علاقات شد وجذب خليجية إيرانية، طوال الوقت، على المستوى السياسى، على الرغم من العلاقات الاقتصادية المتميزة بين الجانبين، وموقف مذهبى مضطرب بين إيران وأهل السنة بصفة عامة، إلا أن التصريحات الوردية الإيرانية مستمرة طوال الوقت، وعلاقات فتور بين مصر وإيران سياسيا، على الرغم من العلاقات التجارية التى لا بأس بها، ومواجهات حاصلة بالمنطقة، إيران فى جانب منها، وغالبية دول المنطقة فى جانب، دون أى تصعيد مباشر من طهران، وموقف عربى مخز تجاه القضية الفلسطينية، التى كانت قضيتهم المصيرية يوماً ما، مع تقدم الدور الإيرانى فى هذا الشأن، من خلال دعم الفصائل الفلسطينية ماديا ومعنويا، وموقف إيرانى (فارسى) يحمل مشعل الدفاع عن الإسلام أمام العالم، فى وقت بدا فيه الموقف العربى متراجعاً أيضاً.
فى الوقت نفسه، قد نرى خلافا مستمرا حول تقسيم الحقوق فى بحر قزوين، إيران فى جانب، وروسيا فى جانب، إلا أن علاقات البلدين لم تتأثر أبدا بهذا السبب، ورغم عدم اتفاق المذهبين، الشيعى فى إيران، والعلوى فى سوريا، إلا أن علاقات البلدين متجذرة، كما هو الحال بين إيران والحوثيين فى اليمن، لدرجة أن البعض تصور أن الحوثيين ينتمون إلى المذهب الشيعى، فى نفس الوقت العلاقات المتميزة جدا بين إيران من جهة، وسلطنة عمان من جهة أخرى، والتى تجمع بين المذهبين السنى والأباضى.
أضف إلى ذلك علاقات متقدمة لإيران، مع دول مهمة فى القارة الأفريقية، استطاعت من خلالها أن تحصل على ما تريد من اليورانيوم لمفاعلاتها، وعلى قدر أكبر من الأهمية مع دول فى أمريكا اللاتينية، ساعدتها كثيرا فى الصناعات العسكرية وغير العسكرية، وعلى قدر لا يقل أهمية مع الدول الآسيوية الكبرى، استفادت منها إيران فى فتح أسواق لصادراتها الزراعية بالأساس.
استفادت إيران من كل ذلك، رغم الحصار الغربى الأمريكى المفروض عليها، فى بناء قدراتها العسكرية، والاقتصادية، والتنموية، فراحت تنشئ ترسانة عسكرية غير مسبوقة، من طائرات حربية وصواريخ، وسفن وغواصات، إلى الأقمار الصناعية، وغزو الفضاء، واستفادت فى ذلك كثيرا من كوريا الشمالية، راحت تنشئ قاعدة صناعية متنوعة بدءا من صناعة السيارات، مرورا بصناعة النسيج، وحتى صناعة الدواء، واستفادت فى ذلك كثيرا من البرازيل وكوبا وفنزويلا، التنمية الزراعية هناك أيضا وصلت إلى آفاق غير مسبوقة، وأصبح التفاح الإيرانى، على سبيل المثال، يتصدر المائدة الخليجية بصفة خاصة، قبل الأمريكى، أما عن الكافيار الإيرانى عالميا، فحدث ولا حرج.
تلك الثقة، وذلك الاعتماد على النفس، ساعد إيران ودفع بها معنويا فى مباحثاتها مع الدول الكبرى حول الملف النووى، والذى أسفر عن اتفاق (ليلة القدر) كما يطلق عليه الإيرانيون، حيث تم الإعلان عنه يوم السادس والعشرين من رمضان، ذلك الاتفاق الذى جعل الشعب الإيرانى يخرج إلى الشوارع ليلا فى احتفالات صاخبة، لم نشهدها إلا فى احتفالات الدول بالفوز بمونديال كرة القدم، وقد استفاد المفاوض الإيرانى هنا من التجربة العراقية فى هذا الشأن، حيث رفضوا البوح بأسماء علمائهم، أو حتى التقاء الآخرين بهم، كما رفضوا أيضا التراجع عن خططهم فى الاستفادة من الطاقة النووية، وعلى الرغم من ذلك، لم يسلم الاتفاق من انتقادات فوقية إيرانية، ممن كانوا يريدون الحصول على مكاسب أكبر.
هذه هى إيران الآن، وهذه هى السياسة الإيرانية، التى أصبحت متواجدة بقوة على الأرض فى العراق، كما فى سوريا، كما فى اليمن، كما فى الشأن اللبنانى، وبقوة الأمر الواقع فى معظم دول الخليج العربية، حيث القبائل فارسية الأصل، وحيث العمالة الإيرانية صاحبة الحظ الأوفر، فى دولة الإمارات تحديدا، وبعلاقات متميزة مع بقية الدول، ومن المنتظر أن تشهد إيران خلال الشهور المقبلة، نقلة أخرى اقتصادية وتنموية، مع الإفراج عن ما يزيد على ١٢٠ مليار دولار أرصدة، كانت مجمدة لدى الغرب، ورفع الحظر التكنولوجى عنها، والأهم من ذلك رفع حظر تصدير النفط، والذى يمثل نسبة تصل إلى ٣٣٪ من مدخلات إيران بصفة عامة.
كل ذلك، ومازال هناك قصار نظر فى مصر، يقفون بقوة أمام تقدم العلاقات مع هذه الدولة الناهضة بقوة، بدعوى قيامها بنشر التشيع، وما هى إلا نظرة دينية متشددة أحيانا، وسياسية مغرضة أحيانا أخرى، تهدف بالأساس إلى نشر التشتت، لحساب عواصم تربطها بطهران علاقات قوية ومتميزة على كل الأصعدة، دون النظر إلى مصلحة الأمة المصرية فى هذا الشأن، وهى الأمة التى لم تعرف أبدا، بل لم تشغل نفسها يوما ما بهذا النوع من الصراع المذهبى، إلا عندما أراد لها المغرضون ذلك.
وسوف أتذكر هنا ما ذكره لى الرئيس الإيرانى السابق، أحمدى نجاد، فى حوار صحفى بطهران قبل عامين: إننا فى إيران نتعهد بوضع جميع إمكانياتنا العلمية، والتكنولوجية، والعسكرية، تحت تصرف مصر إذا أرادت، كما سوف أتذكر أيضا محاضرة للدكتور أسامة الباز، رحمه الله، فى نادى الجسرة الثقافى بدولة قطر، عام ١٩٨٧، قال فيها نصاً: إن علاقات عربية متميزة، مع كل من إيران وتركيا، أفضل ألف مرة، من علاقات مثيلة، مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، معدداً أسباباً كثيرة فى هذا الشأن، وقد تكون معظم الدول العربية استفادت من نصيحة الباز، إلا مصر، صاحبة النصيحة.
الآن، أين تقع كل من إيران وتركيا على خارطة التقدم والتنمية فى العالم، وأين نحن فى مصر من هذه الخارطة، وإلى أى مدى وصلت العلاقات المتدنية أصلاً مع هاتين الدولتين، أعتقد أن هناك شيئاً ما خطأ.. لابد من إعادة نظر.