كان الأمر بالنسبة لى تجربة مثيرة تكسر طوق الحوارات المألوفة. أردت أن أدخل قلب وعقل (مايسترو) قناة السويس الوليدة.. الفريق مميش لأعرفه أكثر وليقترب منه الناس أكثر وأكثر، إنه يبدو فى الصور التى تنشرها الصحف وعلى الشاشات رجلاً أنيقاً رصيناً مهذباً خفيض الصوت إلى حد الهمس، مصغياً مترفعاً، هادى النبرة: وقد قادنى الفضول (أحد جيناتى المولود بها) إلى مناطق لم يطأها أحد من قبل، أردت أن أرسو قليلاً على رصيف (شرايين) قلب الفريق وأن أبحر فى بحر (أوردته). أردت أن أدخل عقله وأقيم فى تلافيف هذا المخ المنضبط، باختصار أردت الإبحار فى (قناته) الإنسانية الشخصية! ترى، هل يأذن؟
■ متى ستنام نوماً عميقاً؟
تسللت بسؤال، نطقته على استحياء لأجرب مدى قبوله أو رفضه: متى سينام الفريق نوماً عميقاً لساعات طويلة؟
أجاب بلا تردد: يوم ستة تمانية. قلت: كم ساعة كنت تنامها فى الأشهر الحرجة؟ قال: أربع ساعات متقطعة، قاطعته: دون كوابيس؟ قال: دون كوابيس! وأضاف: كنت أنام الساعة حداشر، أجد نفسى الساعة واحدة صاحى وذهنى منتبه، أقوم أشتغل والبيت كله نايم، أعمل لنفسى شاى كشرى مغلى وأتوه فى أوراقى لوش الفجر، وبعدين أنام إزاى قدام حجم مسؤولية؟! يمكن أنام تخاطيف يوم ستة، لكن يوم سبعة بداية مشروع التنمية وده تكليف جديد ومسؤولية ضخمة جديدة، قلت لأخفف ثقل مسؤولياته: متى رأيت ابنتك د. فاطمة مميش؟ رد بسرعة: مرة واحدة من ثلاثة أسابيع، كانت فيه مناسبة عائلية فى إسكندرية ورجعت بسرعة. قلت: قرأت عن علاقتك بالغواصات، فهل الحياة داخل غواصة منحتك هذا الصبر؟ قال: أعتقد ذلك، أنا دخلت لواء الغواصات وأنا طالب فى الكلية، حياتى كلها فى لوا الغواصات وتوليت مناصب رئيس أركان قاعدتين وقائد قاعدتين، وللعلم لم يرأس قيادة القوات البحرية من قبل أحد من الغواصات، لأنه سلاح تخصصى. قلت: «الحياة فى غواصة تحت الماء مغامرة محسوبة؟ قال: أعطتنى قوة التحمل والصلابة»، كنا نأكل فى طبق واحد بروح الفريق اللى مصيره واحد وهدفه واحد، أنت فى غواصة مش فى منتجع، يعنى حياة متوترة إلى أقصى مدى، لكن روح الفريق جعلتها رياضة تحت الماء وقد أفادتنى فى مشروع القناة وأنا مع الناس فى مواقع العمل، هذه هى القيادة الميدانية التى تجعلنى أشعر بكل صغيرة وكبيرة، لأنه عمل ميدانى، بالإضافة إلى القيادة المكتبية.
أنظر فى وجه الفريق وهو يتحدث عن الحياة فى غواصة فأجده هادئاً، كأنه يحكى لى عن فيلم بين الأطلال!!
■ ما أسلوبك حين تفرح؟
قلت للفريق مميش: كيف تعبر عن فرحك؟ قال بلا تردد: بالدموع! أضاف وفى عينيه شىء ما يلمع ربما خذلته دمعة: لما قمت بتجربة العبور لأول مرة فى القناة، ونجحت تطلعت للسماء وبكيت بصوت لم يسمعه أحد، قاطعته وقلت: إنه النحيب! قال الفريق: إنه ليس مجرد عبور سفينة إنه عبور دولة، قلت: ألا تخاف من لوثة الفرح ونحن بشر؟ قال مميش: أنا رجل وسطى متعقل جداً، حتى حينما سئلت عن تكريم قلت لهم: إن تكريمى إنى عديت بقناتى، قلت له: ما مفهوم البطولة لديك؟ قال: الزهد والولاء للوطن (تنكر ذاتك وتعطى كل ما تملك لوطنك) هذه هى البطولة، قلت: دعوات من تلاحقك بالتوفيق فى حياتك؟ قال: أمى الله يرحمها. سألته: ما حجم إيمانك؟ قال: كبير جداً وأنا قدرى جداً وراض بما يقسمه الله من رزق أو أى شىء.
قلت للفريق، مايسترو القناة الجديدة: كيف أخرجت أفضل ما فى المصريين ونعلم أن لهم سلبيات، يذهلنى إنجاز سواعد مصرية وفى مواقع أخرى بلادة وإهمال، الفريق يرد بابتسامة ثقة، قال: لكل شعب إيجابياته وسلبياته، وقيادة البشر فن، البشر كما تعلمت فى العسكرية لهم مفاتيح وشفرة، المهم كيف تجد هذه المفاتيح وتلك الشفرة، هنا يكمن فن القيادة، إنها ممارسة وتجربة وخطأ، الناس كانت خارجة من مأزق فى الوطنية وفى الولاء والانتماء للدولة، فكيف ترفع من مستوى الولاء والانتماء، الولاد فى القناة كانوا بيشتغلوا بأعلى معدلات الوطنية، قلنا هنحفر وإحنا حفرنا. قلت للفريق: أنت فى قمة نجاحك، حدثنى عن فشل ما فى حياتك، وممكن نشطب كلمة فشل وأستبدلها بإخفاق؟ قال: كان نفسى وأنا فى بدء حياتى العملية فى (منصب)، لكن ربنا لم يرد ومعنى ذلك إنك لما ماتوصلش لهدف أو أمنية مش معناه إنك فشلت أو أخفقت، (مش ممكن ربنا يكون عاوز لك خير آخر)، وتهرب كلمات التعليق منى...! وأتابع وقلت: أنت راض دائماً، قال: الرضا أعظم نعمة يا أستاذ مفيد، الرضا بما قسمه الله لك، أنا قلت لحضرتك أنا وسطى متعقل وقدرى.
■ لو صدر لك تكليف بنيل مصر؟
سألت الفريق مميش: هل تمنيت أن تمتلك (بسكليت) وأنت طفل؟
قال: لا، لا أحب البسكليت، كانت أمنيتى الوحيدة أن أكون ضابط بحرى، لأن العيلة كلها عسكريين، وأنا مولود فى الميه وأعشقها وسنين خبرتى وشبابى فى الميه ولما ربنا أراد أن أترك القوات المسلحة جئت إلى هنا مرتبطاً بالبحر، وكما تعلم يمثل عمرى.
