ما نشر من احتجاجات عن «تواضع» جنازة عمر الشريف (10 إبريل 1932- 10 يوليو 2015)، وعدم إقامة جنازة رسمية، وعدم اشتراك عدد كبير من السينمائيين، كلها صحيحة، ولكنها تثير التأمل من عدة زوايا.
لم ألتق مع عمر الشريف سوى لقاءات معدودة بدأت منذ حوالى 25 سنة، ولا مجال للحديث عنها هنا، ولكنى أعرف عنه الكثير مثل أغلب نقاد السينما، وذلك من خلال مشاهدة أفلامه وقراءة ما نشر عنه وما قاله في محاوراته من الصحافة.
ومن خلال هذه اللقاءات وتلك المعرفة، يمكننى القول إن تواضع الجنازة لا يغضبه في العالم الآخر، إن لم يكن يسعده. يكفيه أن يغطى التابوت الذي يحمل جثمانه بعلم مصر، وفوق العلم قماش كتبت عليه آيات من القرآن الكريم. يكفيه أن تنفذ وصيته بأن يدفن مع حفيدته فاطيما في مقابر محمود فهمى باشا، وهى أيضاً حفيدة الباشا. وكانت وفاة فاطيما بعد نحو عامين من ولادتها، صدمة كبرى في حياة الفنان، وهو الذي كان يقول دائماً إن له ثلاثة أحفاد، ويتمنى أن تكون له حفيدة.
ومن ناحية أخرى فأحد أسباب تواضع الجنازة تضارب الأخبار حول مكانها وموعدها وموقع المقبرة حتى الساعات الأخيرة، واختيار مسجد جديد في منطقة جديدة شرق القاهرة ليس من السهل الوصول إليها. وكان ذلك عن عمد لتجنب الازدحام والفوضى كما قال زاهى حواس صديق الفنان الراحل. ومع هذا فقد وقعت الفوضى، ولكن من دون زحام.
توفى عمر الشريف في الساعة الثانية بعد ظهر يوم الجمعة إثر أزمة قلبية في مستشفى بهمن بالقاهرة، الذي كان يعالج فيه من مرض «الزهايمر». وكان الواجب أن يصدر عن المستشفى بيان رسمى بأسباب الوفاة في الساعة الثالثة، وليس أن يعلن الخبر في الرابعة عن طريق وكيل أعماله في لندن. وكان الواجب أن يصدر في نفس اليوم، ولو في ساعة متأخرة، بيان رسمى بمكان وموعد الجنازة وموقع المقبرة.
ولا غرابة في العجز عن تنظيم جنازة لائقة باسم الفنان ومكانته. هكذا كانت جنازة فاتن حمامة أيضاً مطلع هذا العام، وجنازة نجيب محفوظ عام 2006. ويسألونك ما الفرق بين هذه الجنازات وجنازات أم كلثوم عام 1975 وعبدالحليم حافظ عام 1977 وعبدالوهاب عام 1991، وكانت كلها منظمة ولائقة. أقول هو الفرق بين مصر في هذه السنوات وتلك، ولنتذكر أن الأوانى المستطرقة ليست نظرية في العلوم فقط، وإنما في كل مظاهر الحياة.