أشد ما يعجبنى فى إدارة الأهلى فى أغلب مراحلها التاريخية، أو بالأدق أهم ما يميز المنظومة الإدارية فى هذه المؤسسة، أنها تغلب الفعل على القول، ولا تستنفد وقتها فى المعارك الجانبية بقدر ما تركز على ستر عيوبها، ومعالجة أخطائها، وسرعة النهوض بالنادى، ما يفسر غزارة البطولات التى يحصدها، والنجوم الذين يفرزهم ويضخهم بشكل مستمر فى عروق الرياضة، وبالأخص كرة القدم، لذلك دائماً ما يربط النقاد بين نهضة الأهلى واستقرار المنتخبات وتفوقها، فكلما كان الأهلى قوياً وفتياً، زادت فرص المنتخبات فى المنافسة على الألقاب القارية.
ولا يخفى على أحد أن الأهلى مر فى السنوات الأخيرة بأزمة تبادل الأجيال، أو تسليم جيل لآخر، وهى مرحلة تحتاج فى بعض الأحيان إلى ما يقرب من ثلاثة أعوام، حتى يتشكل الهيكل الأساسى للجيل الجديد، لكنه لم يشعر بألم هذه المرحلة ووجعها النفسى والجماهيرى إلا فى هذا الموسم، عندما استفاق الزمالك من غيبوبته واقتنص الدورى، ليضع إدارة الأهلى أمام مسؤوليتها، فإما أن تستدرج إلى معارك جانبية مفتعلة ومبتذلة تستنفد قدرتها ووقتها وتأخذ منظومة الكرة فيها إلى المجهول، وإما أن تتدارك أخطاءها وتضع الأسس الصحيحة لبناء فريق، وهى فى هذا الشأن اتخذت خطوة إيجابية أكثر من رائعة، وخطوة أخرى لم تظهر لنا معالمها حتى الآن. أما عن الخطوة الإيجابية، فهى تشكيل لجنة كرة يكون فيها الأمر «شورى» للكفاءات الفنية التى تملك الرؤية وتنير الطريق لأصحاب القرار، الذى لم يعد يعتمد على رأى شخص، كما كان فى الموسم الماضى، وهو ما عاد سريعاً بالفائدة على اختيار اللاعبين الجدد.
أبرم النادى صفقات يمكن وصفها فنياً وبدنياً ومهارياً بأنها «أكثر من جيدة»، فالجابونى ماليك إيفونا هو هداف الدورى المغربى، وأفضل لاعبيه، ويملك من المهارات والقدرات ما يضعه فى مصاف اللاعبين السوبر لو توفرت له الظروف ونجح سريعا فى التأقلم والتجانس مع الفريق، كما فعل مؤمن زكريا الذى تفوق على نفسه وعلى القواعد النظرية، وتأقلم مع الأهلى، وبات أحد نجومه فى زمن قياسى ليحرز فى فريقه السابق (الزمالك) هدفين، معطياً الأسبقية لفريقه الجديد. وعن نفسى، لا أتعاطى مع الشائعات الساذجة التى يروجها خصم لهث خلف اللاعب وفشل فى التعاقد معه، أو آخر ظهر على شاشات التليفزيون ومعه ورقتان ادعى أنهما عقد إيفونا مع ناديه، ثم وجدنا اللاعب يوقع للأهلى، فأهداف اللاعب وتصدره قائمة هدافى الدورى المغربى أمر قاتل لأى فيروسات أو شائعات، ثم كانت الصفقة الرابحة الأخرى بالتعاقد مع جون أنطوى، وهو هدّاف الدورى المصرى فى الموسم الماضى وهدافه أيضاً هذا الموسم فى الدور الأول، قبل أن يرحل للسعودية، واللاعبان يشكلان أهم الصفقات الهجومية فى الانتقالات الصيفية، وسيضيفان لهجوم الأهلى مع عمرو جمال وعماد متعب. وإذا أضفنا إليهم المجموعة الهجومية لوسط الملعب: عبدالله السعيد ووليد سليمان ومؤمن زكريا ورمضان صبحى وتريزيجيه- (إذا لم يرحل)- أو أحمد الشيخ، لاعب المقاصة، الذى بات قاب قوسين أو أدنى من أعتاب «الأحمر»، ومحمد حمدى زكى، الوافد الجديد من الاتحاد السكندرى، فإن الأهلى سيملك أقوى مجموعة هجومية فى مصر وأفريقيا، وهذه هى البداية الصحيحة لبناء فريق لخمس سنوات قادمة.
