x

هاني أنقذ 8 جثث من التفحم في مصنع العبور: «اصحابي ماتوا.. والنار حاشتني عنهم»

الخميس 30-07-2015 18:51 | كتب: عمر عبدالعزيز |
تصوير : بسمة فتحى

«الانفجار كان كبير.. الإزاز اتكسر علينا.. النار مسكت في المكان كله.. كان نفسي انقذ بقية الجثث.. صحابي كلهم ماتوا».. كلمات موزعة على عبارات نطقها بحزن فاض بالدموع من عينيه التي رأى بها الموت مصورًا في هيئة نيران كادت لتخطف، لولا العناية الإلهية، روحه من جسده النحيل، بين ما التهمته من أخضر ويابس وأصدقاء داخل مصنع بلاستيك في مدينة العبور، جلس ينظر إلى أنقاضه بعد الكارثة من الرصيف المقابل له، عله يفيق من دوار نتيجة تدافع العاملين عليه لسؤاله عن الضحايا.
كانت الساعة السابعة صباحًا، حينما بدأ هاني محمد، عمله الفني في «مصنع الحلو للأثاث المكتبي»، بعد قليل من انتهائه من مهام وظيفته الأخرى في المصنع نفسه، وهي الحراسة التي لجأ لها في سبيل تحسين دخله»، ولم تمض بعد السابعة أكثر من ساعتين ونصف حتى شعر باهتزاز أرضي شديد، أعقبه سماعه لدوي انفجار كبير من أسفل المبني، الذي عٌرِفَ فيما بعد أنه بسبب مواد قابلة للاشتعال متواجدة داخل مخزن الغزل والنسيج بالدور الأرضي.
ولأنه أول من دخل إلى المصنع بعد الحريق، تجمع حول هاني محمد، أحد الناجين من العمال، مغالبًا الدموع التي أسالها تذكره أنه حمل بيديه جثث 8 من زملائه العاملين بالمصنع عدد من عمال المصانع المجاورة ووسائل الإعلام، للاستماع لشهادته عما اتفق الجميع على تسميته حادثًا، عداه هو الذي رأه «جحيمًا» اتهم أصحاب المصنع بالتسبب فيه بسبب عدم اتخاذهم إجراءات الأمان، بالمشاركة مع رجال الحماية المدنية «لتقصيرهم في عمليات الإنقاذ».
«كنت أول واحد يخش المصنع بعد الحريقة، والجثث كانت مرمية في كل حته، بس أنا مقدرتش أدخل جار الورش بسبب النار» ينطق لسانه بينما اليد تشير إلى لهيب النيران المتصاعد من فجوات الجدار، يسكت هاني، ثم يحك عينيه التي مالت للاحمرار، نتيجة البكاء والتعرض للغاز والنيران، «النار كانت ماسكة في السلم الوحيد بتاع المصنع لما دخلنا، وحاولنا ندور على أي ناس عايشة من اصحابنا، بس ماكنش فيه حد عايش منهم، وكان فيه عامل اسمه هاني ده أول واحد قدرنا نخرج جثته».
«الانفجار كان كبير، والإزاز اتكسر علينا، والنار مسكت في المكان كله. صحابي كلهم ماتوا، ومش عارف الباقي عايش ولا ميت، بس ماقدرتش ادخل تاني عشان الشرطة منعتني، أنا ربنا نجاني عشان كنت قريب من باب المصنع وقدرت أجري بسرعة»، يتذكر هاني الذي أصبح محاطًا بدائرة من عمال مصانع أخرى تستمع له.
«الانفجار طلع من تحت للأدوار العلوية، وبعد ما خرجت من المصنع فيه حوالي 8 أنابيب بوتاجاز كانوا في الدور الأرضي فرقعوا، والنار بعد كدا مسكت في المكان كله، والشبابيك كلها اتكسرت، وحتى الجدران انهارت، ومفيش حد كان يقدر يرجع مننا جوا المصنع تاني بعد الانفجار عشان كنا خايفين إن يحصل انفجار تاني، وكان ممكن النار تمسك فينا لو حاولنا ندخل» تفاصيل دقيقة يذكرها هاني الذي كرر على مدار ساعة ونصف من انفجار المخزن محاولاته للدخول للمصنع لإنقاذ أصدقاء سمع أصوات بعضهم خارجة من طابقين من طوابق المصنع الثلاثة.
منعت النيران هاني من الدخول، خاصة وأن المصنع ليس له سوى مخرج واحد، لكنه تمكّن بعد تفكير من الدخول عبر فتحات أحدثها الانفجار في الجدران «حاولت ادخل بكل الطرق عشان رجالة المطافى مكنوش عارفين يعملوا حاجة، وقولنا لازم نعتمد على نفسنا عشان نلحق ننقذ الناس»، يقول هاني وهو يغسل من وجهه سواد صبغ الدخان به وجهه، بينما لاتزال آثاره عصية على المحو من ملابسه الحمراء التي تكشف عن كتفيه وساعديه بعد أن خلع ردائه الخارجي.
باب واحد للطوارئ تدافع العاملون بالمصنع عليه لمحاولة النجاة، إلا أن انقطاع الكهرباء، وبقائهم في ظلام دامس، بحسب هاني، حال دون تمكنهم من الفرار من «الجحيم»، الأمر الذي أدى إلى وفاة معظمهم نتيجة للاختناق أو الحريق، اما الناجين فكان نصيبهم من الكارثة كسور نتيجة التدافع، وحروق نتيجة عدم إنقاذهم فورًا.
وكانت الحبال وسيلة الناجين لإخراج الجثث، حيث استخدمها هاني بمساعدة أحد أصدقائه بلفها على الجثث، وقف الصديق في الخارج بينما هاني يلف جثامين من ماتوا «خنقًا» بالحبال، فنجح في إخراج 8 قبل أن تأكلها نيران الحريق التي ظلت متصاعدة بعد مرور 8 ساعات على الانفجار حتى تدخلت إحدى الشركات المتخصصة في إطفاء المواد الكيميائية وتمكنت من السيطرة على الحريق تمامًا في الحادية عشر قبل منتصف الليل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية