تمكن فريق بحثى يقوده عالم الأحياء بجامعة «بورتثموث» البريطانية «دايف مارتيل» من اكتشاف حفرية جديدة لثُعبان له أربع أرجل، وهو الكشف المُتسق مع نظرية تطور الكائنات التي وضعها العالم البريطاني «تشارلز داروين»، والذي سيساعد في فهم كيفية تطور الثعابين وسبب فقد أطرافها.
من المقبول علميًا القول إن الثعابين تطورت من السحالى في نقطة ما في الماضي البعيد، وما لا يعرفه العلماء على وجه الدقة هو متى ولماذا حدث ذلك، ومن أي نوع من السحالى تطورت الثعابين. الحفرية المُكتشفة حديثًا قد تُجيب عن تلك الاسئلة، فالآن، وبعد اكتشاف تلك الحفرية، يعلم الباحثون بصورة شبه يقينية أن الثعابين تطورت من السحالى البرية، وليس البحرية كما كان يُعتقد في السابق.
عثر الباحثون على الحفرية في «البرازيل»، أثناء جولة تفقدية روتينية كانت تقوم بها مجموعة من طلبة متحف «زولنهوفن» الألماني الرائد في دراسة واكتشاف الحفريات الجديدة، وهى- الحفرية- ترجع إلى العصر الطباشيري- أحد العصور الجيولوجية القديمة- وعمرها يزيد على 110 ملايين سنة، ما يجعلها أقدم حفرية تم اكتشافها للثعابين. ووُجدت تلك الحفرية في حالة ممتازة، بهيكل عظمي كامل وتفاصيل واضحة للعيان، علاوة على احتفاظها بانطباعات الأنسجة الرخوة مثل موازين القصبة الهوائية، وحسب الدكتور «مارتيل»، لم يعرف الطلبة قيمة الحفرية، إلا بعد أن تم عرضها عليه، مشيرًا إلى أنها قطعة «ثمينة بشكل لا يُصدق» ستكشف على وجه الدقة ما كانت عليه الثعابين في الماضي.
قام «مارتيل»، بالتعاون من أستاذ حفريات له باع طويل في دراسة حفريات الثعابين، ويعمل بجامعة «باث» البريطانية، ويُدعى «نيك لونجريتش»، ليكتشفا أن الحفرية لثعبان يبلغ طوله 20 سنتيمترًا من الرأس حتى «أخمص القدمين»، حجم الرأس يُماثل حجم أظفر بشري، أما عظمة الذيل فيبلغ طولها ربع الملليمتر، الأمر الملاحظ والمثير للدهشة في تلك الحفرية كان وجود زوجين من الأقدام أو زوج من الأقدام وآخر من الأيدي.
الأرجل الأمامية أو الأيدي صغيرة للغاية، ويبلغ طولها نحو سنتيمتر واحد، لها شكل خاص، إذ تحتوى على مرفق وكوع، وتنتهي بمخالب، أما الأرجل الخلفية فتتميز بكونها أطول من نظيرتها الموجودة في المقدمة، ومن المرجح أن الثعابين لم تكن تستخدمها في التحرك والمشي، لكن في مهاجمة الفرائس.
وحسب الدكتور «لونجريتش»، فإذا غضضنا النظر عن وجود تلك الأرجل، فستبدو الحفرية وكأنها لثعبان عادي للغاية، ويشير عالم الحفريات إلى أن الثعابين حين اتجهت للزحف عوضًا عن المشي، ربما تكون قد استخدمت تلك الأرجل في وظائف أخرى مثل مهاجمة الفرائس، إلا أنه عاد وأكد أنه والفريق البحثي الذي يعمل على ذلك الأمر لم يتأكدوا من تلك التكهنات بعد.
من الأمور المثيرة للاهتمام في تلك الحفرية وجود جزء من وجبة في معدة الثعبان، الذي يبدو أنه تناولها قبل أن ينفق مباشرة، ويقول «لونجريتش» إن تلك الوجبة ربما تكون لفريسة من نوع «السمندل»، وهو ما يُبين أن الثعابين كانت تأكل اللحوم منذ زمن بعيد، قبل ملايين السنوات، مما كان يُعتقد سابقًا، وأنها تطورت على الأرض وليس في البحر. ونشر الباحثون نتائج الدراسة في مجلة «ساينس» العلمية.
كانت دراسة سابقة قد اختبرت مجموعة من الفرضيات باستخدام الأساليب المتطورة، من خلال تحليل جينات الحفريات المنقرضة وتشريح بعض أنواع الثعابين الحية، وتحديد أوجه التشابه والاختلاف بين الأنواع، وتمكن وقتها الفريق البحثي، الذي قاده عالم الحفريات «أليسون هسيانج»، من إنشاء شجرة عائلة كبيرة توضح الخصائص الرئيسية التي لعبت دورًا في التاريخ التطوري للثعابين، وتشير تلك الشجرة إلى أن الجد الأكبر للثعابين عاش في القارة العملاقة القديمة «أوراسيا»، في وقت متزامن مع الظهور السريع لكثير من الأنواع من الثدييات والطيور، ورجحت الدراسة امتلاكها زوجا من الأرجل مَكَّنتها من اصطياد الفقاريات الرخوة والحيوانات الصغيرة، وهو ما تمكنت تلك الحفرية من إثباته.