x

قناة السويس من مد الامتياز إلى التأميم والعدوان الثلاثى

الأحد 02-08-2015 11:15 | كتب: ماهر حسن |
خطاب جمال عبد الناصر لتأميم قناة السويس خطاب جمال عبد الناصر لتأميم قناة السويس تصوير : other

اعتبر الأوروبيون مشروع قناة السويس النقطة المضيئة فى عهد سعيد باشا، ومن بعده إسماعيل، لأنه أدى للإنسانية والحضارة أعظم خدمة أفادت حركة التجارة الأوروبية، فيما كان حفر القناة من وجهة النظر المصرية شؤما على استقلال البلاد آنذاك، حيث حفزت أطماع الغرب لاحتلال مصر وجعلتها مطمعا استعماريا.

وأبرق المستر بروى، قنصل إنجلترا، إلى بلاده يقول: إن فتح القناة سيؤدى إلى ازدياد المواصلات التجارية بين أوروبا والبلاد الواقعة على البحر الأحمر ومن المنتظر أن تحدث منازعات بين الدول الأجنبية وبين شعوب تلك المنطقة فنتخذ ذلك ذريعة للتدخل المسلح فى شؤونها، ويتوقع أن تحدث هذه النتائج فى مصر ذاتها.

«كان هذا التنبؤ فى 1854م» وقبل أن تنتهى فترة الامتياز بـ59 عاماً وفى أوائل عام 1910 فكر المستشار المالى البريطانى، مستر بول هارفى، فى وسيلة يسد بها احتياجات الحكومة المصرية المالية، وتقدمت شركة القنال بطلب للحكومة المصرية لمدة امتياز شركة قناة السويس الذى ينتهى فى 17 نوفمبر 1968 وطلبت مد الامتياز لمدة 40 سنة أخرى تنتهى فى 2008، ووقفت الحكومة البريطانية وسلطة الاحتلال موقف المؤيد لمد الامتياز، ودخل مستر بول فى مفاوضات مع شركة قناة السويس لمد امتيازها 40 عاماً. مقابل 4 ملايين جنيه وجانب من الأرباح من 1921 إلى 1968، الأمر الذى وافقت عليه الشركة ودخلت بدورها فى مفاوضات مع بطرس باشا غالى، رئيس الحكومة، الذى قام برفع مذكرة للجمعية العمومية لمناقشتها، وجاءت الرغبة فى مد الامتياز بعدما بدأت الحركة الملاحية بالقناة تتضاعف حتى بلغت عام 1889 ضعف ما كانت عليه عام 1881.

وتضاعفت مرة أخرى فى عام 1911 وكانت فترة مد الامتياز المقترح من أول يناير 1969 إلى 31 ديسمبر 2008 أن يقسم صافى الأرباح مناصفة بين الشركة والحكومة المصرية، وإذا كان صافى الأرباح أقل من 100 مليون فرنك، تحصل شركة قناة السويس على 50 مليون فرنك، ولا تنال الحكومة المصرية إلا ما تبقى.

أما إذا كانت أرباح القناة أقل من 50 مليون فرنك، فتحصل الشركة على كامل الأرباح ولا تحصل الحكومة المصرية على أى شىء، غير أن الحركة الوطنية المصرية، بقيادة محمد فريد، قادت هجوما كاسحا على طلب المد، وألبت الرأى العام ضده، حتى أن إبراهيم الوردانى الذى قام باغتيال رئيس الوزراء بطرس غالى باشا سنة 1910 جاء بين اعترافاته أنه اغتاله لأكثر من سبب، ومنها سعيه لمد امتياز القناة.

ومن جانبه قام الاقتصادى المصرى طلعت حرب بتأليف كتاب عن قناة السويس ليوضح الحقائق للعامة والخاصة عن تاريخ القناة، وكيف ضاعت حصص مصر من الأسهم والأرباح وخسائرها حتى 1909.

وإزاء الضغط الشعبى كلفت الجمعية العمومية (مجلس الشعب) طلعت حرب باشا وسمير صبرى باشا بكتابة تقرير عن الموضوع، وبالفعل قدما تقريرهما للجمعية، موضحين فيه خسائر مصر المالية المتوقعة فى حالة تمديد الامتياز الحالى بالشروط السالف ذكرها.