سألته: هل يحبك البحر بمثل ما تحبه؟ قال: نعم البحر يعرف عشاقه! قلت: هل البحر غدار؟ قال: للطبيعة غدرها أحيانا. قلت: هل تخاف الفيضان أم النار؟ قال: أخشى النار ولا أخاف من فيضان البحر! قلت: السفر بالباخرة ممتع؟ قال: وأى متعة؟ قلت: والسفر بالطائرة؟ قال: كل وسيلة سفر لها متعتها. اعتدلت فى جلستى وقلت للفريق مميش: سؤال افتراضى. قال بأدبه الجم: اتفضل، أنا متوقع أسئلتك غير المسبوقة، قلت: ما أول قرار تصدره لو أن الفريق مميش صدر له تكليف بنيل مصر؟
قال الفريق، وقد اتسمت كل ملامحه بجدية شديدة: أولاً تطهير المجرى، لأن الأنهار فى العالم كله لها دور محورى فى التجارة الداخلية، وكله بينقل نقل نهرى وليس (نقل برى)، ونقفل الطرق ونكسر فى أماكن، انظر إلى فرنسا وألمانيا، إنهم يعتمدون على النقل النهرى: عندنا نهر النيل من دمياط لأسوان، ومع ذلك لم نعتمد على النقل النهرى، لأننا لم نجهزه ملاحياً ولا عملنا عملية مسح وخرائط وعلامات ملاحية ولا قمنا بعمل موانئ نيلية، فالنيل شريان حياة بالنسبة لمصر، ومينفعش مركب تغرق، واللى بيحصل ده لازم يحصل، لأن مفيش ضوابط ولا عوامل أمان، واهتمامنا بالنقل النهرى سيوفر الطرق وتقوم بدورها الاقتصادى. قلت للفريق: ماذا تفعل بحفنة رمل فى يدك؟ قال: أقبلها.. قلت: وحفنة طين؟ قال: أى حاجة من أرض مصر، سواء حبة رمل أو حصى أو شريان طين، فى عينيّه من جوه. قلت: ماذا يأخذك من العلوم العسكرية؟ قال: كان يشدنى يوسف السباعى، قصصه كانت تبكينى، وشدتنى أشعار كامل الشناوى، إنها خيال مجسم، وكان إيمان كامل الشناوى يستوقفنى وهو شاعر، وسمعت عبدالحليم فى عاطفياته، وأهوى حليم فى وطنياته، فصوته الحالم يتحول إلى صوت جسور. سألت الفريق: هل جربت طعم القلق؟ قال: طيلة عام كامل ذقته وعرفت طعمه المر، لكن طالما الواحد متكل على ربنا ما يقلقش.
■ من كان أشطر منك فى المدرسة؟
- سألت الفريق: هل تذكر اسم تلميذ جاورك فى الفصل وكان أشطر منك؟ قال بسرعة لم أتوقعها: وجدى إميل ميخائيل، أعشقه وصديق عمرى والأول على الفصل. قلت: كيف تتغلب على الإحباط حين يدق على بابك؟!
قال: أبص فى وش أحفادى وبناتى و.. اتغسل!
قلت: ما هو الإحباط؟ قال: شعور غامض يضرب حماسك.
سألته: ما هو الحماس؟ قال: طاقة إيجابية والحماس معدى.
قلت: ما هو الحلم؟ قال: فكرة تنتظر أن تتحقق.
قلت: متى ركبت مركباً لأول مرة؟
قال: المحروسة، وكنت طالباً فى الكلية وكانت فى فترة الصيف نطلع إيطاليا واليونان، صحيح هو يخت ملكى لكن بالنسبة لى علم ننضف ونمسح ولا نخجل، فهذه قطعة بحرية. سألت الفريق: ما حجم العناد فى الحق؟ قال: 90%. قلت: وما حجم المرونة؟ قال: 90%.
قلت: أنا عندما أسمع صفارة باخرة تعطينى معنى (الرحيل). قاطعنى الفريق: أما أنا فتطربنى لأن للصفارة لغة، صفارة واحدة لها معنى، وصفارتان لهما دلالة وثلاث صفارات لها إشارة، إنها (لغة بحرية) الصفارة الكبيرة الطويلة معناها طوارئ، أفهم لغة الصفارات من فرط حياتى فى البحر. قلت: وصفارات السفن فى موانئ العالم يوم 6 أغسطس، قال: إنها تعبير عن البهجة لأنها – كقناة مصرية – تخدم العالم كله. قلت: صف لى المرشد المصرى للقناة؟ قال: أكفأ مرشدى العالم. قلت: هل يساورك الغرور بعد إنجازك؟ قال: الغرور قاتل ومن تواضع لله رفعه.
قلت: بالمناسبة: صف لى مشاعرك وأوراق النتيجة تفر يوماً بعد يوم؟ قال: قلبى يدق وأكاد أسمع دقاته!
قلت: سأجرؤ على سؤال ربما لم يطرق أذنه. ما المانع؟
■ هل ترددت ثانية بعد تكليف الرئيس؟
سألت الفريق مميش: كم نسبة التردد فى المائة حين حدد لك الرئيس المهمة بسنة واحدة؟ قال: صفر فى المائة؟ إنه أمر رئيس الجمهورية وهذا مفهومى وما تربيت عليه.
قلت: ما شعورك نحو (القناة الأم)؟ قال: احترام لتاريخ، ومصريتى بتخلينى أرفع راسى لفوق، وأجدادنا اللى حفروها بسواعدهم وبالجاروف وفى الشمس وبالسخرة.
قلت: أى مشهد تتمنى أن تحضره افتراضاً فى حفل القناة الأم؟
قال: الحفل نفسه لأنه كان فيه أبهة وعظمة.
قلت: صف لى مشاعرك يوم التجربة والعبور؟ قال: قلبى كان هينط من الفرح. إنها جلسة تسبق ليلة السبت (يوم التجربة النهائية) مع المرشدين فى ليلة تحضيرية لندرس الأعماق. كان من رأى البعض (إنى أعدى بمراكب صغيرة) لكنى أصريت على المراكب العملاقة.
قاطعته: هل هو عناد؟ قال: لا ثقة وإيمان.
سألته: ما معنى الزمن عندك؟ قال: أحد أضلاع مثلث الإنجاز.
قلت: هل أنت شجاع أم مغامر؟
قال: مغامر محسوبة شجاعته.
قلت: كم نسبة الخسائر فى المشروع؟ قال: صفر لأن إجراءات السلامة المهنية متوفرة. حياة كل إنسان فى القناة كانت غالية، ومن فقدناهم لا يقاسون مطلقا بضحايا القناة الأم.
سألته: أين كنت وعبدالناصر يعلن تأميم القناة؟ قال: كنت تلميذاً فى ابتدائى فيما بعد فهمت أنه قرار (إرادة مصرية) فاكر غنوة البحرية ياريس مش حافظ كلامها، لكن لما أسمع اللحن أفتكر أيام عظيمة لمصر. مصر دى – يا أستاذ مفيد– ما تنكسرش أبداً.
قلت: ما الفرق بين القناة الأم والقناة الجديدة؟ قال: بيكملوا بعض والجديدة فى أبسط عبارة (إن مفيش سفينة عملاقة تنتظر 11 ساعة) لغاية ما يحين وقت مرورها. طبعا هناك وقود وإيجار وطاقم وكلها تكاليف. الآن لن ينتظر ساعة واحدة.
قلت للفريق مميش: رأيت الرئيس السيسى غاضباً عندما قال لنا فى احتفال للأسرة المصرية فى إفطار رمضانى (بأه قناة السويس الجديدة شو للسيسى؟!!).
رد الفريق: هذا الكلام المغالط بعيد عن الواقع تماماً أنا فى خدمتى مع الرئيس، هو وطنى وعنده أفكار لذاته وعمره ما بيفكر فى نفسه وهو مش ناقص شهرة واخد قرار القناة كمصرى من أجل مصر بكرة وبعده.
قلت: كيف كنت تواجه المتشككين فى المشروع؟ قال: سيعود العامل المصرى بعد هذا الإنجاز الضخم ليقول (أنا أهه).
قلت: هل العمل فى القناة الأم كان بالسخرة؟ قال: نعم والخسائر كانت كبيرة وكان يتقاضى قرشين صاغ فى اليوم.
سألته: ماذا تفيدك ذاكرتك البصرية؟ قال: «لها إيجابيات فى الشغل ولها سلبيات فى بيتى، يتقال إنت فاكر كل حاجة؟؟!!
قلت: فى حياة كل إنسان 3 أيام محفورة فى قلبه؟
قال الفريق: يوم وفاة والدتى ويوم وفاة والدى ويوم ولادة بنتى الأولى.
قلت: هل تمنيت (صبيان) وإنت عندك (بنتين)؟
قال: عندى أحفاد صبيان أشقى من البنات.
سألت الفريق مميش: ما سر الإدارة المميشية؟
قال الطبيعية والتصميم.
قلت: أعطنى فكرة عن العقاب فى (إدارتك) قال: لا أغض بصرى عن الخطأ، خصوصا الخطأ المقصود، أما الخطأ غير المقصود فيكفى الإدراك به وعدم تكراره. أنا من الذين يعلمون أن الخطأ البشرى وارد.
سألته: كيف تتعامل مع المدنيين بقواعد الانضباط وأنت رجل عسكرى.
قال: فى الأخطاء المقصودة عن إهمال العقاب فورى ولحظى لأنى لو أجلته يفقد معناه وتفلت الأمور.
قلت: لك على الفيس بوك (محبى الفريق مميش)؟ قال: ابنتى تتابع ما يكتب وأقول لها (انقلى لى الكلام الحلو، ومش عاوز أسمع تعليقات سخافات!) وبالفعل هى (تغربل) ما تقرأ.
قال الفريق تسبقه سحابة حزن: أحكى لك حكاية: فى وسط العمل فى القناة اشتقت أن أعتمر أربعة أيام. أنا وزوجتى والبنتين وأنا جالس بخشوع أمام الكعبة أقرأ القرآن همست فى أذنى فاطمة (التليفون بيضرب بإلحاح) فأنا قلقت: فاضطررت للرد. طلع مذيع من إحدى القنوات قالى (ممكن تعمل مداخلة؟) قلت له: أنا أمام قيمة روحانية فى الكعبة ومحال أعمل مداخلات: فقال المذيع بإلحاح: يا افندم علشان خاطرى.. فسألته: إيه ضرورة مداخلتى؟ فقال ما فاجأنى «يا افندم نزل خبر على الفيس بوك إن الفريق مميش يهرب خارج البلاد!!
أذهلنى الكلام الفارغ لناس فاضيين يؤلفون حكايات وهدفها ضرب الحلم المصرى وهو القناة ومشاريع التنمية. وقلت للمذيع: اقفل السكة. وقلت لنفسى كيف أرد على سخافات مفبركة وأنا وسط مشاعر مفعمة بالخشوع، لكنى أعترف لك: حزنت لأنى أدركت أن هناك شراً عاوز يخبط فى المشروع، الموقف عقدنى من الفيس بوك.
أردت أن أغير لحظة الأسى فقلت للفريق: متى فرحت كطفل؟
قال: يوم عبرت بالمركب قلت: ماذا يغضبك؟ قال: الطعن فى الظهر قلت: هل تخذلك دموعك؟ قال: كتير.. قلت: معلوماتى إنك من مواليد برج الأسد (عاطفى وحين تغضب يعلو زئيرك) قال: عاطفية شديدة وأنا قليل الغضب. خد نصيحة (الغضب يفقدك القدرة على التفكير) وقد تندم على تفكير غير صائب.
قلت: هل تتروى فى حياتك؟ التروى جزء من شخصيتى.
قلت: كيف مرت أيام السنة لإنجاز المشروع؟ قال: الأيام مرقت!
■ ما رأيك فى ديليسبس؟
قلت للفريق: قل لى رأيك فى ديليسبس؟ قال التاريخ تاريخ: لولا فكر هذا الرجل ما كانت قناة السويس الأم، حيث تعانق الفكر الفرنسى مع السواعد المصرية.
قلت: فى مذكراتك كيف استقبلت تكليف الرئيس السيسى؟
قال: سأكتب أنه تكليف بمهمة قتالية وكان العمل شاقاً إلى أقصى حد، وأنا مولع بالمهام الصعبة، كان لازم نكون فى دائرة أمان، وعملنا خطة ومشيت كما خططنا، سأكتب: أنت أعطيتنى يا سيادة الرئيس مهمة، يا أموت.. يا أنتصر.. سأكتب هذا الإنجاز هدية للرئيس وللشعب المصرى.
قلت: هل تجربتك فى البحرية أعطتك الكثير فى القناة الجديدة؟
قال: تراكم الخبرات أفادنى فى القناة، تقدر تقول (كان زادى ومؤنتى).
قلت: ماذا أعطاك تراكم خبراتك؟ أعطانى مفهوماً مهماً لاختياراتنا فى المناصب، التدرج الوظيفى مهم جدا، فعندما تجلس على رأس الكرسى تعرف كل صغيرة وكبيرة. أنا عشت هذا المفهوم، أما دخول ناس على رأس مؤسسات لا يعلمون عنها شيئا فهو الخطأ بعينه.. معايا؟
وأطرقت برأسى مرتين.
■ هل تعرف التقاط الأنفاس؟
قلت: هل تجد نفسك فى المهام الصعبة؟ قال: سؤال فى محله تماماً أنا لما استلمت من سيادة الفريق فاضل القناة بعد 3 ساعات كنت على المكتب باشتغل. قلت: على الاقل التقاط الأنفاس.
قال على الفور: معرفوش!
قلت: هل أنت مولود للأحلام؟ قال: سنعدل فى السؤال أنا مولود للتصورات. قلت: هل هى نابعة من الحلم أم هى صفة لصيقة بشخصيتك؟ قال: تعلمت أن أحارب من أجل هدف.
قلت: هل التصور عندك هو تقدير موقف؟ قال: من خبرتى والقيادة علمتنى. مسكت وظائف كثيرة من ملازم إلى درجة فريق، وكل هذه المراحل تعلمت فيها واتعاملت مع بشر ومع وحدات بحرية وفوق السطح وتحت السطح وتعرضت لمواقف صعبة فى الأرض وفى المية وفى البحر وكل هذه التجارب تزيد من الخبرة. فعند حدوث أى موقف تكون هناك خلفية للتصور، وخصوصا فى الغواصة، مقفول عليك ومطلوب تحمل كامل.
قلت للفريق: سؤال مكرر هل (بتعوم كويس وتنط من علو؟).
قال: طول عمرى سباح، ربما من أيام طفولتى، علاقة جذرية بالميه.
قلت: للتاريخ من بنى القناة الجديدة؟ قال: المصريون بسواعدهم وأموالهم.. قلت: كم أنفقنا على القناة؟ قال عملية الإعداد جارية الآن.
■ اكتب رسالة لأسرتك الصغيرة؟
قلت للفريق مميش: اكتب رسالة للأهل وقد أتممت إنجازاً تفخر به مصر مثلما تفخر أسرتك بك.
قال: معرفش أكتب جوابات، لكن جوايا مشاعر أرجو أن تسمح بنشرها: قلت: اتفضل يا افندم.
قال الفريق بصوت متهدج: «ممتن لهم جداً، وقوفهم جنبى وفى ظهرى وتقديرهم لحجم المسؤولية وعمرهم ما شعروا أو تأففوا أنى بعيد عنهم. بالعكس أنا عيلتى عيلة وسطية ومصرية للنخاع، زوجة مصرية صالحة وبنتان، د. فاطمة ود. أميرة، وطنيتان أكثر منى. قلبهم جميعا معايا ومايستحملوش أى حرف على مصر أو على القوات المسلحة أو القناة، ودايما يكلمونى ويطمنونى ويشجعونى ويقولوا لىّ باقى كذا يوم يا بابا جاهز يا افندم: فأرد جاهز يا أولاد. دايما ينقلوا لىّ الأخبار الحلوة وأنا بسد ودانى عن الكلام التانى، مرة ثانية أنا ممتن لأسرتى الصغيرة وممتن أكثر لأسرتى الكبيرة مصر التى وضعت ثقتها فى رئيسها إنه حقاً (يجلب الخير لمصر)».