تدشين القناة الجديدة يمثل مرحلة جديدة من عمر الوطن تعلن فيها مصر استعادة الاستقرار وطى صفحة الصعوبات، وبناء مناخ للثقة وقتل الشك، السمة التى سيطرت على كل الأحداث فى السنوات الأخيرة، الشك فى كل شىء وكل الناس وكل المشروعات.
لقد كان الحفل إعلاناً مجانياً لمصر المشرقة التى طوت أحزانها وصعوباتها وتحدياتها وقررت أن تفرح وتستعيد أمجادها، وأرسلت للعالم كله رسالة بأنها تستطيع التحدى فى أى وقت حتى فى ظل المؤامرات الداخلية والخارجية، وتراجع الاقتصاد وتفكك مؤسسات الدولة وانهيار منظومة القيم الاجتماعية.
فرح الشعب رغماً عن بعض «السخفاء» الذين استكثروا عليه الفرحة أو استخفوا بها، فانطلق الأطفال والكبار فى كل المدن والقرى والنجوع يرفعون العلم ويهتفون تحيا مصر.. ولم تكن الفرحة بتوجيه من السلطة أو الإعلام، كما اعتقد البعض، بل فرحة فطرية اشتاق إليها المصريون بعد سنوات صعبة كسا الحزن كثيراً من أيامها، وافتقدوا الثقة فى كل شىء حتى جاء هذا المشروع العملاق لتطلق مشاعر البهجة التى طالما تم كبتها كثيراً بسبب الإرهاب الأسود والاضطراب السياسى.
ورغم الفرحة يجب التوقف أمام بعض الدروس من نجاح هذا المشروع.. فالعبر تؤخذ من النجاحات وليس الإخفاقات فقط، خاصة أن الإنجازات الكبيرة تمحو وتذيب الأخطاء، بل الخطايا.. ومن هذه الدروس:
■ أن أعلى درجات النجاح يتم الوصول إليها عبر تحالف الجميع: الشعب بالتمويل.. الرئيس بالرؤية والإرادة والمتابعة.. هيئة قناة السويس بالتخطيط.. الجيش بالإشراف والمشاركة.. شركات القطاع الخاص بالتنفيذ.. الجيش والشرطة بالتأمين والحماية.
■ الوقت المحدد قيمة مهمة لضمان النجاح، فموعد العام لإنهاء المشروع أحد أهم عناصر التفوق وإبهار المصريين والعالم، وبالتالى يجب أن تكون كل المشروعات المقبلة محددة المدة مثل زراعة المليون فدان.. العاصمة الجديدة.. والأهم مشروع محور قناة السويس، الذى سيغير خريطة الاستثمار على أرض مصر.. وأيضاً تجديد الخطاب الدينى وإعادة تأهيل مؤسسات الدولة وغيرها.
■ لقد قضى نجاح القناة الجديدة على نظرية فاشلة يرددها «العجزة» بأن مصر بلد بلا كفاءات، فلا يمكن لهذا الإنجاز أن يتم بداية من التخطيط والحفر والتأمين والتمويل عبر البنوك المصرية من الشعب والاحتفال وغيرها من الأفكار المبتكرة إلا بعقول واعية ومخلصة وصاحبة كفاءة ومهارة تحتاج فقط إلى الاكتشاف والفرصة والثقة.
■ ثمة نظرية أخرى قضى عليها مشروع القناة الجديدة والتى يرتكن بعض المسؤولين الحكوميين إليها، وهى «ليس فى الإمكان أبدع مما كان.. والظروف والصعوبات ومفيش فلوس».. فمصر لن تقوم إلا بالابتكار والتحدى والأفكار خارج الصندوق.
■ إن الاستعانة بالأجانب فى بعض الأمور ليست عيباً مثلما حدث مع المخرجين الفرنسيين أو الشركة المنظمة للحفل، ومن قبلهما المعدات المستوردة، فالانفتاح على الخارج ونجاحاته يمثل خبرات جديدة للمصريين دون حساسية.
■ أخيراً، لقد تطورت مصر عبر 3 احتفاليات الأولى تنصيب السيسى رئيساً لمصر يونيو 2014، الثانية المؤتمر الاقتصادى مارس 2015، افتتاح القناة الجديدة أغسطس 2015، حيث تتسع وتزداد أعداد وقيمة الحضور من الخارج.. وتتراكم الخبرة المصرية فى التنظيم والاحتفال.. وتقوى العلاقة بين الشعب والرئيس.. وتزداد الثقة فى استقرار مصر وتوفير مناخ جاذب للاستثمار.. والأهم هو استثمار الفرص، فقد نجح المؤتمر الاقتصادى وفرح الشعب وانبهر العالم، ثم عادت ريمة إلى عادتها القديمة من حيث الأداء التقليدى.. والإخفاقات التقليدية.. والاستسلام للواقع، فهل يتم استثمار النجاح والفرح والاستفادة من مناطق القوة فى نجاح القناة الجديدة، أم ستفوت الفرصة كما حدث فى المؤتمر الاقتصادى وتعود ريمة مرة أخرى؟!