وكانت الجمعية العمومية قد حددت يوم 9 فبراير 1910 للاجتماع والنظر فى مشروع مد الامتياز، وكان سعد زغلول من أشد مؤيدى المشروع مع بطرس باشا غالى خلال مناقشة المشروع فى الجمعية العمومية، على الرغم من اعتراض العديد من الشخصيات السياسية المصرية، خاصة قيادات الحزب الوطنى بزعامة محمد فريد، الذى استطاع الحصول على نسخة من مشروع القانون، وقام بنشرها فى جريدة اللواء فى أكتوبر 1909، متضمنة شروط مد الامتياز، وثار الرأى العام المصرى ضد هذا المشروع، ما دفع الجمعية العمومية لرفض المشروع بأغلبية أعضائها، وبقى الامتياز القديم قائماً بشروطه حتى جاء قرار جمال عبدالناصر الذى أعلنه فى ميدان المنشية بالإسكندرية فى 26 يوليو 1956 بتأميم القناة، أى قبل نهاية الامتياز بـ12 سنة، بعد أن سحبت الولايات المتحدة عرض تمويل السد العالى بطريقة مهينة لمصر، ثم تبعتها بريطانيا والبنك الدولى، وقامت هيئة المنتفعين بقناة السويس بسحب المرشدين الأجانب بالقناة لإثبات أن مصر غير قادرة على إدارة القناة بمفردها، إلا أن مصر أثبتت عكس ذلك ونجحت وبكفاءة بالغة، وكان مهندس عملية التأميم محمود يونس.

وكان الرد على قرار التأميم هو قيام كل من فرنسا وإنجلترا بتجميد الأموال المصرية فى بلادهما، فى وقت كان للحكومة المصرية حساب دائن بإنجلترا من ديون الحرب العالمية الثانية يقدر آنذاك بنحو 135 مليون جنيه إسترلينى، فيما قامت الولايات المتحدة بتجميد أموال شركة القناة لديها، وكذلك تجميد أموال الحكومة المصرية، وقررت الولايات المتحدة وقف تقديم أى مساعدة مالية أو فنية لمصر، وضغطت كل من من فرنسا وإنجلترا على سويسرا لتتعاون معهما عن طريق تجميد الأموال المصرية لديها، ولكنها لم تستجب لذلك.

وبدأت إنجلترا فى تعبئة الرأى العام الدولى ضد مصر، وإقناعه بأن تأميمها لشركة قناة السويس خالف الشرعية الدولية، وحطم مبدأ حرية المرور فى القناة، ويهدد السلام والأمن فى منطقة الشرق الأوسط.

واجتمع وزراء خارجية فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة، وأصدروا فى 2 أغسطس 1956 بياناً يتضمن أن قرار التأميم الصادر من جانب الحكومة المصرية يهدد حرية الملاحة فى القناة، ويهدد الأمن فيها، وفى ذلك مخالفة لأحكام اتفاقية القسطنطينية، لذلك يرون ضرورة إقامة مؤتمر تدعى إليه الدول المنتفعة بالقناة، وهى الدول التى وقعت على معاهدة القسطنطينية، أو التى حلت محلها فى الحقوق والالتزامات، ودول أخرى من مستخدمى القناة، ورفضت الحكومة اليونانية فى 11 أغسطس أن تشترك فى المؤتمر وفى 12 أغسطس أعلنت الحكومة المصرية رفضها الاشتراك فى هذا المؤتمر، واجتمع المؤتمر من 16 إلى 23 أغسطس 1956، ونال خلاله المشروع الأمريكى المقدم للتصويت أغلبية الأصوات، والذى تضمن اقتراحاً بإقامة منظمة دولية تقوم على نمط الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة لتشرف على إدارة القناة، وعارضت هذا المشروع كل من (الهند والاتحاد السوفيتى وإندونيسيا وسيلان) ورفضه عبدالناصر، وإزاء هذا الرفض أعلن رئيس وزراء إنجلترا، فى مجلس العموم، إنشاء هيئة جديدة باسم هيئة المنتفعين، تكون لها مسؤولية تنسيق المرور فى القناة، وأمام فشل السياسة الاستعمارية فى تحقيق مآربها عن طريق الضغط الدبلوماسى، دبرت إنجلترا لاستعمال القوة العسكرية، وقامت مع كل من فرنسا وإسرائيل بتدبير مؤامرة ثلاثية على مصر متمثلة فى العدوان الثلاثى عام 1956.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية