x

محمد كمال القناة والحدود وعودة الجغرافيا محمد كمال الأحد 02-08-2015 21:29


أدى سقوط حائط برلين وتسارع وتيرة العولمة وثورة الاتصالات، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إلى انتشار مقولة أن الجغرافيا قد انتهت، وأن الصراعات الجيوبوليتكية (الجغرافيا السياسية) لم يعد لها مكان وحل محلها الاعتماد المتبادل والمصالح الاقتصادية المشتركة.

السنوات الأخيرة شهدت تطورات معاكسة تمثلت فى عودة الجغرافيا مرة أخرى، وتجدد الصراع حول المساحة والمكان والمناطق الاستراتيجية. ظهر ذلك بوضوح فى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا، فهى مدخلها للمياه الدافئة فى البحر المتوسط عبر البحر الأسود، وأعلنت روسيا أنها لن تقبل امتداد حلف شمال الأطلنطى لأوكرانيا الملاصقة لحدودها الجغرافية.

عودة صراعات الجغرافيا السياسية تظهر أيضا فى آسيا، خاصة منطقة بحر الصين الجنوبى، والذى يمر به سنوياً أكثرمن 5 تريليونات دولار من التجارة وبه احتياطيات ضخمة من النفط والغاز. الصين تطالب بالسيادة على معظمه وأنشأت حديثا عددا من الجزر الصناعية فى مياهه ومدت مجال سيادتها الجوى عليها، ولكن تنازعها السيادة دول أخرى مثل ماليزيا والفلبين وفيتنام وتايوان، وتساندهم الولايات المتحدة، والصراع مرشح للتصاعد فى السنوات القادمة.

صراعات الجغرافيا تظهر بوضوح فى منطقة الشرق الأوسط، فى إطار محاولات رسم خريطة جديدة للمنطقة. الأمثلة كثيرة من انقسام السودان إلى شمال وجنوب، وظهور كيانات جغرافية تسيطر عليها قوى سياسية من غير الدول مثل حزب الله فى جنوب لبنان وحماس فى غزة والأكراد فى شمال العراق، إلى نهاية التماسك الجغرافى لدول مثل العراق وسوريا وليبيا واستحالة عودتها إلى ما كانت عليه، والأقرب هو انقسامها القانونى أو الواقعى إلى دويلات مستقلة. يضاف لذلك ظهور تنظيمات مثل «داعش» تتبنى السيطرة على الأرض وإقامة دول الخلافة عليها، وتصاعد الدور الإيرانى الذى يتبنى خلق أطر جغرافية موالية له فى العالم العربى وليس مجرد تصدير أفكار الثورة الإسلامية، وعودة إيران للمنطقة بعد رفع العقوبات عنها سيؤثر بالتأكيد على الخريطة السياسية لها.

ويصير السؤال: أين نحن فى مصر من هذه التطورات الجيوبوليتكية؟

الجغرافيا أصبحت مصدراً لتهديد الأمن القومى المصرى، فلأول مرة نشهد ظهور تنظيمات إرهابية تتبنى الفكر الداعشى وتسعى للسيطرة على نطاق جغرافى بسيناء، ويساندها فى ذلك قوى تستهدف استباحة الحدود والنزوح عبرها للأراضى المصرية. يضاف لذلك التهديدات عبر الحدود الغربية مع ليبيا والجنوبية مع السودان، وتلك التى ظهرت حديثا فى منطقة باب المندب.

ولكن الجغرافيا يمكن أن تمثل أيضاً مصدراً لزيادة القوة المصرية وتعزيز مكاناتها الدولية. فالعالم اليوم، وفى ظل الانقسام والانهيار الذى تشهده المنطقة أصبح ينظر لمصر كنقطة للاستقرار، وعلينا تعظيم هذا التوجه.

ومشروع قناة السويس الذى تحتفل مصر بافتتاحه هذا الأسبوع، بجانب فوائده الاقتصادية، يمثل إضافة للقوة الجيوبوليتكية المصرية فى ظل الاعتماد المتزايد للعالم على هذا الممر المائى ليس فقط فى نقل تجارته، ولكن أيضا فى عبور قواته لمناطق الاضطراب وعدم الاستقرار.

التغيرات الجغرافية التى تشهدها المنطقة تمثل فرصة وتحدياً لمصر، وعلينا تبنى رؤية للتعامل معها على المستوى الإقليمى، وتعظيم مصادر قوتنا الجيوبوليتكية مثل قناة السويس، والاستمرار فى تنمية قدراتنا العسكرية التى تستهدف حماية الكيان الجغرافى للدولة المصرية.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية