«أول مدرسة ثانوية فنية نووية فى مصر».. قرار فاجأت به وزارة التعليم الفنى- المتخصصين فى مجال التكنولوجيا النووية، وهو ما قابله خبراء المجال والدارسون الأكاديميون بتباين فى الآراء بين مؤيد ومعارض. تفاصيل مقتضبة أعلنتها وزارة التعليم الفنى حول المدرسة التى ستكون بنظام خمس سنوات، ويتم إنشاؤها فى مدينة الضبعة، على أن تبدأ الدراسة بها العام الدراسى بعد المقبل.
«المصرى اليوم» حاورت خبراء فى الطاقة النووية و أبدوا اندهاشهم من قرار إنشاء المدرسة، واعتبره بعضهم نوعاً من «الدجل».. وإلى التفاصيل:
الدكتور طارق فهمى، أستاذ الجيوكيمياء بهيئة المواد النووية، أوضح لـ«المصرى اليوم» أن إنشاء مدرسة فنية نووية لا يعنى أن تكون بديلة عن قسم الهندسة النووية بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، لأن كلية الهندسة هدفها تخريج علماء متخصصين فى الطاقة الذرية، فى حين أن المدرسة الفنية ستتخصص فى أعمال إنشاء المحطات النووية والأعمال الفنية المصاحبة لها.
يقول: «مجال الطاقة النووية لا يعتمد على مهندسين فقط أو علماء طاقة ذرية فقط، لكن هناك بنية تحتية وإنشاءات وتجهيزات فنية يجب أن تتم من خلال الفنيين المحترفين والمؤهلين على درجة عالية، ولذلك وجود مدرسة فنية فى حد ذاته أمر جيد لإخراج كفاءات وفنيين يمكنهم إنشاء وتشغيل محطات الطاقة النووية».
يلفت الخبير النووى النظر إلى أن مصر لا تمتلك خبرات كبيرة فى مجال الطاقة النووية مقارنة بالدول المتقدمة فى هذا المجال، ويؤكد أن الدراسات الأكاديمية والنظرية حول الأمور الفنية المستخدمة فى توليد الطاقة النووية لا تزال «محدودة» فى مصر، قائلاً: «لا توجد خبرات فى مجال الإنشاءات ولذلك لابد من سفر الطلاب إلى الدول المتقدمة فى هذا المجال مثل روسيا واليابان والولايات المتحدة للتطبيق العملى، لأنه مصر لا يوجد بها مفاعلات تدريب، وبدون التطبيق العملى يعتبر عمل المدرسة الفنية لا قيمة له».
وحول نظام الدراسة المُعلن من قبل وزارة التعليم الفنى بأنه سيكون خمس سنوات، يقول: «هذا هو الحد الأدنى للدراسة، لكنه غير كاف لتعليم الطلاب الخبرات اللازمة فى هذا المجال، لأن مجال الطاقة النووية يجب أن يتم بحسابات دقيقة، خاصة فيما يتعلق بالأمان النووى، لأن نسبة الخطأ يجب أن تكون صفرا، ولا يمكن المجازفة بإعطاء طلاب المدرسة الفنية الضوء الأخضر للبناء دون أن يتم تأهيلهم بشكل علمى وتنمية قدراتهم بشكل صحيح».
«فهمى» رحب بمكان إنشاء المدرسة فى منطقة الضبعة لقربها من المكان المتوقع إنشاء أول محطة نووية مصرية فيه.
ويقول إن مصر ينقصها عدد من المتطلبات لبناء مشروع نووى قوى، وحدد عددا من المتطلبات، أبرزها توفير مساعدات من الدول التى تملك خبرات كبيرة فى مجال الطاقة النووية ومساعدة مصر فى بناء المحطات النووية.
ويضيف: «إذا كنا بصدد إنشاء مدرسة فنية نووية، فيجب أن يكون معيار الاختيار للكفاءات، ولا بد من وضع معايير محددة ومُلزمة للجميع للالتحاق بالمدرسة، لأنها ستكون مختلفة عن المدارس الفنية الأخرى».
ويؤكد «فهمى» ضرورة تدريس الأمان النووى بـ«تعمق» داخل المدرسة، وألا يقتصر التدريس فيها على الأمور الفنية فقط، قائلاً: «لا يمكن بناء محطة فنية وفق الاعتبارات الهندسية فقط والشكل الجمالى، يجب أن يكون الأمان والتأمين هما المعيار الأول فى الإنشاءات النووية».
ويضيف: «مصر لديها العديد من الكفاءات البشرية، لكن ينقصها النواحى الاقتصادية التى قد تعطل المشروع النووى لأنه مكلف للغاية، ولا نعرف هل الوضع الاقتصادى الحالى سيسمح باقتطاع جزء منه وتخصيصه للمشروع النووى، أم سيتم التصرف فى الأموال من الخارج فى شكل منح وقروض، وبخلاف ذلك لا يوجد أمامنا أى قيود لبناء مشروع نووى قوى، خاصة أن مصر ليس لديها نوايا خفية فى استخدام التكنولوجيا النووية».
الدكتورة علياء بدوى، رئيسة قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية، قالت لـ«المصرى اليوم» إنها علمت بأمر المدرسة الفنية من الأخبار التى تداولتها الصحف، وتصريحات وزير التعليم الفنى الدكتور محمد يوسف حول إنشاء مدرسة فنية نووية.
وأكدت أن التعليم الفنى فى المجال النووى موجود فى الدول العالمية المتقدمة فى هذا المجال فى شكل «معاهد أكاديمية» يقوم بالتدريس فيها خبراء متخصصون. وأضافت: «لا أعلم هل سيتم التنسيق مع قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية وبين المدرسة الفنية الجديدة أم لا.. الأمور لم تتضح حتى الآن، ولا توجد تفاصيل حوله».
الدكتور سامر مخيمر، الرئيس السابق للمفاعل النووى البحثى، يقول لـ«المصرى اليوم» إنه لا يوجد شىء اسمه «العلوم النووية الفنية»، معتبراً أن الحديث عن مدرسة فنية لتعليم «العلوم النووية الفنية» «كلام دجل»، موضحاً أن العلوم النووية هى جزء من العلوم والهندسة، وأنه لا يوجد ما يسمى بـ«التصنيع النووى» لكن «يوجد تصنيع معدات تستخدم فى التعامل مع المواد النووية».
الخبير النووى يشير إلى أن الأعمال الفنية الخاصة بالتكنولوجيا النووية ترتبط بمجال الكهرباء، موضحاً الفارق بين الهندسة النووية والعلوم النووية بأن الأخيرة تتم فى المعامل، على أن تقوم الهندسة بتطبيق تلك العلوم فى الواقع لضمان ما سماه «كفاءة التشغيل».
ويضيف: «لا يوجد شىء اسمه علوم فنية نووية، لأن هذا مثل الربط الساذج بعبارات على غرار الطب الإسلامى والهندسة الإسلامية أو المسيحية، فالطب طب، والدين دين، والحديث عن علوم نووية فنية نوع من الفذلكة والضحك على الدقون».
ويقول إن تصميم المفاعلات النووية يتم عن طريق الهندسة، ما عدا قلب المفاعل الذى وصفه بأنه «عصب وقلب» المفاعل النووى، مؤكداً أن كافة أعمال التصميم الخاصة بالمحطات والمفاعلات النووية عبارة عن «شغل هندسة وكيمياء»، وفق قوله.
«مخيمر» أكد أن تشغيل المفاعلات النووية وبناء المحطات يحتاجان خبرات وتكنولوجيا متقدمة، قال إنها غير متوفرة فى مصر، مضيفاً: «بناء المحطات ليس بالمزاج أو بإنشاء مدارس فنية، لأنه يجب أن يكون مرتبطاً بتدريس الأمان النووى، فكيف ستقوم المدرسة بتدريب الطلاب الجدد على تشغيل وبناء محطات نووية، فى الوقت الذى لا يوجد فيه مفاعل من الأساس فى مصر يتدربون عليه، فكرة المدرسة النووية تهريج وتسويق من وزير التعليم الفنى لنفسه».
ويضيف: «الوزير إذا أراد أن يقوم بعمل مدارس للتعليم الفنى، مثل ألمانيا التى لديها معاهد فنية أقوى من الكليات، فهو أمر جيد ومطلوب، لكن فكرة مدرسة للتعليم الفنى النووى وسعت من الوزارة، وتبدو غير واقعية أو منطقية، لكن نطلب منهم إن كانوا جادين أن يقوموا بتخريج البنية الأساسية من الطلاب الذين يمكن الاعتماد عليهم فى تلك الصناعة».
وحول ما أعلنته وزارة التعليم الفنى بأن التدريس فى المدرسة سيكون بنظام خمس سنوات، سيتم تخصيص السنوات الثلاث الأولى فى الدراسة العامة، على أن يكون التخصص فى العامين الأخيرين، قال: «تأهيل شخص قادر على بناء وإدارة وتشغيل مفاعل نووى لا يمكن أن يتم خلال عامين من التخصص فقط، لأن الموضوع يحتاج تراكم خبرات وتأهيلا على مدى طويل، ولا يمكن أن نقتنع بفكرة تسفير الطلاب فى الصيف إلى روسيا للتدريب»، واصفاً قرار إنشاء المدرسة بإنه «أحلام غير واقعية».
ويضيف: «مصر لديها مفاعلان، أحدهما مبنى منذ 60 عاماً، والآخر منذ 20 عاما، ولم نقم بتطويرهما إلى الآن، وفشلنا فى بناء مفاعلات أخرى، فكيف ستقدم المدرسة التعليم العملى للطلاب، خاصة أن قيادات الطاقة الذرية تم تطفيشهم من مصر منذ ما يقرب من 12 عاماً، خاصة بعد تولى حسن يونس وزارة الكهرباء، ولا يزال القطاع حتى الآن يعانى من غياب المتخصصين».
«مخيمر» يشكك فى إمكانية امتلاك مصر برنامجاً نووياً قوياً، بسبب ما سماه «غياب القيادات المتخصصة فنياً فى قيادة البرنامج النووى»، مؤكداً أن هناك قيادات فى مصر كثيرة، لكن «يتم محاربتها»، وفق قوله.
ويضيف: «لدينا قيادات على قدر كبير من العلم والتخصص، لكن تم تهميشهم لصالح قيادات إدارية تتولى المناصب العليا، ومن يعارض يتم التخلص منه، رغم أن لدينا طلابا تفوقوا، والآن يقومون بتصميم مفاعلات نووية فى اليابان وأوروبا».
رئيس المفاعل النووى البحثى حذّر من خطورة ما سماه «الاستهتار فى التعامل مع التعليم فى المجال النووى» من خلال المدارس الفنية، معتبراً أن نسبة الخطأ فى الإنشاء يجب أن تكون صفرا%، ويقول: «لو لدينا خطأ فى تصميم محطة سكة حديد قد يموت بسببها ألف مواطن على أقصى تقدير، لكن أى خطأ فى محطة نووية قد ينتج عنه هلاك بلد بالكامل».
وحول تصريحات وزارة الكهرباء بأن المفاعل النووى المزمع بناؤه فى منطقة الضبعة بمحافظة مطروح، بأنه سيكون مخصصا لتوليد الكهرباء وزيادة الإنتاج قال: «الفشل هو أن نتحدث عن المفاعلات النووية لإنتاج الكهرباء، لأن البرنامج النووى يعنى نهضة حقيقية لمصر، وإنتاج الكهرباء شىء يعتبر على هامش البرنامج النووى، وليس الأساس، لأن إنتاج الكيلو وات النووى يكلف 7 أضعاف الميجا الكهربائية العادية، وبالتالى حل مشكلة الكهرباء لا يمكن عن طريق البرنامج النووى، لأنه سيكون غير اقتصادى».
الدكتور محمد يوسف، وزير التعليم الفنى فى مصر، قال فى تصريحات سابقة إن المدرسة هدفها «تغطية احتياجات مصر فى التخصصات الفنية النووية»، لافتاً إلى أن الدراسة ستبدأ فيها من الموسم الدراسى بعد المقبل 2016 – 2017 ومدة الدراسة بها 5 سنوات.
الوزير أشار إلى أن اختيار الطلاب سيتم من «المتفوقين فى المرحلة الإعدادية»، بالإضافة إلى وجود معايير أخرى، منها «درجة وعى الطالب والقدرة على استخدام اليد بمهارة والإحساس العالى بالجودة والسلامة والصحة المهنية»، مشيراً إلى أن عدد الطلاب المقبولين سيكون محدوداً فى البداية «لضمان جودة التعليم».