخية الحارة- فإن هذا يعرضها لتفكيك جزيئات البوليمر الجافة ورجوعها إلى حالة الزيت السائلة، وتبدأ بعض قطرات الزيت فى التجمع داخل الإطار، لنجد أنفسنا أمام ظاهرة غريبة، ولأننا لا نعرف السبب العلمى لها فمن الأسهل والأريح أن نرجع ذلك إلى أسباب غير ملموسة وغير مدركة، فنعتبر ذلك عملا إعجازيا لصاحب الأيقونة، وفى هذا بلاشك شعور بالسعادة والرضا أكثر من أى تفسير آخر، ولكنه فى الحقيقة يثير البلبلة ويُسَطِّح الإيمان، بل يُسَفِّهه ويدفع الآخرين إلى البحث عن ظواهر معجزية أخرى، فيرى فى تجمع بعض السحب وجهاً لقديس أو يعتبر تقشيرا لبعض أجزاء من دهان جدار جيرى ظهورا لقديس، أو خدشا على نبات أو ثمرة نبات شكلا للفظ الجلالة، معتبراً أنه رسالة للعالمين من رب العالمين، وكأن الله بجلاله قد ضاق به الأمر ليتواصل مع البشر عبر نقطة زيت هاربة بالطبيعة أو تشويه فى دهان جدار أو تشويه فى بنية نبات، يا سادة.. لماذا لا نسأل أنفسنا: لماذا لا تحدث مثل هذه الظواهر إلا فى بلادنا ومجتمعاتنا؟!!! لماذا نحن مصرون على أن نرمى كل ما كلمنا به الله، ونبحث عن آليات أخرى نوهم أنفسنا بأن الله يكلمنا بواسطتها، لماذا نرفض العقل الذى أعطانا إياه الله لكى نعرفه به ونخدمه به، ثم نسعى فى أوهام لا تخدم الله ولا الإنسان؟!!!».
انتهت رسالة المهندس إسحق التى أعرف أنه سيُهاجَم عليها بضراوة وكأنه مرق من الدين، لأنه حاول أن يفهم، ولكنى سأظل أقول كما قال أرسطو: «أحب أفلاطون ولكنى أحب الحقيقة أكثر».