x

أسامة غريب نفحات رمضانية غتيتة! أسامة غريب الأربعاء 15-07-2015 21:39


أصبحت ظاهرة ثابتة لا تسهل حلحلتها أن تعترض طريقك وأنت تسير بالسيارة عند أذان المغرب فى رمضان مجموعة من الصبية تم تكليفهم بتقديم جرعة من الشراب للركاب المسرعين فى طريقهم للحاق بالإفطار فى بيوتهم. هناك مَن ينظر لهذا الفعل باستنكار لأنه لا يؤدَّى بلطف، لكن يعترض الصبية السيارة ويقفون أمامها بكل رذالة ولا يتركون صاحبها قبل أن يأخذ ما يقدمونه ويشربه أمامهم حتى يتأكدوا أنه سعيد وممتن! وعلى الجانب الآخر، هناك مَن يحمد لهؤلاء الشباب والأولاد ما يقومون به، باعتبار أن مَن أفطر صائماً فله مثل أجره، وأن الاندفاع الذى يصل إلى حد الغتاتة فى أداء المهمة إنما يعود إلى الرغبة فى مرضاة الله وكسب الثواب. المستنكرون للأمر يدفعون بأن غايته المظهرية ومحاولة التقرب إلى الله من خلال أفعال تافهة، بعدما أصبح الجهاد الحقيقى شاقا ومكلفا وله تبعات ومسؤوليات لا يقدر على الوفاء بها إلا المخلصون.. أما ظاهرة الجرى وراء السيارات وقذف قائدها بالتمر فى قفاه إذا رفض أن يأخذه بالحسنى فهى لا تفترق عن الذى يترك العمل الصالح الحقيقى ومثاله الإتقان والصدق والأمانة وعدم قبول الرشوة، ثم تجده يلتمس الحسنات من خلال ورقة أدعية يطبعها ويصورها ويكتب عليها أن مَن يقوم بتوزيعها مائة مرة يكتب له قصر فى الجنة، ولا ينسى أن يذيل الورقة بأن هناك رجلاً فى ألمانيا أو فى الأرجنتين استخف بالورقة ورماها فى الزبالة، فمسخه الله وسخطه قرداً!

لكن المرحبين بالظاهرة يرونها من مظاهر التواد والتراحم بين الناس، لهذا يطلبون منك أن تترفق بالشباب الذين يتركون بيوتهم ليمنحوك ساعة المغربية رشفة عصير أو كيس بلح وأن تكرمهم بقبول الهدية والهش فى وجوههم، ويُذَكِّرونك بأنه إذا كان الجهاد الحقيقى لم يعد ميسوراً فلا أقل إذن من التعاطف مع مَن يحاولون، فيصيبون ويخطئون. وهنا يحتج المعترضون على الظاهرة بأنهم لم يطلبوا من الشباب أن يسافر لنصرة مسلمى الروهينجا فى ميانمار أو لمساعدة سكان إقليم تركستان الذى يُمنع فيه المسلمون من الصيام بواسطة السلطات الصينية.. لكنهم يطلبون ترشيد العمل الخيرى والتوجه به إلى مستحقيه، فما معنى أن تجرى وراء السيارات لتسعف أناساً ليسوا فى حاجة إلى إسعاف، لكنهم يسرعون للحاق بالإفطار فى بيوتهم، وهى قريبة بالتأكيد وإلا كانوا تركوا السيارات وذهبوا للإفطار فى مطعم.. ما معنى هذا، بينما تترك الفقراء الذين لا يجدون ما يسد رمقهم، وهم أَوْلَى بأن تبحث عنهم وتُحسن إليهم، وهؤلاء بالتأكيد على استعداد لتحمل رذالتك واندفاعك، بل الدعاء لك من قلوبهم.

أعتقد أن فعل الخير حسنٌ فى كل أوجهه، لكل الأمر يتعلق بالزمان والمكان.. أنت فى مصر عام 2015 حيث العشوائية تغطى مساحة الوطن فى الخير وفى الشر.. الأشرار عشوائيون وجهلاء ومثلهم الأخيار الساعون إلى خدمة الناس، ولو كانت ظاهرة تقديم العصير هذه تحدث فى اليابان أو سويسرا أو حتى ماليزيا لوجدت الشباب يقفون على الرصيف وقائد السيارة هو الذى يصف بجوارهم إذا أراد أن يأخذ من نفحاتهم. الوجود فى مصر له ضريبة يتعين دفعها، ومنها أن يسُبّك أحدهم وقد يبصق عليك إذا رفضت أن تأخذ منه الماء الملون الذى يقدمه!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية