من عادتى منذ سنوات طويلة أن أطيل النظر إلى النوافذ أو الشبابيك، كما نسميها فى اللغة العامية.. مفتوحة أو مقفولة تثير مخيلتى بأفكار كثيرة وأجدنى وقد ألفت حكايات عما يجرى خلف الشبابيك.. وإن مررت فى حى شعبى تجدنى أتخيل سيدة ومعها قرطة عيال ومليانة وترتدى جلابية وعلى كتفها طفل يبكى وهى تطبخ للجميع وتضحك بصوت عال.. وإن مررت فى حى راقٍ تخيلت عائلات يعيش كل فرد فيها أمام جهاز الكمبيوتر منفصلا عن الباقين.. طبعا تخيلاتى هذه قلت منها الكلبشية فقط.. فالمخيلة لها أجنحة وتحلق عاليا وليس لتحليقها سقف.. من نعم الله علينا التى تخف أحيانا وتؤلم فى أحيان أخرى الخيال.. ولو عدنا للنوافذ فشخصية البيوت وأصحابها تظهر من نوافذها.. صحيح معظمنا لا يختار ولكن دارسى العمارة يحددون العصور بالنوافذ والأبواب.. والنافذة ليست مجرد شباك تفتحه أو تقفله.. هى رمز الأمل لدرجة أنك تشعر أن الحياة عبارة عن نوافذ.. بعضها يغلق فى وجهنا فنشعر كأن كل أمل قد ضاع، ثم وفى عز الاختناق يفتح الله لنا شباكا يدخل علينا نسمة تخفف عنا قيظ الأيام والظروف..
ووراء كل شباك حكاية.. فرح أو حزن.. رجل يشقى للحصول على لقمة عيش وتفرحه فى آخر النهار قعدة أمام شاشة تليفزيون متابعا برامج التوك شو، كى يدلى بدلوه فى اليوم التالى أفضل من أى سياسى مخضرم، أو حكاية فتاة فاتها قطار الزواج وقضت ليالى تبكى على سريرها من وحدتها، أو فتاة عاشت قصة حب فاشلة بعد أن عشمها شاب بالزواج وخلِى بها.. أو حكاية زوجين يحلمان بطفل ولم يُرزقاه.. خلف النوافذ طلبة يحاولون الحصول على مجموع على أمل الدخول لكلية مناسبة أو شباب يقضون وقتهم على النت فى أمور شتى.. والنوافذ فى تفسير الأحلام لابن سيرين انفراجة.. ولو سرحنا بخيالنا لشعرنا أن النافذة امرأة.. تخجل فتقفل عليها بابها، تسرح فتفتحه حالمة بالحرية.. قد تبدو الحكاية فانتازية ولكن لو رفعت رأسك ونظرت إلى الشبابيك حولك لوجدت خلفها آلاف الحكايات والمشاعر والأسرار. جرب أن تسرح بخيالك وستجد ألف عنوان.