ولم تتوقف لجنة الكرة عند المجموعة الهجومية، فعودة أحمد فتحى، المسمار الفولاذى فى وسط الملعب والجبهة اليمنى، ومعه صالح جمعة، إلى جوار الأوروبى حسام غالى الذى ازداد تألقاً وبريقاً بعد أزمة الشارة، وإذا أضفنا إليهم قريباً جداً «السولية»، الذى وقع على عقود رغبة للعب فى الأهلى دون غيره، فإننا نكون أمام بناء لمنتخب ينافس على بطولات قارية، وليس مجرد فريق ينافس على بطولات محلية.
أقصد أن الخطوة الأولى فى الإصلاح، والتى قادتها لجنة الكرة بترشيح لاعبين سوبر، لتعويض النقص فى الفريق، وساندتها الإدارة بتوفير الاعتمادات المالية، ونجحت فى التعاقد مع هذه الكوكبة، جاءت إيجابية. لكن نأتى للخطوة الثانية، وهى الرؤية الفنية والإدارية التى ستدار بها المنظومة، أو إدارة هذه الكوكبة من النجوم، التى لم تتضح معالمها حتى الآن، فالإعلام يقود الإدارة للإبقاء على الكابتن فتحى مبروك، وهو كلام له وجاهته من ناحية الوفاء بخدمات الرجل وحبه وتفانيه للأهلى وخبراته فى التدريب، لكن هل رأى الإعلام أو رغبته هى المرجحة لذلك القرار، خاصة أنه يعانى من انفصام فى الشخصية التحليلية؟ فالذين هاجموا جاريدو هم أنفسهم الذين صمتوا على تراجع مبروك، الأب الشرعى لهما، عن مشاركتهما أساسيين فى أغلب المباريات، لكن الأهم من رأى الإعلام أو رغبته هو رؤية لجنة الكرة وإجابتها عن السؤال المحرج: هل كابتن فتحى مبروك هو الأفضل والأصلح لإدارة هذه الكوكبة؟ وهل فكرة الكروى النابع أو المتفرع من مدرسة المرحوم الكابتن «الجوهرى»، وهى مدرسة على قدر قيمتها فى وقتها وظروفها بقدر قدمها وتقليديتها الآن، فمثلا، فى آخر ثلاث مباريات للأهلى أمام الملعب المالى والنجم الساحلى فى بطولة الكونفيدرالية وأمام الزمالك فى الدورى، شعرت، وربما أكون مخطئا، بأن الجوهرى هو الذى يدير المباراة، فالفريق يحرز هدفا، ثم يدور حول نفسه فى منتصف الملعب، حتى لا يفقد الكرة، وفى مباراة الزمالك، لو أن جوزيه كان يدير المباراة لخرج الأهلى فائزا بأكثر من ثلاثة أهداف، لكننى لا أبحث عن افتراضيات، بل عن إجابة لا أجدها، لها إشارات عند لجنة الكرة، هل فتحى مبروك هو الأنسب؟ إن التحدى ليس بطولة الدورى، فالطموح هو بطولة أفريقيا وكأس العالم للأندية. ثم نأتى للسؤال الثانى: ماذا عن الإدارة الكروية، وهل سيعطَى وائل جمعة الصلاحيات للعمل، أم سيبقى الفريق مقسوماً بينه وبين المشرف على الكرة- فوجود رأسين للعمل الإدارى الكروى كان أحد الأسباب التى ساعدت فى فشل الأهلى؟